أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

ميلاد الإنسانية وميلاد الحرية

ليلى غليون

لم تكن الدنيا بأسرها لتدري أنها على موعد مع تدفق الحياة والحرية مع إطلالة موكب ربيع الأول الذي أعلن عن تباشير عهد جديد وميلاد الكرامة والإنسانية، بعد أن ديست بعنف تحت أقدام القهر والبطش والجبروت ردحا طويلا من الزمان.

لم تكن تدري أن ربيع الأول أورق مع كل لحظة من لحظاته أملا مترامي الأطراف داعب قلوب المستضعفين والمقهورين، فقلب خوفهم أمنا، وذلهم عزة، وقهرهم قوة، بل قلب كل المعادلات والاعتبارات التي كانت سائدة آنذاك، ليجعل منهم أرقاما صعبة بعد أن أصبح لهم حيز إنساني مرموق تحت الشمس، وموقع يُحسب له ألف حساب على الخريطة الاجتماعية، وقد كانوا من قبل لا شيء في مهب الرياح العاتية لجاهلية جهلاء طاغية استحكمت حلقات عبوديتها على الإنسان والإنسانية، فرقبة العبد الحبشي والذي كان يُكنى بهذا الاسم احتقارا، داستها نعال الجبروت والاستكبار في الأرض استخفافا واستضعافا وتنكيلا، ولكن صاحبها تحمل من الأذى ما لا يتحمله صناديد الرجال، كيف لا وقد أبصر بعيني بصيرته مستبشرا بميلاد الانسانية، أن هذا الدين عندما سيتمكن سيمزق عنه ثياب العبودية ويبدلها بثياب العزة وسيجعل منه سيدا، وقد أصبح السيد بلال تتناقل أخباره ومواقفه على مر العصور وتكتب بمداد الذهب، بل أصبح سيدنا كما لقبه الفاروق رضي الله عنه لما قال: (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) ليرتقي هذا السيد أشرف وأقدس مكان كانت تقدسه العرب الكعبة المشرفة، عزيزا مرفوع الهامة يصدح بتكبيرات النداء الخالد ويجلجل صوته في بطحاء مكة، ينصت له الجميع ويفتح آذانا أصمها صوت الباطل، بعد أن كان صوته قبل ثلاث عشرة سنة يخرج حشرجة من شدة ألم سياط التعذيب وهو يقول أحد أحد، إنه الإسلام، إنه ميلاد الحرية الذي لا يعترف، بل ألغى كل اعتبارات من مال وحسب ونسب ولون ومكانة اجتماعية، فلا فضل لأحد على أحد إلا بما قدمت يداه لهذا الدين.

يا لربيع الأول سيد الشهور الذي أطل من رحم الزمان مبتسما مزهوا، وقد اكتسى بحلة الشرف والبهاء وحق له ذلك وقد أكرمه المولى العزيز وفضله عن باقي الشهور أن جعله يزهو بميلاد رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم يزف البشرى بسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم والذي:

سعدت بطلعته السماوات العلا والأرض أصبحت جنة خضراء

ولكنه هلال ربيع الأول يطل وأمتنا لا تزال تستنشق روائح الدم والحرية والكرامة وتغوص في أعماق المحنة التي جثمت على صدرها وخنقت أنفاسها، وشيدت حاجزا منيعا من الخوف وتكبيل الإرادة، لينهار هذا الحاجز مع أول زمجرة من الهدير الغاضب للشعوب التي خرجت منتفضة وقد ملّت الصمت وعافت الخنوع وما عاد يرويها إلا كأس الكرامة.

نعم يطل ربيع الأول ويحتفي بميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم ولا تزال أمة الحبيب تعيش مخاضا عسيرا لثورات اشتعلت غضبا وثأرا لحريتها، ونارا على الفساد والظلم والطغيان، لتقول للرويبضات انتهى زمانكم، وسقط القناع عن القناع عن وجوهكم الكالحة، اقتلوا ما شئتم، اسجنوا، عربدوا، ابطشوا، لقد بدأ المسير ولن ينتهي إلا بانتهائكم وزوالكم بإذن الله.

إنها ذكرى مولد الحب والسلام والخير تطل مفعمة بالأمل مع كل الآلام التي تغشاها، ومع كل صرخات الثكالى واليتامى، ومع كل الأنين الذي ملأ صداه أرجاء الدنيا، تبشر المقهورين بأزاهير الكرامة وقطوف الأمل التي نمت واشتد ساقها من الدماء الزكية التي هطلت مدرارا ولم يوقف نزيفها بطش ولا إرهاب أو صوت مدفع أو رشاش، وقد أقسمت أن لا عودة للوراء حتى تسترد الشعوب حقها في العيش الكريم.

إنها قصة طالت فصولها وتعقدت أحداثها، إنها مأساة رُسمت بخطوط الغدر على أوراق الخيانة، ولكن رغم هذا وذاك ستبقى ذكرى مولدك يا سيد الأولين والآخرين، أملًا يجدد العزم واليقين بأن المستقبل لهذا الدين، وشمس الإسلام ما غابت ولن تغيب ولكنه الكسوف الذي سينتهي ويزول وينبت الأمل بواقع جديد تدغدغ فيه الفرحة قلوب المؤمنين بنصر الله، وسيسدل الستار معلنا نهاية فصول المأساة وأحداث القصة.

إنها أيام لن تطول بإذن الله، وستحاكم الشعوب كل طاغية تجبر وتأله عليها، هذه حقيقة سيأتي من يفجرها.

وربيع الأول الذي بشر بميلاد رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم، سيبشر بإذن الله بميلاد الأمة من جديد التي ما عاد يطربها إلا أهازيج الحرية ومواويل الكرامة.

هذا قدر الله ووعد الله ونحن على موعد مع ملامح فجر وضّاء، وملامح زمان أجمل بحول الله وقدرته وإنه لقريب بإذن الله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى