الديانة الابراهيمية ومفهوم السلام الممسوخ
عائشة حجار
منذ توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات واسرائيل تطل علينا، بمعدل اسبوعي تقريبًا، دولة الامارات بابتكارات غريبة عجيبة تحاول فيها اثبات حسن نيتها ووقوفها في صف العروبة والاسلام “الكيوت”، ذلك الذي لا يطالب باي حقوق او عدالة تاريخية من مضطهديه، بل يرى نفسه ملزمًا بإثبات التزامه بالاتفاق الذي تم توقيعه. إحدى المبادرات التي ولدها اتفاق التطبيع كان تشييد مجمع ديني تحت اسم “بيت العائلة الابراهيمية” يضم كنيسًا ومسجدًا وكنيسة، ويرمز الى التآخي بين الديانات. عدا ذلك، تدعو الامارات الى تبني “الديانة الابراهيمية”، وهي باختصار إلغاء الديانات السماوية الثلاث وإذابتها الى ديانة واحدة تنبذ الاختلاف والخلاف، هذا ما ندّد به شيخ الازهر د. احمد الطيب خلال كلمة له حول التسامح بين الاديان قائلًا إنها دعوة لدين لا طعم له ولا لون أو رائحة (سنعود إليه في النهاية).
يبدو لأول وهلة أنّ أفضل طريقة لإحلال السلام في عالمنا بشكل عام هي نبذ ما يفرقنا والتركيز على ما يوحدنا، كما فعلت الامارات مثلًا، إلا أن هذه الطريقة لم تنتج السلام على مر التاريخ، بل سببت ظهور شعوب ضعيفة تعاني الجهل والحروب الاهلية احيانًا. فبغض النظر عن البعد الديني للمسألة (دعونا نتحدث عن هذا الأمر على أنه تحول اجتماعي)، لا يمكن تكوين السلام إلا مقابل شعب ذي هوية واضحة ونقاط خلاف معروفة، يصل فيها الطرفان الى حلول توقف العداء بينهما وتحقق العدالة التاريخية للمظلومين منهم، والسلام لا يرتبط بالضرورة بزوال الحقد أو انتشار المحبة بين الشعبين كما كنا نتصور في المدرسة الابتدائية، بل هو وضع سياسي يمكّن شعبين من العيش بهدوء، دون إرغام أحدهما على التنازل عن ثوابته. “الديانة الابراهيمية” تقول إنك لا بد أن تصبح كائنًا شفافًا لا تتفاعل مع الأحداث المحيطة بك حتى تستحق السلام، وتظهر تفاوتًا بين الديانات في نظرة استشراقية ترى الإسلام أدنى مرتبة ليكون الديانة التي تتنازل عن ثوابتها أكثر وإلا اتهمت بالعنف والطائفية والعنصرية. لا يمكن أن تحقق أي سلام بقمع الاختلاف بين الناس، في الواقع فهذه طريق مختصرة للاضطهاد الذي ينتج عنه انفجار مخيف.
إضافة إلى ذلك، انتشر خلال السنوات الاخيرة خطاب يجهزنا لهذه الديانة تحت شعار “الحرية الفردية”، إنه الخطاب الذي يقمع كل انتقاد لأي تصرف أو اعتقاد يخالف الدين تحت شعار الحرية. انظر مثلًا إلى أي منشور في الشبكات الاجتماعية يشمل حديثًا دينيًا وسترى البعض يتهجم بحجج واهية باتت تظهر المتمسك بدينه على أنّه شخص متحجر القلب والعقل. لذلك، قد تبدو “الديانة الابراهيمية” أمرًا بعيدًا يرعاه الإماراتيون لكن لها أرضًا خصبة في مجتمعنا اليوم، حيث يتسابق البعض لإثبات انفتاحهم وتسامحهم على حساب هويتهم أنفسهم.
طيب ما المشكلة في إلغاء الاختلاف بين الناس؟ الناس خلقوا مختلفين، بل ان الانتماء والتميز عن الآخرين أحد الاحتياجات الأساسية للبشر (حسب ماسلو على الأقل)، والاعتراف بهذا الاختلاف هو أقصر الطرق لمنع المشاحنات وليس تخلفًا وتعصبًا كما يروّج البعض.
أمّا عن سبب خروج شيخ الازهر بتصريح ضد الديانة الابراهيمية، فهو يأتي ابراءً لذمته كونه قد وقع “وثيقة الاخوية الانسانية”، مع البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي 4 فبراير/شباط 2019، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي. الامر الذي تستغله بعض أجهزة الاعلام الإماراتية لإضفاء الشرعية على الدعوة لتحولنا إلى كائنات هلامية (بدون الصبغة والسكر).