أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (94): الديمقراطية- ذلك الدين الجديد الذي يريدوننا التعبُّد به

حامد اغبارية

أنا شخصيا لا أومن بالديمقراطية. انتهى. لماذا؟ لأنني لا أؤمن بالكذب، خاصة الكذب الذي يؤدي إلى كوارث.

وهل هناك كوارث أشد وقعًا من التي نعيش؟!

هذا لا يعني أنني أعشق الدكتاتورية وحكم الفرد والحكم الشمولي الطاغوتي. لا! أنا باختصار لا أؤمن بحكم يتجاوز التشريع الرباني الذي جاء لإصلاح الناس وضبط حياتهم، بما في ذلك الجانب السياسي ونظام الحكم وكل ما يتعلق به.

لا تندهش من هذا الكلام، بل يمكنك أن تندهش إن كنت من الذين وقعوا في الفخ وضبعهم الغرب الدجال الذي أراد أن تكون “الديمقراطية” دينا جديدا يُعبد من دون الله تعالى.

وما هو التعريف الحرفي لمصطلح الديمقراطية؟ يقولون إن الديمقراطية هي “حكم الشعب للشعب” أو “حكم الشعب نفسه بنفسه”. فهل هذا ما يحدث فعلا؟ ائتني بشعب على الأرض يحكم نفسه بنفسه. إنها مجرد وسيلة اخترعها اليونانيون للسيطرة على الشعب، ثم جاءت أنظمة هي في الأصل فاشية دموية قامت ونشأت على دماء كثيرة واختطفت المصطلح وصنعت منه ثوبا جميلا مزركشا تعرض به نفسها على شاشات الدجل لتنفيذ أجنداتها القذرة التي حوّلت الشعوب قاطبة إلى ضحايا لها ومطايا. ولعل من أهم الأسباب التي دفعت تلك الأنظمة إلى استخدام هذه الوسيلة هو صراع السياسيين في الغرب مع رجال الكنيسة الذي عاثوا في بلادهم فسادا باسم الدين، فقمعوا وقيدوا الحريات واغتصبوا الحقوق وقهروا المرأة باسم المسيح عليه السلام. فما علاقتنا نحن في الشرق الإسلامي بهذه الكذبة الكبيرة؟!!

قبل أن أجيب على السؤال، لا بدّ من إشارات إلى “فضائل” الديمقراطية” التي “تنعُم” بها شعوب الأرض و “تتنعّم”!!

من الديمقراطية أن يُمنح الشعب حق اختيار من يحكمه. ولكن: هل يملك هذا الشعب حق خلع حكامه إلا في بحور من الدماء؟

نحن اليوم نعرف الديمقراطية في أحد جوانبها أن الشعب يذهب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من يمثله في مجلسٍ أطلقوا عليه اسم “مجلس الشعب” أو “البرلمان” أو “مجلس الأمة” وما شابه ذلك من مسميات سحروا بها أعين الناس. فلا هي مجالس شعب ولا مجالس أمة ولا يحزنون، وإنما هي عبارة عن وسيلة لإخراس الشعب وخداعه وإيهامه أنه اختار من يمثله، حتى إذا بحث عنه لا يجده، وإذا احتاجه اختفى.

فهل من الديمقراطية أن يأتي من يقرر للشعب أسماء شخصيات يُجبر الشعبُ مرغما على اختيار من يمثله من بينها. فلا خيار له، إذًا، إلا ما اختير له مسبقا. فهل هذه حرية اختيار؟!!

وماذا يفعل الشعب المسكين عندما يكتشف أن جميع الذين فُرضوا عليه كي يختار من بينهم من يمثله عبارة عن مجموعة لصوص أو كذابين أو دجالين أو متسلقين منتفعين يخدعونه ويبيعونه الأوهام؟ فكيف يحقق هؤلاء للشعب مصالحه؟

يقولون للشعب إذا لم يُعجبك “ممثلو الشعب” في هذه الجولة فعليك الانتظار أربع سنوات أو خمسا أو سبعا لتختار غيرهم. ثم تأتي الجولة الثانية وتتكرر المشاهد تترا، فيصل إلى سدة الحكم فاشي أو لص أو بلطجي أو كذاب أو دكتاتور بطبعه، ويمتلئ “مجلس الشعب” باللصوص والكذابين والسحرة والمنتفعين والعاجزين عن تحقيق شيء والفاشلين والمتفشخرين.

ومن قال إن آلية انتخاب الحاكم (رئيس الدولة أو رئيس الحكومة) والبرلمان مرة كل أربع أو خمس سنوات هي الوسيلة الأفضل والأنجع لتحقيق مصالح الشعوب؟ ألا نرى مِن حولنا كيف تتبدل أنظمة في الغرب كل بضع سنوات، في صراع سخيف على الحكم بين حزبين كبيرين أو ثلاثة أحزاب تحوّل الشعب إلى قطيع أعمى أبكم أصمّ يصفق ويرقص للراقصين على دمائه، الدائسين على مصالحه وعلى أعناق أبنائه؟!! أليس هذا ما يحدث فعلا أمام أعيننا؟!

وانظر إلى ما يهمنا نحن. انظر إلى سياسة دول الغرب الديمقراطية، وعلى رأسها أمريكا، تجاه منطقتنا على سبيل المثال؟ وإذا أردت أكثر فلننظر إلى موقفها من قضية أمتنا الأولى، قضية الصراع على فلسطين. ما الذي تجده؟

قالوا لنا: ليس أمامكم إلا القبول بحلّ الدولتين. عليكم نسيان الماضي والتعايش مع آثار ونتائج ما حدث عام 1948.

– أوكي… قبلنا. وماذا بعد؟ أين دولتنا؟ أعطونا دولتنا!

– اصبروا حتى تعقد الانتخابات الأمريكية، لنرى سياسة الرئيس القادم.

– أوكي.. تمام!

وجاء الرئيس القادم.

– أعطونا دولتنا!

– للأسف.. عليكم الانتظار حتى تعقد الانتخابات الإسرائيلية. فأنتم تعرفون أنه لا يمكن لرئيس حكومة أن يتخذ قرارات حاسمة عشية الانتخابات حتى لا يُتهم من خصومه بالرضوخ لضغوطكم.

– أوكي.. تمام.. ماشي الحال!

وعقدت الانتخابات الإسرائيلية.

– اعطونا دولتنا يا جماعة.. أليس وعد الحرّ دينا عليه؟!

– آسفون… هناك مشكلة.. أنتم تريدون عقد انتخابات تشارك فيها تنظيمات إرهابية.. ماذا لو وصلت هذه التنظيمات إلى الحكم؟ انتظروا حتى نجد لكم طريقة نُفشل بها انتخاباتكم.

– أوكي.. وما هي الطريقة؟

– سنشن حربا على التنظيمات الإرهابية.

– أوكي… انتهت الحرب على التنظيمات الإرهابية. اعطونا دولتنا يا جماعة.

– ماذا؟ هل جننتم؟! كيف نعطيكم دولة وأنتم تهددون بالذهاب إلى المحكمة الدولية؟ أنتم أصلا إرهابيون مفترضون..

– يا سيدي، هذا كله مجرد طزع حكي من أجل إسكات الشعب وامتصاص غضبه.

– كلام فارغ… أساسا بقيت فترة قصيرة على الانتخابات الأمريكية. عليكم الانتظار مرة أخرى.. وهناك بطبيعة الحال انتخابات ديمقراطية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا ومكرونيزيا.. عليكم الانتظار.

وتستمر مسرحية الديمقراطية التي نحن – في الشرق الإسلامي- أكثر من ندفع ثمنها من حقوقنا ودمائنا.

وعودة إلى السؤال: ما علاقتنا نحن في الشرق الإسلامي بهذه الكذبة الكبيرة؟

أولا علينا أن ندرك تمام الإدراك أن الغرب الذي أوهم الشعوب بفرية الفصل بين الدين والدولة إنما يمارس سياساته تجاهنا تحديدا من منطلقات دينية خالصة وشديدة الوضوح. وأمامك نموذج المشروع الصهيوني (العلماني) الذي أنشأ دولة قال إنها (يهودية وديمقراطية) لكنه أقامها على أسس توراتية دينية. وهذا النموذج الأمريكي (أبو كذبة الديمقراطية) يمارس سياساته ويشن حروبه (علينا) وهو يرفع الإنجيل والصليب. بل إن رؤساء أمريكا جميعا لا يصدر عنهم موقف إلا بعد استشارة الكنيسة. ولعلنا نتذكر تصريح بوش الابن في حربه على أفغانستان والعراق يوم قال إنها حرب صليبية. وما روسيا (الديمقراطية جدا) عنا ببعيد، يوم أعلنت الحرب المقدسة على الشعب السوري (الإرهابي)… وأمامك تصريحات رؤساء فرنسا وآخرهم ماكرون… والقائمة طويلة لا تنتهي… ثم زعم هؤلاء الدجالون أنهم يريدون نشر الديمقراطية في منطقتنا. صدقوا وهم كذابون. صدقوا لأنهم يريدون أن تكون الديمقراطية دينا جديدا يتعبد به المسلمون. ديمقراطية تُصنع على أعين واشنطن وتل أبيب وعواصم أوروبا المجرمة، بهدف ضرب الإسلام وإبعاد الناس عنه أو إبعاده عن الناس. وتستطيع أن تتصفح أي موقع أو منصة اليوم لتكتشف حجم الجرائم التي ارتكبت وترتكب بحقنا تحت اسم الديمقراطية.

نعم، أرادوا إشاعة وهم الديمقراطية في مجتمعاتنا لكنهم في الحقيقة اعترفوا في أكثر من مناسبة أن هذه كانت وسيلتهم الناعمة لتحقيق سياسة السيطرة والاحتواء، حتى لا تثور الشعوب ضدهم وتكنسهم من المنطقة كما كنست استعمارهم قبل ذلك. ولعل في النموذج العراقي ما يُغني عن ألف مثال.

على ذلك يمكنك أن تقول بكل ثقة إن “لعبة الديمقراطية” إنما هي سلاح من أخطر أسلحة الحرب على الإسلام وأهله. فقد سعوْا إلى إلغاء خصوصية المجتمعات الإسلامية، تلك الخصوصية المرتبطة بالإسلام كدين وكحضارة وكثقافة وكعقيدة وكسلوك شخصي وجمعي. فهم يعلمون جيدا أن المسلمين يملكون مشروعا حضاريا إنسانيا عالميا مرتبطا بعقيدة ربانية كاملة متكاملة الأركان، ولديها الوسائل والآليات الحقيقية التي يمكنها من خلالها تنظيم حياة الناس بما في ذلك نظام الحكم على الوجه الذي يحقق العدالة. فهل يستطيع أحدٌ أن ينكر أن مطمح الأفراد والمجتمعات هو تحقيق العدالة بكل مجالاتها؟ وهل يستطيع أحدٌ أن يزعم أو يأتي بدليل واحد أن الديمقراطية حققت العدالة، أو جانبا منها أو ما يشبهها؟

عندي أن الديمقراطية تشكل أكبر خطر على البشرية، وما هي إلا وسيلة من وسائل السيطرة على الشعوب ومقدراتها، فلا فرق بينها وبين أقذر أنواع الدكتاتورية.

بل إن الأنظمة “الديمقراطية” في الغرب تمارس أقذر أنواع الفاشية المتغوّلة ليس فقط ضد الأمم الأخرى، بل حتى ضد شرائح من مجتمعاتها، كما يفعل النظام العنصري الأبيض في أمريكا ضد السود، أو النظام الاشكنازي اليهودي ذي العيون الزرقاء ضد الفلاشا أو الشرقيين ذوي العيون السوداء والبشرة الداكنة التي تذكّرهم بالعرب، وبطبيعة الحال ضد مجتمع الداخل الفلسطيني.

أعطني حاكما عادلا ثقة مؤمنا صادقا مخلصا يتقي الله ويحكم بشرعه، وليحكم مدى الحياة. نقطة!

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى