أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (85): في تجربة الإسلاميين في البرلمانات العربية (1-2)

حامد اغبارية
لا يمكن لباحث أن يقرأ تجربة مشاركة الإسلاميين في البرلمانات العربية قراءة واحدة، ذلك أن كل بلد من البلدان العربية وكل تنظيم إسلامي في كل بلد له ظروفه الموضوعية وخصوصيته ودوافعه وأدواته في خوض غمار هذه التجربة التي يراها باحثون أنها تجربة فاشلة أضرّت بالحركات الإسلامية ولم يحققوا من خلالها شيئا يخدم المشروع الذي قاموا من أجله، بينما يراها آخرون أنها كانت ضرورية لمحاولة إصلاح المجتمع ولإظهار قوة الإسلاميين في الشارع، ولإكسابهم تجربة في العمل السياسي استعدادا لإدارة شؤون الدولة في مرحلة التمكين، ثم الاقتراب أكثر من دائرة اتخاذ القرار (السلطة) والتعرف- قدر الإمكان- على خفايا وخبايا سياسات النظام الحاكم ومن ثم دراسة هذه السياسات والاستفادة منها في التعاطي مع القضايا والملفات المختلفة، إضافة إلى محاولة التأثير على القرار السياسي ومحاولة التغيير في سياسات النظام بنفس أدوات لعبته السياسية.
غير أن الشيء الوحيد الذي يجمع عليه الباحثون هو أن الإسلاميين دخلوا برلمانات أنظمة عربية فاسدة، تابعة لا تملك إرادتها، وقرارها ليس بيدها، وهي أنظمة قامعة باطشة، جاءت إلى السلطة إما على دبابة وإما بانقلاب عسكري أو هي أساسا صنيعة الاستعمار، قامت على أنقاض الدولة الإسلامية الواحدة بعد أن ساهم هؤلاء في إسقاطها. فهي ليست سوى أنظمة وظيفية تؤدي خدمة للمستعمر أو للمحتل؛ سواء في المشرق العربي أو المغرب العربي أو منطقة الخليج وجزيرة العرب.
وإن قراءة سريعة لعلاقة الإسلاميين بالأنظمة يوصلنا إلى نتيجتين: فإما أن الأنظمة حاربتهم وحاولت اجتثاثهم كما حدث مع الإخوان المسلمين في مصر في عهد عبد الناصر، وكما يحدث الآن مع السيسي، وإما أن النظام لعب معهم لعبة العصا والجزرة؛ فتارة “يرضى” عنهم ويفتح لهم المجال للمشاركة في البرلمان، وتارة “يغضب” منهم ويفبرك لهم “ذنوبا وخطايا” تستوجب عقابا واستبعادا وانقضاضا وحظرا ومحاولة اجتثاث، كما حدث ويحدث مع الإخوان في الأردن سواء في عهد الملك حسين أو في العهد الحالي، وكما حدث في عهد السادات ومن بعده مبارك في مصر كذلك.
فهل أصاب الإسلاميون بدخولهم برلمانات تلك الأنظمة الفاشية القامعة أم أخطأوا؟
بدأت تجربة الإسلاميين في تلك البرلمانات مبكرا في التسعينات من القرن الماضي، من خلال تجربة الإخوان في الأردن، وفي ذات الوقت دعم الإسلاميين لانقلاب عمر البشير في السودان، وكانت هذه التجربة تبدو في بداياتها مبشرة، لكن سرعان ما تبين أن الحركة الإسلامية وقعت في فخ النظام الحاكم، واكتشفت متأخرا أن العسكر لا يمكن الوثوق بهم، وأن دعم الانقلابيين- أيا كانت الدوافع والأهداف- هو خطيئة لها ثمن. وفي المقابل لم تكن الحركة تملك من الأدوات والقوة الفعلية (غير الشعبية) ما يمكّنها من إحداث التغيير الذي سعت إليه، ثم سرعان ما وجدت نفسها تمارس اللعبة السياسية بنفس أدوات النظام.
صحيح أن الإسلاميين دخلوا هذه اللعبة بحسن نية بهدف إصلاح المجتمع والنظام الحاكم، لكن الأمور لا تُدار بحسن النوايا، خاصة في ظل أنظمة كهذه ودول عميقة تدار تحت الأرض أكثر مما تدار فوقها، وتحرّكها تبعيتها لقوى عالمية ذات مصالح ترى بالإسلاميين تحديدا عنصرا معطّلا لهذه المصالح. لذلك أخطأ الإسلاميون خطأ استراتيجيا عندما مارسوا اللعبة السياسية من بوابة برلمانات الأنظمة، خاصة وأن المشاركة في البرلمانات كانت في حقيقتها أقرب إلى الشكلية، ولم يكن لهم تأثير حقيقي في التشريعات والقوانين التي من خلالها تدار شؤون الدولة. بل يمكن القول إن هذه المشاركة منحت شرعية لسياسات الأنظمة بطريقة مباشرة حينا وغير مباشرة أحيانا، خاصة في البلدان التي وصل فيها الإسلاميون إلى المشاركة في الحكومة كما في الأردن، أو تشكيل الحكومة كلها كما حدث في المغرب وفي تونس، أو إدارة شؤون الدولة (دون أنياب) كما حدث في مصر. وفي جميع الأحوال كان الثمن الذي دفعته باهظا جدا والمقابل كان صفريا والإنجاز غائب تماما.
وكان من الإشكاليات التي وقع فيها الإسلاميون أنهم من جهة قبلوا بدستور دولتهم (العلماني بطابع غربي في الغالب، وهو دستور محارب للشريعة في نصوصه وتطبيقاته) مرجعية، ومن جهة رفعوا شعار أن الإسلام هو مرجعيتهم، فكان هناك تناقض واضح بين الشعار وبين الممارسة، الأمر الذي أوقعهم في دائرة مغلقة لم يتمكنوا فيها من تحقيق ما تخيلوا تحقيقه.
ورغم أنه يجدر التفريق بين تجربة الإسلاميين في البرلمانات قبل الربيع العربي وبين مشاركتهم في الحكم بعده، إلا أن التجربة في كلتي التجربتين لم تحقق المرجو، وإن كانت هذه المسألة ما زالت تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.
فما الذي كان على الإسلاميين فعله حتى يحققوا ما سعوا إليه من خلال مشاركتهم في برلمانات الأنظمة العربية؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه بكل شفافية في المقال القادم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى