أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحلياتومضات

65 عامًا على مجزرة كَفر قاسم…البروفيسور إبراهيم أبو جابر يستعرض لـ “المدينة” تفاصيل المجزرة وتداعياتها على الصعيد الفلسطيني

ساهر غزاوي

توافق اليوم الجمعة، الذكرى الـ 65 لمجزرة كفر قاسم، التي ارتكبتها قوات حرس الحدود الإسرائيلية، وأسفرت عن مقتل واحد وخمسين شخصا من سكان القرية، بينهم أطفال ونساء ومسنون ورجال، وجنين واحد أيضا.

ففي 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956، فتح عناصر حرس الحدود النار على المواطنين العائدين إلى منازلهم في قرية كفر قاسم، فقتل 51 مواطنا معظمهم من الرعاة، والمزارعين.

للحديث عن مجزرة كفر قاسم في ذكراها الـ 65، التقت صحيفة “المدينة” ابن مدينة كفر قاسم، البروفيسور إبراهيم أبو جابر، نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح (أكاديمي وباحث في العلوم السياسية، له عدة صدارات والمؤلفات في الشأن الفلسطيني والذاكرة الفلسطينية منها كتاب كفر قاسم الماضي والحاضر).

المدينة: نبدأ بتصريح عضو الكنيست من حزب “الصهيونية المتدينة” اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش من على منبر الكنيست الصهيوني “أنتم هنا عن طريق الخطأ، إنه خطأ بن غوريون لم يكمل المهمة ولم يطردكم عام 1948”..

أولا: هل للمكان الذي صرّح به سموتريتش بهذا الكلام من على منصته رمزية ما ودلالات معينة؟

ثانيا: ما هي الأسباب التي منعت بن غوريون (مهندس التطهير العرقي) من “إكمال المهمة” في عام 1948 وبقي ما يقارب من الـ 150 ألف فلسطيني متشبثين في أرضهم وهم اليوم نسبتهم أكثر عن 20% من سكان البلاد؟

أبو جابر: تصريح المأفون بتسلئيل سموتريتش غير مفاجئ أبدًا وهو ليس الوحيد الذي تفوّه بهذه العبارات العنصرية، فأمثاله كُثر داخل المؤسسة الإسرائيلية، وهذا أيضًا جزء من المشروع الصهيوني. أما رمزية المكان “الكنيست” الذي تحدث منه فهي مهمة، فهذا هو مقر المؤسسة التشريعية للكيان الإسرائيلي وهو يعكس العقلية الإسرائيلية العنصرية الغارقة في كراهيتها لشعبنا الفلسطيني والمتنكرة لحقوقه الشرعية في العيش في وطنه. تصريحات سموتريتش هذه تتلمذ وتربى عليها في أروقة المدارس ومن خلال المنهاج التعليمي المتطرف كغيره من قادة المشروع الصهيوني، أمثال بن غوريون الذي غضب وهو في طريقه لزيارة مدينة صفد عندما رأى القرى العربية في الجليل. هذه الكنيست التي تحدث من على منصتها هذا الفاشي هي نفسها التي أقرّت مئات القوانين العنصرية في حق شعبنا توجتها بقانون ظلامي يعرف بقانون القومية أو يهودية الدولة.

وعودة إلى ديفيد بن غوريون المشهور بمهندس التطهير العرقي وعنصريته ودعمه لتهجير كل الفلسطينيين من وطنهم،  فقد شاءت الأقدار فشله في إكمال مشروعه المخالف لكل الأعراف الدولية وهذا يعود لعدة أسباب، أولها صمود شعبنا الأسطوري رغم عشرات المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد القرى والبلدات العربية، ثم الهدنة ووقف إطلاق النار حينها- أي عام 1948- وبعض الضغوط الخارجية على القادة الصهاينة وعدم قدرة المؤسسة الإسرائيلية وقتها فرض سيادتها على مناطق واسعة في حين أنها لا تملك القدرة العسكرية الكافية على حمايتها، الأمر الذي أبقى أكثر من 150 ألفا من الفلسطينيين في بلداتهم وهؤلاء هم من يؤرق اليوم أحفاد بن غوريون من العنصريين والفاشيين أمثال المأفون سموتريتش.

البروفيسور إبراهيم أبو جابر
البروفيسور إبراهيم أبو جابر

المدينة: ننتقل للحديث عن مجزرة كفر قاسم، في أي سياق جاءت وما هي دلالاتها وأهدافها؟

أبو جابر: أقدمت فرقة من حرس الحدود الإسرائيلية على ارتكاب مجزرة كفرقاسم في وقت كانت فيه معنويات العرب والفلسطينيين في الحضيض، بعد أحداث النكبة ودحر الجيوش العربية وضياع 78%من مساحة فلسطين، فقد كان العرب حينها يعيشون مرحلة الهزيمة مما ساعد الإسرائيليين على ارتكاب جريمتهم في حق سكان كفرقاسم. ويأتي ارتكاب المجزرة أيضًا عدا عما ذكر في سياق إكمال بعض فصول المشروع الصهيوني الرامي أصلا إلى تفريغ الأرض من أهلها تمامًا وفق مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وعليه كان الهدف الأساس من المجزرة تهجير سكان ليس كفر قاسم فقط وإنما منطقة المثلث كاملة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الإدارة الأردنية بناء على نظرية التوسع.

 

المدينة: هل كان لتلك المجزرة تداعيات على باقي الشعب الفلسطيني في الداخل وعلى حياته السياسية والاجتماعية خصوصا وعلى الشعب الفلسطيني عموما؟

أبو جابر: لا يختلف اثنان أن حدثًا جسيمًا كهذا راح ضحيته 51 شهيدًا فلسطينيًا قد ترك أثرًا في نفوس الفلسطينيين أينما كانوا في الداخل أو الشتات. فعلى مستوى الداخل أدرك الفلسطينيون أنهم يواجهون كيانًا سياسيًا عنصريًا يخطط لاقتلاعهم من أرضهم كما فعل مع حوالي ثلثي الشعب الفلسطيني زمن النكبة، وأن الواجب الوطني والأخلاقي يجعلهم يتشبثون بأرضهم رغم تخوفهم من المجهول. فقد ارتفع منسوب الوعي السياسي والثقافي لدى أبناء الداخل الفلسطيني رغم قسوة الحكم العسكري وسطوته مما زج بالعديد من رموز المجتمع في السجون والمعتقلات واعتبرت الذكرى السنوية لمجزرة كفر قاسم لقاءً سنويًا للقيادات السياسية والوطنية والمجتمعية. أما على المستوى الاجتماعي العام في الداخل فقد استفادت الجماهير العربية كثيرًا من وحي المجزرة إما على مستوى رفع مستوى الوعي العام في المدارس والمؤسسات بالحديث عن المجزرة وتذويتها في أذان الطلاب والناس، أو من خلال التضامن مع ذوي الشهداء وبلد الشهداء، في حين أحيت جماهير شعبنا في مختلف مناطق تواجده ذكرى المجزرة سنويا.

 

المدينة: كما هو معروف فإن الحكومة الاسرائيلية حاولت إبرام اتفاقية “صلحة” بعد المجزرة!! ممكن أن تتطرق إلى تفاصيل هذا الجانب تحديدا؟

أبو جابر: فرضت سلطة الحكم العسكري الإسرائيلي في نفس العام “صلحة” مع أهالي الشهداء وبلدة كفر قاسم وقد تمت بالإكراه وتحت التهديد، وذلك بأمر من بن غوريون نفسه الذي شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع عام 1956. وقد أراد بن غوريون من عقد الصلحة التي تمت في المدرسة الغزالية اليوم تحت حراب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لتجنب عرضها للنقاش داخل الكنيست واسكاتا لبعض وسائل الإعلام المكتوبة التي أخذت تنشر أخبار المجزرة وتفاديًا من تناولها عبر وسائل الإعلام العالمية وخلق رأي عام بأن المؤسسة الاسرائيلية تقتل “مواطنيها”. والحق يقال إنه بناء على قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل” فإن “الصلحة” هذه فاقدة الشرعية ولهذا يطالب ذوو الشهداء بضرورة اعتراف السلطات الإسرائيلية بارتكاب المجزرة رسميًا وتحملها للمسؤولية القانونية والإنسانية والأخلاقية عنها.

 

المدينة: في سياق الحديث عن “الصلحة”، هل تم تعويض أهالي شهداء كفر قاسم أو حتى إطلاق وعودات لهم؟

أبو جابر: حتى وإن دفعت السلطات الإسرائيلية تعويضات لذوي الشهداء تحت الإكراه، أي بناءً على مُخرجات جلسة “الصلحة” لكن ذلك غير كاف أبدًا ولا يعفي المؤسسة الإسرائيلية من مسألة الاعتراف رسميًا بارتكاب أجهزتها الأمنية للمجزرة.

 

المدينة: هناك بعضًا من أبناء وأحفاد شهداء كفر قاسم منهم من يدعو اليوم للانخراط في مشاريع “التعايش الإسرائيلي” ومنهم من يتبوأ منصب عضو كنيست ووزير في الحكومة الإسرائيلية متجاوزين حرمة دماء آبائهم وأجدادهم! ما هو تفسيرك لذلك؟ أم أن لكل زمان واقع مختلف وله ضروراته؟

أبو جابر: الصحيح هذه قضية جدًا عويصة وقد تباينت فيها الآراء والاجتهادات وإن كنت ممن يرفضون المشاركة في الكنيست الإسرائيلي تصويتًا وترشيحًا فكيف بالمشاركة في تشكيل حكومة للاحتلال.. أرى أن الأمر مركب ولكن مهما برر البعض المشاركة في الكنيست والائتلاف الحكومي أو حتى القبول بمناصب وزارية فتبريراتهم هذه غير مقنعة ومرفوضة جملة وتفصيلًا لأنها تتعارض مع ثوابتنا الدينية والوطنية ولا تنسجم مع الثمن الغالي الذي دفعه شعبنا منذ أكثر من مئة عام في مواجهة المشروع الصهيوني وحلفائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى