أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (95): المشهد الذي لا تريد المؤسسة الإسرائيلية رؤيته

حامد اغبارية

هناك دلالات كثيرة وكبيرة تضمّنها ذلك الاستقبال الشعبي لشيخ الأقصى، الشيخ رائد صلاح، من لحظة إطلاق سراحه وما تلاها، وما سمعناه من الطيف السياسي حول مركزية الرجل ورمزيته. دلالات، وإن بدت ذات بُعد شعبي عاطفي، إلا أنها في حقيقتها وفي لا وعيها ذات أبعاد سياسية وهوياتية كبيرة، وُجِّهت من خلالها رسائل واضحة إلى عناوين كثيرة في المؤسسة الإسرائيلية من جهة، وفي الشارع السياسي في الداخل الفلسطيني من جهة ثانية. وكانت أهم رسالة حملها ذلك الالتفاف حول شيخ الأقصى أن ما يمثله الرجل من مواقف ورمزية وصلابة ودفاع شرس عن الثوابت بفلسطينيتها وإسلاميتها، دون تردد أو تلعثم أو خوف أو حرف للبوصلة أو خداع الذات، إنما هو الصوت الذي يصدحُ به أبناء هذا المجتمع الفلسطيني حتى في صمتهم، وهو الصوت الذي يعبر عن مكنونات صدورهم ورغبات نفوسهم. ولا أظنّ أن هناك شريفا من أبناء هذا الشعب وهذا المجتمع لا يريد الانعتاق من الاستسلام للواقع، ولا يريد نهضة هذا المجتمع بهامة مرفوعة وكرامة محفوظة، ولا يريد العزة النقية الطاهرة التي لم تلوّثها أوهام، ولم تقع في فخ الانتهازية، ولا في شِباك الأسرلة، ولا في حضن المؤسسة الإسرائيلية.

إذا كان شيخ الأقصى يحمل همّ قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، فإن المشهد يؤكد أن هذه القضية هي غاية ما يطمح إليه مجتمعنا كلّه وشعبنا كله وأمتنا كلها.

وإذا كان شيخ الأقصى يحمل مشروع المجتمع العصامي الذي كانت له ولإخوانه من خلاله صولات وجولات يعلمها القاضي والداني، فإن المشهد يؤكد أن الرغبة العارمة في أوساط أبناء هذا المجتمع في بناء مجتمع عصامي تكمن في الصدور تكاد تتفجر حيوية وجموحا نحو الهدف.

وإذا كان الشيخ رائد صلاح يمثل ذلك الصوت الأبوي الحاني على مجتمعه، الساعي إلى إرساء السلم الأهلي في مدنه وقراه ونجوعه، بعزيمة القائد المدرك لحجم ما نعانيه من جائحة العنف وسفك الدماء، فإن المشهد يؤكد أن أهلنا جميعا ينتظرون الكثير الكثير من الرجل ومن هم حوله لإفشاء السلام ونشر نسائم السلم والأمن والأمان في النفوس، وهم على استعداد للسير خلفه وتقديم كل ما يلزم من أجل إنقاذ أنفسنا مما أوقعنا أنفسنا فيه وأوقعتنا فيه حبائل الذين لا يريدون خيرا بهذا المجتمع، بل يريدونه مجتمعا مفككا متصارعا منشغلا عن قضاياه الكبرى.

وإذا كان الشيخ رائد صلاح يمثل ذلك الصوت الذي يؤلّف بين القلوب ويجمع بين الأقطاب حول قضايانا الساخنة، لأنه أدرك منذ البداية أن (جبهتنا الداخلية) تحتاج إلى رص الصف لمواجهة الخطر الحقيقي، فإن مجتمعنا فهم هذا المعنى فهما عميقا عن وعي وإدراك بأنه لن تُحلّ العُقد ولن تزول الأخطار ولن تُهدم الحواجز ولن تُزاح المعيقات إلا إذا كان مجتمعنا كلّه يدا واحدة في مراغمة الباطل ومَن يمثلونه، سواء كان ذلك على صورة المؤسسة الإسرائيلية في تعاملها معنا كداخل فلسطيني أو على هيئة احتلال بغيض يسعى إلى التمدد في كل اتجاه مُحرقا كل شيء، مفسدا لكل بقعة خضراء.

في اليوم الذي خرج الشيخ من ظلمات سجن الظالمين، ومن اللحظات الأولى بدأت ماكنة التحريض الصهيونية الرسمية والشعبية تتقيأ ما في صدورها من حقد كراهية. ومن شدّه يأسهم وخيبتهم وفشلهم في الفتّ من عضُد الرجل راحوا يحرضون على سجنه من جديد، إلى درجة أن شخصا (فاشلا بكل المعايير) مثل الشاباكي آفي ديختر تمنى حبسه حتى يبلغ التسعين من عمره وبذلك يكون تأثيره أضعف وخطره أقل!!!

لا يفهم هذا المحرّض- وأنّى له ذلك؟- أن الكرامة والشرف والإباء والصلابة تزداد في شعبنا عنفوانا كلما تقدم العمر برجاله ونسائه. ويبدو واضحا أنه لم يقرأ التاريخ ولم يتعرف على رجال سطروا أكثر صفحات حياتهم إشراقا وعطاء ونورا بعد أن بلغوا السبعين والثمانين والتسعين. وإني أدعو الله تتعالى أن يعيش الشيخ تسعين وأكثر ليرى هذا الأحمق بأم عينيه ما يتمنى ألا يراه.

ثم يخرج الجنرال ميخائيل ميلشطاين في حديث إذاعي يوم الثلاثاء مليء بالسموم والتحريض، مشتملا ثوب الباحث، ليحوّل أمنياته الشخصية وأوهامه إلى حقائق بحثية، حين يزعم أن التأييد للشيخ وطريقه في مجتمع الداخل الفلسطيني ضئيل، كما تشير الاستطلاعات!! (أي استطلاعات؟؟؟ وأين هي هذه الاستطلاعات؟؟) وأن جيل الشباب يُريد الطريق الآخر؛ طريق الاندماج في المؤسسة وتحصيل الحقوق والميزانيات.

فماذا يعرف الجنرال ميلشطاين عن الجيل الشاب من أبناء مجتمعنا حتى يقرر هذه “الحقيقة”؟ إنه لا يعرف عنه شيئا سوى أضاليل الأبحاث والاستطلاعات الوهمية المضلِّلة.

إن البذرة التي زرعها مشروع الشيخ رائد في أبناء هذا المجتمع منذ ثلاثة عقود قد ضربت جذورها في أعماق هذه الأرض المباركة، وأصبحت جذوعها صواري كالنخل تعانق سماء هذا الوطن، وقد أثمرت جيلا واعيا، يعرف ما يريد ويرى الطريق بوضوح، ويرى بوضوح أكثر كلَّ الوجوه القبيحة التي تسعى إلى تعطيل مسيرته. ولو كان الأمر غير ذلك لما هبّ القوم بجوقتهم يحرّضون تحريض مَن به مس من الجنّ حتى قبل أن ينطق الشيخ بكلمة واحدة. فكيف إذا نطق؟ وكيف إذا شمر عن ساعديه من الغداة ليجوب الأرجاء من الشمال إلى الجنوب زارعا الأمل في كل شارع وحي وبلدة؟ وكيف بهم عندما يرون بأم أعينهم ثمار المرحلة القادمة التي لا بد أنها تحمل في طياتها الكثير الكثير مما نُحبُه ويُبغضونه؟

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى