كيف أنجزت كتائب القسام صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011؟

يوافق يوم الـ 18 من تشرين أول/ أكتوبر من كل عام، ذكرى صفقة “وفاء الأحرار”، التي تعد أضخم عملية تبادل تمت بين كتائب الشهيد عز الدين القسام، والسلطات الإسرائيلية من جهة أخرى، وبوساطة خارجية.
وقد بدأت تفاصيل الحكاية عندما أغار مقاتلو القسام، والمقاومة الفلسطينية، على موقع “كرم أبو سالم” العسكري شرق رفح، فجر الأحد 29 جمادى الأولى 1427هـ الموافق25/06/2006م، موقعين جنود الاحتلال في الموقع بين قتيل وجريح، وينسحب المقاتلون ومعهم الصيد الكبير الجندي “جلعاد شاليط”، ويرتقي خلال العملية، محمد فروانة وحامد الرنتيسي.
ضربة موجعة لم يدرك قادة المؤسسة الإسرائيلية ما حصل فيها، وما عليهم أن يفعلوا في مواجهة ذلك الحدث الأمني الكبير، فكان تكثيف النشاط الأمني والاستخباري أحد الوسائل، واستهداف مناطق القطاع بالطائرات الحربية، وليس انتهاء بحرب معركة الفرقان البرية، التي انكفأ الاحتلال بعدها ليتيقن أنه لا حل لتحرير جنديه المأسور سوى القبول بشروط الفصائل الفلسطينية لإتمام صفقة تبادل.
وما جهلته سلطات الاحتلال خلال تلك المرحلة، هو ما سمح القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف بنشره، عن وحدة الظل القسامية الأكثر سرية، والتي أُنشئت منذ سنوات عديدة وكلفت الوحدة بمهام منها تأمين الأسرى الاسرائيليين الذين يقعون في أسر الكتائب والإبقاء عليهم في دائرة المجهول وإحباط جهود الإسرائيليين المبذولة بهذا الخصوص، إضافةً لمعاملة الأسرى بكرامة واحترام وفق أحكام الإسلام وتوفير الرعاية التامة لهم المادية والمعنوية، مع الأخذ بعين الاعتبار معاملة الاحتلال للأسرى الفلسطينيين.
ومن أفراد الوحدة الذين ارتقوا خلال مشاركتهم في الحفاظ على الجندي “جلعاد شاليط” هم: (سامي الحمايدة، وعبد الله علي لبد، وخالد أبو بكرة، ومحمد رشيد داود، وعبد الرحمن المباشر، بالإضافة القائدين في القسام محمد أبو شمالة ورائد العطار).
مد وجزر ثم الاتفاق
وخلال مفاوضات مضنية ودامت لسنوات قادها القائد أحمد الجعبري، تم التوصل إلى صفقة تبادل حيث أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” خالد مشعل في الحادي عشر من أكتوبر عام 2011م، التوصل إلى اتفاق صفقة تبادل للأسرى برعاية مصرية.
وتقضي الصفقة أن تقوم حركة حماس وجناحها العسكري بتسليم الجندي الأسير “جلعاد شاليط” الرقيب في جيش الاحتلال، والذي أسرته المقاومة في عملية الوهم المتبدد، على أن يطلق الاحتلال سراح 1027 أسيراً فلسطينياً من السجون. وتشمل الصفقة كل الأسيرات الفلسطينيات وعلى رأسهن الأسيرة الأردنية أحلام التميمي، كما شملت الصفقة قيادات فلسطينية تقضي محكوميات عالية في السجون الإسرائيلية بأحكام تصل مدتها إلى 745 عاماً. كما أنها تتضمن الإفراج عن أقدم سجين فلسطيني محمد أبو خوصة، وأسرى من مختلف ألوان الطيف الفلسطيني، حيث ضمت الصفقة أسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأسرى من حركة فتح، وحماس، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وأسرى من الجولان.
وتعد هذه الصفقة أضخم ثمن دفعته سلطات الاحتلال في مقابل جندي واحد، كما أنها باهظة جداً من الناحية الأمنية والعسكرية، لأنها تشمل إطلاق أسرى أودوا بحياة 570 اسرائيليًا، ما حدا برئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها “بنيامين نتنياهو” للقول بأن الموافقة على الصفقة هو أصعب قرار اتخذه في حياته.
يوم عيد
صبيحة الثامن عشر من أكتوبر للعام 2011، وقف كل العالم يشاهد لحظة تحرير الأسرى الفلسطينيين، مقابل الجندي الأسير “جلعاد شاليط”، وبعد أن تمترس الناس أمام شاشات التلفزة يشاهدون تسليم الجندي الأسير، وبعد دخول الأسرى المحررين من الجانب المصري إلى معبر رفح، انطلقت الحشود تملأ الشوارع والميادين الرئيسة احتفالًا بالصفقة وتحرير الأسرى.
وقد أنجزت الصفقة على مرحلتين، فالمرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى كانت صبيحة يوم الثلاثاء 18 أكتوبر، حين قام الاحتلال بالإفراج عن 477 أسيراً فلسطينياً وتسليمهم إلى الصليب الأحمر الدولي، فيما قامت كتائب الشهيد عز الدين القسام بتسليم الجندي الأسير “جلعاد شاليط”، إلى مصر إيذاناً ببدء عملية التبادل.
وفي المرحلة الثانية أفرج الاحتلال عن 550 أسيراً فلسطينياً، في 18 ديسمبر 2011 م، استكمالاً للصفقة، توجه 505 منهم إلى الضفة المحتلة فيما توجه 41 إلى قطاع غزة، يُضاف إليهم 19 أسيرة تم الإفراج عنهن في صفقة “الشريط المصور” التي سبقت صفقة “وفاء الأحرار” بشهور.
وبإتمام صفقة تبادل الأسرى يبقى في السجون الاسرائيلية ما يقارب 4500 أسير، بينهم 123 أسيرًا من الأسرى القدامى، و52 أسيرًا من عمداء الأسرى -الذين أمضوا ما يزيد عن 20 عاماً في السجون- و23 أسيرا مضى على اعتقالهم ربع قرن.
ما زال الأمل
وأكدت كتائب القسام على لسان الناطق باسمها أبو عبيدة، أنه طالما هناك أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية لن تدخر المقاومة جهداً في إخراجه. فحالة من الترقب في السجون قد بدأت خلال حرب 2014، في أعقاب إعلان الناطق العسكري باسم كتائب القسام عن أسر الجندي الاسرائيلي “شاؤول آرون” شرق غزة، خلال معركة العصف المأكول، وما تبعته من إعلان للقسام عن بقية الأسرى الاسرائيليين، كل ذلك هو ثقب في خرسان السجن إلى فجر الحرية القريب للأسرى.