أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

العنف ضد المرأة من منظور إسلامي (2)

ليلى غليون

إن مجتمعنا الفلسطيني القابع تحت تأثير العديد من التحديات والعقبات في شتى المجالات والتي تحول دون استقراره وتقدمه، ليس بمنأى عن هذه الظاهرة المدمّرة التي تسري فيه كالنار في الهشيم، والتي دمّرت العلائق الاجتماعية والإنسانية، وأزهقت العديد من الأرواح سواء من الرجال أو النساء، فالعنف هو عنف بمفهومه الشامل ولا يقبل التجزئة، وهو مرفوض جملة وتفصيلا ومدان وغير مبرر لكلا الجنسين، والأرقام المرعبة والحوادث المأساوية التي نصبح ونمسي عليها تشير إلى انحراف البوصلة عن مسارها الصحيح، مما يشعل ألف ضوء أحمر لتدارك الأمر وأن تلتقي الجهود والمساعي من أصحاب المسؤولية في قاعدة جماهيرية عريضة لرسم خريطة طريق للقضاء على كل الأسباب والعوامل التي أدّت إلى صناعة مجتمع عنيف بامتياز.

إنّ غياب فلسفة الإسلام القائمة على الرفق (مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف) وغياب ثقافة التسامح ولغة الحوار والتعامل باللين في العلاقات الانسانية والتي أرسى قواعدها الإسلام العظيم بين الأفراد كافة، بين الزوجين، بين أفراد الأسرة، في المؤسسات على اختلافها، بين الناس، جعل لغة العنف والرصاص والسلاح حاضرة وبكل قوة ممّا شكّل عوامل هدم على استقرار أسرنا وبيوتنا ومجتمعنا بصورة عامة، بالإضافة لعوامل ومسببات أخرى قوية منها سياسية واقتصادية ساهمت في تفشي ظاهرة العنف والجريمة في مجتمعنا راح ضحيتها العديد من الرجال والنساء على حد سواء.

يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على غيره) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه).

فالإسلام ابتداء، دعا لكل الإجراءات الوقائية قبل أن يقدّم العلاج، دعا إلى اللين والرفق والمداراة والعفو في كل المجالات وتجنب دواعي العنف وأسبابه ليعيش الناس جميعا في أمن وأمان، ففي ذاك العصر الذهبي وعندما عيّن أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قاضيا على المدينة، مكث سنة لم يفتح جلسة ولم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: أمن مشقّة القضاة تطلب الاعفاء يا عمر؟ فقال عمر: لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه وإذا أصيب واسوه، دينهم النصيحة وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟

لا أحد ينكر أن المرأة في مجتمعنا كما الرجل، تتعرض لأشكال العنف كما هو الحال في المجتمعات الأخرى، ولا أحد ينكر أن الإسلام يدين كل صور العنف ضد المرأة ويجرّم كل أشكال الإيذاء البدني والنفسي والشعوري، وكما أن الشمس ليست بحاجة لمن يثبت وجودها فإن هذه الحقيقة لسنا بحاجة ولا مجبرين أن نؤكدها ونثبتها للغير، فالإسلام دين الرحمة والتسامح والرأفة، فرد أجنحة إنسانيته حتى على الحيوان، ولكنها التقاليد المتوارثة هي التي ظلمت المرأة وحرمتها من كثير من حقوقها المشروعة، فنحن نعيش في مجتمع لا تزال تسوده ثقافة مغلوطة تفرق بين الرجل والمرأة شكّلت سياجا من العنف ضد المرأة، فهناك من لا يزالون يحملون كمًّا من العداء المستتر والمعلن أحيانا ضد المرأة من الذين لم يتعرضوا سوى للتفسيرات المشوهة للنصوص، ممن أساءوا فهم وتطبيق النصوص فأخذوا منها ما يتناسب مع أهوائهم وتركوا التي لا ترضي طموحهم، هناك من لا يزال يعتقد بدونية المرأة وأنها إنسان من الدرجة الثانية، هناك من لا يزال يحرمها حقّها الشرعي في الميراث، هناك من لا يزال يتعامل معها بمفهومه القاصر للقوامة على أنها تسلّط وجبروت، هناك من لا يزال مصرًّا على الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث كاذب وموضوع وملفق ليحط من قيمتها من خلال “شاوروهن وخالفوهن”، وهناك وما أكثر ما هناك.

كما أن المرأة نفسها ساهمت بشكل أو بآخر بترسيخ ثقافة العنف ضدها من حيث تدري أولا تدري، وذلك من خلال أسلوب تربيتها الذي فرّقت فيه بين ابنها وابنتها، لما تطلب من ابنتها خدمة أخيها ولا تطلب من ابنها خدمة أخته، ما جعل البنت تنشأ مع شعور بالتمييز بينها وبين أخيها، بالإضافة إلى شعورها بنوع من الظلم والقهر جراء هذا التمييز.

وهناك صورة أخرى تجسد دور المرأة في تكريس التمييز بين البنت والولد، وذلك بتفضيلها إنجاب الذكور على الإناث، ممّا يُضعف من ثقة البنت بنفسها وينمي في وجدانها الشعور بالخنوع، مقابل الشعور بالأفضلية واستضعاف الأنثى الذي غالبا ما يشعر به الولد في مجتمعنا. ومن جانب آخر نجد بعض الأمهات مستكينات ضعيفات لا يتجرّأن على المطالبة بحقوقهن الشرعية بسبب تقاليد بالية أيضا، فتنشأ بناتهن متقمصات بشخصياتهن لأن الأم بالنسبة لابنتها القدوةُ، والبنت التي ترى أمها على هذا الحال تصير عليه عندما تصبح زوجة.

ويأخذ العنف ضد المرأة في مجتمعنا خاصة أشكالا متعددة في الحيز المجتمعي الذي لا يزال يتبنى بعض الموروثات المغلوطة التي تدل على جهالة جهلاء وضلالة عمياء نبذها إسلامنا العظيم منذ بزوغ فجره يوم أن أشرقت الرسالة المحمدية، يوم أن جاء بقيمه السامية والراقية والتي منحت المرأة مكانا معتبرا في ميدان التكريم ومكانة عالية في الحيز الانساني لم يمنحه لها أي تشريع ولا قانون وضعي من قبل ولا من بعد وهيأ لها كل أسباب الحماية والعيش الكريم.

كانت توأد حيّة خوفا من العار والفقر، فاسترجع لها الإسلام حق الحياة، كانت تباع وتشترى كالعبيد، فألبسها تاج الحرية والانسانية فصار لها كلمة ورأي وتستشار حتى في أمور الأمّة الحاسمة (كاستشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة يوم الحديبية والأخذ برأيها)، لم يكن لها حق في الإرث، فأقرّ لها حقها في الميراث، أنزل الله تعالى بحقها آيات تتلى إلى يوم الدين: (وعاشروهن بالمعروف)، (ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف) وصّى بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لمّا قال: (رفقا بالقوارير)، (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، (…فإنهن المؤنسات الغاليات)، (النساء شقائق الرجال)، بل إن المرأة كانت حاضرة في وصيته الأخيرة صلى الله عليه وسلم قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى لما قال: “أيها الناس اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرًا”.

ولقد غضب صلى الله عليه وسلم لأن امرأة ضُربت في عهده، ألغى زيجة لأنها تمت دون موافقة الفتاة، عندما استشارته فاطمة بنت قيس للزواج من رجل تقدّم لها رفضه صلى الله عليه وسلم لأنه رجل عنيف ويستعمل الضرب، لها حق الخلع إذا كرهت العيش مع زوجها، لها ذمة مالية، لها حق التصرف في أموالها، حفظ لها كل حقوقها كأم، كزوجة، كبنت، كمطلقة، كأرملة، كعجوز، لها استقلالية شخصية ومالية وفكرية واجتماعية، كما لها مطلق السلطة على ما تملك، والكثير الكثير من الحقوق التي لا يتسع المجال لذكرها. فكانت المرأة في ذاك العصر الذهبي يوم أن طبقت فيه قوانين الشرع تعيش في أمن وأمان واستقرار نفسي وشعوري وأسري حتى أن التاريخ يكاد لا يذكر لنا حادثة واحدة تعرضت فيه المرأة للعنف بأشكاله المتعددة والتي نسمع عنها كل يوم، ولم تكن في تلك الفترة جمعيات نسوية ولا مؤتمرات دولية تدافع عن حقوق المرأة، ولا يوما عالميا لمناهضة العنف ضدها، لأنه وببساطة شديدة كانت حقوقها مصانة ومحفوظة في ظل شريعة سمحاء وقوانين الدين الحنيف.

يقول الفاروق رضي الله عنه: “والله إنّا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم”.

إن الخلل كل الخلل، يكمن في عدم تطبيق الأوامر الإلهية وبالممارسات الخارجة عن الشرع، وبالعادات والتقاليد المنحازة لصالح الرجل على حساب المرأة، وموروثات ساهمت في تحجيم مكانة المرأة، بالإضافة إلى جهل المرأة بمعرفة حقوقها وربما جهل الرجل في معرفة هذه حقوق، كذلك تقبل المرأة نفسها للعنف إثر الثقافة السائدة والسكوت عليه جعل الآخر يتمادى بالجرأة عليها، وإن أهم التحديات التي تهدد المرأة وتعرضها للعنف هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس، فكلام كثير يقال عن المرأة وعن حقوقها في الإسلام، لكن ما يمارس في الواقع يختلف في كثير من الأحيان ويناقض ما يقال، ولن يكون هناك إي علاج إلا بالرجوع إلى القانون الإلهي والشريعة الإسلامية التي منحت المرأة كامل حقوقها المشروعة، والنظر اليها نظرة الاسلام الصحيحة، والقضاء على نظرة التفرقة بين البنت والولد، واحتواء البنت عاطفيا وشعوريا ونفسيا كما يتم احتواء واشباع الولد، وعندما يتم العدل بين الابناء والبنات في التعامل تنقضي النظرة الدونية للفتاة كما تنقضي النظرة الفوقية للولد والأفضلية بالذكورة.

إن التمسك بالدين وتربية الأبناء على أسس التربية الاسلامية وتوعيتهم ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات كذلك توعية المرأة بحقوقها المشروعة التي منحها الاسلام وتوعية المجتمع بهذه الحقوق هو الذي سيمكننا من مواجهة ومناهضة هذه المشكلة، فلعل وعسى أن تتمزق هذه الصفحة السوداء من واقعنا ويزول كابوس العنف المرعب من مجتمعاتنا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى