أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

تمكين أم استقواء؟!

ليلى غليون

تسللت إلى منظومتنا الاجتماعية والقيمية العديد من المصطلحات الفاقعة والرنانة لا تمت إلينا بصلة، ظاهرها حق، يراد به باطل، مصطلحات هي من إنتاج ثقافة الآخر يتداولها العديد منا في الكثير من المحافل خاصة الناشطات النسويات والناشطين النسويين، يكررونها لا بل ويعملون جاهدين لتطبيق مفاهيمها في واقعنا من غير أن يكلفوا أنفسهم البحث والتنقيب عن أصل وفصل هذه المصطلحات ولا عن جذورها الثقافية والاجتماعية والسياسية، أو لعلهم يدرون ويعلمون ولكنهم يصرون على تنفيذ أجندة الغير في مجتمعاتنا الاسلامية.

ومن ضمن هذه المصطلحات ما اصطلح عليه (تمكين المرأة) والذي هو مصطلح براق ولكنه ملغوم يهدف لاقتلاع المرأة من جذورها الدينية وزجّها في حرب ضروس مع الرجل، وهو من المصطلحات العديدة التي تمخضت عنها مؤتمرات هيئة الامم المتحدة الخاصة بالمرأة، والتي تخطت كل الخطوط الحمراء وتشريعات الأديان والعديد من الأعراف والقيم الاجتماعية كمؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1994، ومؤتمر بكين عام 1995 والعديد بعدها من المؤتمرات.

ومصطلح تمكين المرأة ترجم عن وثيقة الأمم المتحدة بصورة غير صحيحة ولا دقيقة، فهو مترجم من عبارة (women empowerment) والمعنى الحرفي لهذه العبارة هو الاستقواء وليس التمكين والاستقواء يعني التقوية، وليس سرا أن المراد باستقواء المرأة أو تقويتها لا فرق، أن تستقوي على الرجل وتخوض معركة مستمرة معه حتى تحصل على التمكين الذي رسم خارطته واضعوه، لأنه حسب فلسفة هذا المبدأ فإن العلاقة الأصلية بين الرجل والمرأة لا تقوم على المودة والرحمة كما وصفها القرآن الكريم، بل على الندية والصراع الأزلي، فلا تسعد المرأة ولا الرجل بأسرة ولا يستقر بهما مجتمع، فالهدف الحقيقي إذن من تمكين المرأة، عفوا استقواء المرأة هو قلب النظام الاجتماعي بمعنى انقلاب على الدين والعادات والتقاليد وزج المرأة في مواجهة الرجل في حرب طاحنة ومعارك وهمية لا تنتهي، كل ذلك حتى تسترجع حقوقها المغصوبة وتحمي كيانها.

وهذا المبدأ تبنّته الحركة النسوية الراديكالية (مبدأ الصراع بين الجنسين) والتي دعت لثورة على الدين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد والتي وقفت- حسب منطقها- عقبة كؤود أمام تحرر المرأة وانطلاقها، لا بل ونادت باستقلال المرأة بصورة تامة عن الرجل وأن تتمركز حول ذاتها، وزادت ولوغا في غيّها بتبني مبدأ متطرف جدا بدعوتها لعالم بلا رجال.

إن مصطلح (تمكين المرأة) تولد من رحم فلسفة الجندر والتي تعتبر أن المجتمع الذكوري والأبوي هو الذي أقصى المرأة عن كل مظاهر الحياة الاجتماعية العامة وسلب حقوقها ووجودها، وحتى يتم تمكينها (استقواؤها) فلا بد أن تكون مساوية له في كل شيء مساواة مطلقة، ولو تعارض الأمر مع قيمها الدينية والاجتماعية وتكوينها الفسيولوجي، وهو ما نصت عليه اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة المسماة باتفاقية (السيداو) الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي: (ترتكز على مبدأ المساواة المطلقة والتماثل التام بين المرأة والرجل في التشريع وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية وكافة الأنشطة)، وحتى تصبح المرأة أقوى وجوديا فإن الفلسفة الجندرية دعت لسلخها عن انتمائها وهويتها الجنسية وتجريدها من ميولها التي فطرها الله عليها، وهذه دعوة صريحة للشذوذ، كما دعت إلى تمكينها من خلال ثلاثة محاور:

  1. اقتصاديا: فالمرأة التي تعمل في البيت وتقوم على رعاية أبنائها وتطحن نفسها لأجل أسرتها ينظر إليها أنها مجرد ربة بيت، أي لا تعمل، لأنها لا تتلقى مقابل ذلك أجرا، بعكس الرجل الذي يعمل ويكسب المال، ولن يتم تمكين المرأة اقتصاديا إلا إذا كان لها دخل خاص بها ومنتظم، وفي هذا إشارة لإلغاء القوامة.
  2. سياسيا: يقوم على مبدأ تنحي المرأة عن دورها التقليدي كأم وزوجة لأن هذا الدور يشكل عائقا أمام ممارستها السياسية.
  3. اجتماعيا: ممارسة كل صلاحياتها وقدراتها في تغيير قيم دينية واجتماعية وانشاء قيم أخرى تحد مما أطلقوا عليه السيطرة الذكورية، كتغيير قوانين الأحوال الشخصية مثلا، وإلغاء الاعتقاد بأن دورها في المجتمع لتربية الأولاد.

فتمكين المرأة في المفهوم النسوي يعني منحها حق السيطرة والتحكم في كل ما يتعلق بحياتها الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى منحها حرية مطلقة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها الجنسية، وهو ما يعد ظلما للمرأة أولا ثم للرجل وللأسرة والمجتمع بصورة عامة، كيف لا وهو الذي يريد وأد إنسانيتها واقتلاعها من جذورها الدينية ومن دورها وعضويتها الحيوية في أسرتها ومجتمعها عن طريق تبديل فطرتها التي فطرها الله عليها، ومحاربتها للرجل ومطالبتها بالمساواة المطلقة معه في كل شيء ولو تعارض الأمر مع فطرتها وثوابتها.

إن كلمة التمكين وردت في القرآن الكريم في مواضع عدة، وتحمل الكثير من المفاهيم الإيجابية. يقول الله جل في علاه في سورة الحج: “الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”. فالتمكين في الآية الكريمة مرتبط بمنظومة كاملة من الأعمال الصالحة من خيري الدنيا والآخرة، الصلاة، والزكاة، والتناصح والإصلاح في المجتمع والعمل على إزاحة كل فساد ومنكر، إنه تمكين يقوم على مصلحة المجتمع الذي قوامه الرجل والمرأة معا اللذان تربطهما علاقة مودة ورحمة، كلٌ فقه دوره ومسؤوليته وأعدّ نفسه لهذا التمكين الذي لا يقوم على صراع بينهما على السلطة، ولا على دعوة للتمرد على الأدوار الطبيعية سواء من الرجل أو المرأة، ولا على الأنا ولا المرأة الفرد المتمركزة حول ذاتها بعيدا عن الرجل والتي هي أساس نظرية تمكين المرأة بالمفهوم الجندري.

إن تمكين المرأة في المنظور الشرعي ينطلق ابتداء من تأكيد حقوقها التي منحها الإسلام وتمكينها منها وما فرضه عليها من واجبات والقيام بها، ولن يكون بأي حال من الأحوال من مواثيق ومؤتمرات الأمم المتحدة، فجوانب تكريمها التي كفلها لها الإسلام كثيرة جدا ولا تحتاج إلى برهان ودليل ولا إلى مزايدات، وليس المطلوب سوى تطبيقها حقا وحقيقة، فالذي منحها الحقوق هو الله عز وجل وليس منة من أحد، وإننا كمجتمع مسلم سنسأل أمام الله تعالى هل حفظناها أم ضيعناها وليس أمام هيئة الأمم المتحدة.

إن حقوقها الشرعية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وإن إهمال تفعيل هذه الحقوق من قبل البعض هو الذي دفع النسويين والنسويات لتبني نظرية تمكين (استقواء) المرأة والمطالبة بها، وهو ما اتخذه منظرو قضايا المرأة بصورة عامة متكأ يرمون من خلاله الدين بسبب سلوكيات مسلمين مرفوضة شرعا.

إن تمكينها يكمن بمعرفتها وإحاطتها بتعاليم دينها وقراءتها للواقع قراءة متأنية واعية تدرك من خلالها كل ما يحاك ضدها، لا تنخدع بمن يدسون السم في العسل، هاتفة في قرار نفسها مقولة الفاروق رضي الله عنه: “لست بالخب ولا الخب يخدعني”. إن تمكينها بمفهومه الإيجابي البنّاء يترجم بالعمل على تأهيلها وتعليمها وتوظيف كل طاقاتها ومهاراتها الانتاجية من أجل تغيير إيجابي ينهض بها أولا وبأسرتها ثانيا، ويعمل على تقدم ورقي مجتمعها ثالثا، والذي سيفرز بالطبع انعكاسات رائعة ويعود بالخير والازدهار على أمّتها على وجه العموم.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى