لا تتنازلي عن هذا الحق
ليلى غليون
نادت ولا تزال تنادي بعض النساء في مجتمعاتنا الاسلامية ممن أصبن بحمى هوس العولمة، اللواتي تجندن خدمة وطاعة لهذا المشروع، لرفع قوامة الزوج عن الزوجة، وتحريض المرأة لتعلن ثورة على الرجل ليخلع هذه العباءة التي تعتبر في الفقه النسوي اضطهادًا وسحقًا وذوبانا لشخصية المرأة، وواقعنا اليوم كما هو بالأمس شهد ويشهد حراكًا نسويا كبيرًا ونشاطا متزايدًا برزت من خلاله معالم كثيرة وتأكدت حقائق لم تكن خافية، لتنصب كل هذه الجهود وهذه التحركات لزعزعة المرأة عن ثوابتها واشعال ثورة التمرد في داخلها ليتم احتواؤها في قوالب من تصميم المشروع العولمي الذي جعل منها اسمى غاياته.
إن القوامة، يا صاحبات الفكر المتنور، حق من حقوق المرأة الذي يجب أن لا تتنازل عنه بأي حال من الأحوال، بل عليها أن تطالب به إن وجدت تقصيرًا من زوجها في أدائه.
والقوامة، يا من تحاولن ليَّ أعناق النصوص خدمة للمشروع العولمي، ليست تسلطا ولا استبدادًا ولا سحقا لشخصية المرأة، فالقوامة لغة: قام على الشيء قيامًا: أي حافظ عليه وراعى مصالحه.
والقوامة تكليف للزوج وتشريف للزوجة، حيث أوجب الاسلام عليه رعاية هذه الزوجة التي ارتبط بها برباط الشرع واستحل بها بالعقد الذي وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ، وهذا التكريم بأن جعلها الله تعالى تحت قيّم يقوم على شؤونها وينظر في مصالحها ويذب عنها ويبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنينتها.
فهل في ذلك إلغاء لشخصيتها، وهل في ذلك تسلط واستعباد؟! ولله در القائل في معنى القوامة: معنى القوامة في أسمى مراتبـــها… أن يحفظ المرء أنثاه ويكفيها. وإن تخلى فهل تغني قوامته… هذا الذي يرخص الأنثى ويرديها.
إن الذي جعل قوامة الرجل على المرأة هو الله تبارك وتعالى، والطعن في القوامة هو طعن في حكم من أحكام الله، والله تعالى ما شرع أمرًا ولا نهى عن نهي إلا وفيه مصلحة أو درء عن مفسدة (وما كان ربك بظلام للعبيد)، فالمرأة بحكم ضعفها التكويني الطبيعي تحتاج لمن يقوم عليها ويكرمها بهذا القيام.
يقول الدكتور عبد الله وكيل الشيخ في كتابه (المرأة وكيد الاعداء): (أمّا قوامة الرجل فالمرأة أحوج إليها من الرجل لأن المرأة لا تشعر بالسعادة وهي في كنف رجل تساويه أو تستعلي عليه، حتى إن إحداهن ذهبت إلى القاضي تطلب طلاقها من زوجها، وحجّتها في ذلك أنها سئمت من نمط الحياة مع هذا الرجل الذي لم تسمع له رأيا مستقلا ولم يقل لها يومًا من الأيام كلمة لا، أو، هكذا يجب أن تفعلي، فقال لها القاضي مستغربًا: أليس في هذا الموقف من زوجك ما يعزز دعوة المرأة إلى الحرية والمساواة؟ فصرخت قائلة: لا… لا… أنا لا أريد منافسا بل أريد زوجا يحبني ويحكمني).
ويؤكد هذا الكلام ما قاله الشيخ محمد قطب: (إن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيّره هي، فيخضع لرغباتها، بل تحتقره لفطرتها ولا تقيم له أي اعتبار، فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة وصار لها كيان ذاتي مستقل عادت فاستعبدت نفسها للرجل، فأصبحت هي التي تغازله وتتلطف إليه ليرضى وترمي بنفسها بين أحضانه حيث تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها).
فقوامة الرجل هي قلعة لحماية المرأة من عاديات الزمان وتقلباته، وهي مبنية على الشورى والتفاهم والتعاون والتعاطف المستمر بين الزوج وزوجته، والقوامة مبنية على: (وعاشروهن بالمعروف)، (خيركم خيركم لأهله)، (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله)، (رفقا بالقوارير)، (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وغيرها الكثير من النصوص التي لا تعدّ ولا تحصى التي أرشدت الرجل إلى فن وحسن التعامل مع المرأة، يا من أوقفتن حياتكن في تعكير المياه الصافية، بل من احترفتن الصيد في المياه العكرة، لتفرقن بين المرأة وزوجها بهذه المهاترات والشعارات الفارغة، نعم هناك ممن يتعاملون بالسر ويذهبون الى الفتاحين والفتاحات لعمل سحر يفرقون به بين المرء وزوجه، ولا أحسب هذا النداء الذي يدعو لرفع قوامة الرجل عن المرأة إلا فتنة أشد فتكا من السحر لتمزيق علاقة المرأة بزوجها المبنية أصلا على المودة والرحمة.
فليس من العدل ولا الإنصاف أن يحكم على الإسلام من خلال أفعال وسلوكيات البعض ممن يعنِّفون المرأة ويهينونها وهذا واقع وموجود ولا مجال للتفصيل فيه، نعم هناك من يظلمها، هناك من يضطهدها، هناك من يهمشها، وهذه الأفعال الإسلام منها براء والقوامة منها براء براءة العذراء عليها وعلى ابنها السلام مما نسبه إليها اليهود.
فقوامة الرجل على المرأة حق لها، والنداء لرفع القوامة هضم لحقوقها، والمرأة أضعف من الرجل حقيقة، وذاكرة الرجل أقوى من ذاكرة المرأة حقيقة، وعضلات الرجل أقوى من المرأة حقيقة، وليس الذكر كالأنثى حقيقة، والمرأة بحاجة إلى قوامة الرجل حقيقة، ومن يقول غير ذلك إمّا جاهل، أو مراوغ، أو متربص، فيا أيتها الزوجة، القوامة حق من حقوقك فلا تتنازلي عنها أبدًا.



