أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حول قيمة الإسرائيلي

عائشة حجّار

الروح الإسرائيلية أغلى من غيرها- هذه فكرة رسّختها عقود من صفقات تبادل الأسرى كانت تصل الآلاف مقابل إسرائيلي واحد، خاصة إن كان جنديًا، واستثمار المليارات في الحفاظ على أمن كل إسرائيلي. عادت إلينا هذه الرسالة مرة أخرى الخميس، عند “تحرير” زوجين إسرائيليين من المعتقل في تركيا بعد تسعة أيام فقط، ولكن الجدل الدائر في هذه الساعات يثبت تغييرًا في العقلية الإسرائيلية حصل خلال العقد الأخير.

ففي صفقة تبادل الأسرى الكبرى الأخيرة، والتي تحرر فيها 1027 أسيرا فلسطينيا من السجون الاسرائيلية مقابل الجندي جلعاد شاليط، ثار جدال جديد في الشارع الإسرائيلي حول الحدود التي يمكن أن تصل إليها جهود تحرير أي إسرائيلي في أي بلد في العالم. منذ تلك الصفقة لم تعقد صفقات تبادل كبيرة حتى مقابل جنود يشكك أهلهم برواية موتهم. على ما يبدو كان الزمن والتجربة كفيلين ليتحول خطاب “فلتعلم كل أم عبرية” الذي يقدّس إعادة الأبناء بأي ثمن، إلى خطاب التشكيك والرفض الذي لا يرى أي منطق في تحرير ألف أسير مقابل جثة جندي أو اثنين. الحديث هنا طبعًا عن الشارع الإسرائيلي، ولا ينفي إمكانية حصول صفقات في المستقبل، فهذه الصفقات بمعظمها تستخدم كبطاقات انتخابية يرفعها المرشحون في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية. العامل الثاني، هو العنصرية، العنصرية التي ترتد على صاحبها دومًا جعلت الإسرائيليين عميًا عن الشاب اليهودي الاثيوبي “ابيرا مانجيستو” والذي دخل غزة عام 2014 ولم يعرف مصيره حتى الآن، بينما حظي شاليط بدعم جماهيري واسع شمل خيمة اعتصام أمام الكنيست ولافتات في الشوارع المركزية. العنصرية هي التفسير الوحيد أيضًا لانعدام التغطية الإخبارية حول مانجيستو منذ السماح بالنشر حول اختفائه عام 2015. نصل هنا إلى العامل الثالث، وهو ببساطة أسباب الاحتجاز، فعندما خرج رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، بطائرته الخاصة لإعادة نعمه يسخار من الاعتقال في روسيا، تعرض لانتقاد جماهيري شديد بسبب أنّ الشابة اعتقلت لحيازتها المخدرات، أي أنها لم تملك “المؤهلات” الصحيحة لتستحق الجهد في إخراجها من المعتقل.

هنا أصل إلى أحد المحركات الاساسية التي تحرك الحكومات الاسرائيلية في العقد الأخير، وذلك ليس فقط بناء على تحليل اتخاذهم للقرارات، بل حسب اعترافهم أنفسهم: الحاكم الإسرائيلي يريد أن يرضي ناخبيه قبل كل شيء، وسيفعل ما يمكن أن يحافظ به على قاعدته الجماهيرية. في كل لحظة يمكن لهذا الحاكم أن يعلم ما الذي يريده جمهوره وأي القرارات تزيد شعبيته، بل يمكنه أن يعلم تبعات كل قرار له. ومع أنّ البعض سيعتبر هذا الادّعاء متطرفًا، إلا أنه مثبت بالتجربة والبراهين، فالشبكات الاجتماعية جعلت المواطنين جزءًا من اتخاذ القرارات السياسية، وعلى ما يبدو أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية، قررت تحرير الزوجين من تركيا بعد تحليل للشبكات الاجتماعية الإسرائيلية، والتي طغى عليها الخطاب الغاضب من دولة يحب الإسرائيليون زيارتها والأكل فيها ثم شتمها، ثم كان الخوف من الثمن الذي سيدفع مقابل الزوجين. وصلت الحكومة الإسرائيلية إلى حل وسط فيه تم تحرير الزوجين، وسط تصريحات أنّ هذه العملية لم تشمل أيّ مقابل. هذه المعلومة الأخيرة ترينا التخبط السياسي مقابل رسائل متناقضة للجمهور الذي يتصرف كطفل يريد أكل الحلوى دون أن يؤذي أسنانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى