أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (90): قادمون.. مستقبل الصحوة الإسلامية في ظل المتغيرات الإقليمية

حامد اغبارية

تبدو الصورة قاتمة في عيني من يقرأ المتغيرات الجارية على الساحة العربية والإسلامية والدولية بقصر نظر وسوء تقدير وفهم قاصر. وتبدو أكثر قتامة لمن لم يستوعب سُنّة التدافع بين الحق والباطل. ذانِك معسكران لا يمكن أن يلتقيا ذات يوم، لأن أحدهما يدافع الآخر ويزاحمه، كي يزيله من طريقه أو يضعفه فلا يعود يشكل عليه خطرا، ولو إلى حين.

وإن سُنّة التدافع هذه نعمةٌ من الله تعالى وفضلٌ على عباده المؤمنين، ذلك حتى يعلم أهلُ الحق أنه دون معرفة الباطل ومراغمته فإن راية الحق لن تعلو. بل ربما داخل قلوبهم شكّ وريبة في ما يعتقدونه حقًّا فينكُصوا أو يتراخَوْا أو يداخلهم الخلل الذي يؤدي إلى التفكك والفتن الداخلية. لذلك فإن الصراع بين المعسكرين حتمي دائم متصاعد لا يتوقف، وهو صراع يأخذ أشكالا عديدة، أظهرُها الصراع العسكري وأخفاها الصراع الاستخباراتي، وبينهما صراع فكري ثقافي.

وإن مما يجب ألا يغيب عن المسلم أن معسكر الباطل ليس على قلبٍ واحد، وإنْ بدا كذلك. فهو مليء بالتناقضات والصراعات الظاهرة تارة والخفية تارة أخرى، تحركها الأطماع والمصالح والعرقيات والنعرات الدينية، ولا يوحدها – في ظاهر الأمر- إلا عداؤها للإسلام. أما الصراع داخل هذا المعسكر على السيطرة على الشعوب المستضعفة في شتى أصقاع الأرض فهو ظاهرٌ لا يخفى على ذي بصيرة، وهو صراع قديم ما زال مستمرا إلى الآن.

أثناء انتفاضة الربيع العربي، وبعدها بقليل، شعر المسلمون أن الأمور قد بدأت تعود إلى نصابها، وأن دورة الزمان قد وصلت إليهم، ليفاجأوا بالثورات المضادة التي انقضّت على الصحوة الإسلامية بكل ما أوتيت من قوة، وراحت تفتك بكل ما له علاقة بها، بشرًا ومؤسسات ومقدّرات وقدرات وإمكانات. ولا تزال تلك القوى المارقة التي تؤدي وظائف في خدمة أعداء الإسلام من غرب صليبي كاثوليكي وشرق صليبي أرثوذكسي وهندوسي وبوذي ومشروع صهيوني، غارقة في دماء الأبرياء وأعراضهم، حتى باتت الأمور تبدو وكأنها حُسمت نهائيا وأنه لن تقوم لمشروع الصحوة الإسلامية قائمة.

والسؤال: هل انتهى وجود الصحوة الإسلامية في فضاء الشرق الإسلامي؟

لا…

ولن ينتهيّ..

فكل تلك القوى التي تملك كل الوسائل المادية الهائلة للبطش والفتك والقمع، هي أعجز من أن تُنهي مشروعا هو قدرٌ من الله تعالى. وإن في تاريخ هذه الأمة الحيّة، التي لا تموت، مشاهد ومحطات لو راجعها الواحد منا ووقف عندها وتأمل تفصيلاتها لردد في نفسه قول الله تعالى: {أنّى يحيي هذه اللهُ بعد موتها} (البقرة: 259). فقد جاءت على المسلمين أزمان ضاقت فيها عليهم الدنيا بما رحُبت وبلغت القلوب الحناجر وظنوا أن الأمر قد انتهى، وإذ بربّك عز وجلّ يقول لهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 215). وإذ به سبحانه يقول لهم: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (التوبة: 25)، وإذ به جلّت قدرته يقول لهم: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(آل عمران: 123)، وإذ به تعالى يقول له: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173).

كان هذا حال المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم يتنزل عليه وحي السماء تباعا، ومن حوله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فما خانوا وما خذلوا وما جبُنوا وما نكصوا وما شكّوا بأنهم على الحق طرفة عين وأن نصر الله آت لا محالة، فكيف بنا في زماننا وحال المجتمعات الإسلامية من تفكك وضعف وهزال ونفاق وأمراء سوء وأنظمة غدر وخيانة لا يخفى على أحد؟؟

هذه قاعدة ربانية وسنّة إلهية لا تتبدل ولا تتغير: أعطِني فئة صادقة مؤمنة مقبلة غير مبدرة وخُذ نصرًا بعد صبر ويُسرًا بعد عُسر. وإنما هي ما بين عشية وضحاها حتى تجد وعد الله الصادق كانبلاج الفجر بعد ليل بهيم شديد السواد.

إن هذه الأمة قد تضعُف لكنها لا تموت، وقد تتراجع لكنها لا تفرّ من الميدان، وقد تخبو شعلتها لكنها لا تنطفئ، وقد يصيبها التفكك لكنها لا تذوب ولا تندثر. إنها أمة حيّة، لو رأيتها رمادا تذروه الرياح فكن على يقين أن الرياح إنما تذرو الرماد لتكشف عن الجمر تحته. وقد تجد هذه الأمة من أبنائها من يخذلونها، بعد أن كانوا يسيرون معها في ذات الطريق يرفعون رايتها، لكنهم سقطوا في فخ الصياد، ظنا منهم أن الحَبَّ الذي يلقيه لهم إنما هو لإطعامهم وإذا به وسيلتهم للإطباق على خناقهم. غير أن هذا لن يضر الأمة شيئا، وإنما يضرّ الذي خدعه نثر الحّبّ على قارعة الطريق.

إننا نعيش في هذه الأيام فترة صعبة جدا، لكنها لم تبلغ الذروة بعدُ. وإن الذروة تكون حين تهب عاصفة الكُفر من كل جانب لتذروَ رماد هذه الأمة تظنُّه رماد جسد ميّت لا حياة فيه، وإذا بها يتلوى تحت لسعات الجمر الملتهب تحت الرماد.

ستدور الأيام، وستعود الأمة أقوى، وستنهض نهضة لا نومة بعدها، وستتقدم نحو الفجر القادم دون إدبار، وسيعلو شأنها وتسطع شمسها دون غروب.

إنه اليقين الذي لا يداخله شك. فهو من الله وعدٌ ومن الرسول صلى الله عليه وسلم بُشرى. يقول سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام: {بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بالسَّناء والرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ، وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ} (رواه أحمد). ويقول أيضا: {تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ} (رواه أحمد)، ويقول عليه الصلاة والسلام: … فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ، وَأَهْلِهِ}، ويقول عليه السلام: {لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ} (رواه مسلم).

وبعدُ فإنه لا يهمني إن كان الأمر سيعود كما كان، وإن كانت النهضة القادمة على أيدي الذين بدأوها في زماننا هذا، من حركات إسلامية ما تزال ملء السمع والبصر رغم ما أصابها من تكالب الأعداء وتهافت الغادرين وتشكيك المشككين ونفاق مرضى القلوب، أم أن قدر الله يحمل في غيبه إطارا جديدا يقوده رجل أو تقوده مجموعة لم يكن للأمة ولا للدنيا بها عهد. لكن اليقين أن هذه الأمة ستعود لتقود الدنيا سواء بأبنائها ورجالها الصادقين الذي حملوا الأمانة وقدّموا من أجلها التضحيات بدمائهم وأرواحهم وحريتهم أو بأبنائهم أو احفادهم. ولنتذكر قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155). فهي بشرى للصابرين على ما أصابهم. وهي بشرى نصر ورفعة وتمكين..

نعم، إنها جولة من جولات كثيرة… وبعدها تدخل الدنيا مرحلة جديدة المسلمون هم عنوانها. وعنوان تلك المرحلة: {لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ} (رواه أحمد والطبراني، ورواه الشيخان بنص قريب).

فلا يداخلّنكم شكّ ولا يأس ولا إحباط ولا تحزنوا. فنحن في مرحلة حرق التراب لاستخراج الذهب.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى