أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

رِق لايت

عائشة حجار

من أبشع ما أورثه الاستعمار الأوروبي للعالم هو الاضطهاد “اللايت”، أنواع من الاضطهاد وقمع الحريات تمارس باسم التقدم والحرية بناء على قيم المضطَهِد. في هذا النوع من الاضطهاد يعتقد الشخص في الواقع أنه يمارس أكثر الأمور إنسانية بينما يدوس على إنسانية غيره، وتنبع هذه الظاهرة بالأساس من احتقار باقي الثقافات وتصور هؤلاء لأنفسهم على أن بأيديهم مفاتيح خلاص العالم. لنأخذ مثلًا أحد أحدث أنواع الرِق في عالمنا وهو استئجار الأرحام الذي وصل إلى العناوين الاسبوع الماضي، بعد أن أعلن الإعلامي ليئور شلاين وعضو الكنيست ميراف ميخائيلي عن ولادة طفل لهما من “أم حاضنة” تلقت مقابلًا ماديًا على تكريس جسدها لحمل ليس لها.

الملفت في الأمر أن ميراف رأت أن هذه العملية ساعدت سيدة على تحسين وضع عائلتها الاقتصادي، أي أنها ترى في فعلها أمرًا إنسانيًا تساعد فيه امرأة فقيرة مع أنها في الواقع مارست، باعترافها، هي وشريكها أسوأ انواع الاستغلال لشخص لم يعد لديه ما يبيعه سوى جسده، قلائل هن النساء اللواتي يعتبرن الحمل رحلة جميلة يمكن عبورها ببساطة وفرح، وفي الواقع فما تمر به الأم لا تقبل به سوى لكي ترى طفلها، طفلها هي.

هذا الرِق المغلف ببعض العبارات الإنجليزية الطويلة وابتسامات أشخاص لا يشبهوننا خطر لعدة أسباب. الأول، هو أنّ من يمارس هذا الرق هو شخصية حكومية في حكومة تسنّ القوانين التي تسير حياتنا شئنا أم أبينا، وهي خطوة تقرب جدًا قوننة استئجار الأرحام وتسهيله حتى يصبح بتمويل حكومي وفي متناول كل شخصين يرغبان بطفل على حساب شخص ثالث. الأمر الثاني، هو تغلغل هذا الفعل إلى مجتمعنا العربي الذي لا زال يرى الأنساب أمرًا يحرم العبث فيه، ومع أن هذا يبدو بعيدًا لكن امورًا أخرى بدت بعيدة سابقًا ووصلتنا بدون أن نشعر، الأمر يبدأ ببعض الردود “الكيوت”، تلك التي تنحني تبجيلًا لكل كلمة منمقة قالها مستعمر، والتي تنادي بحرية ما وأشياء لها علاقة بالإنسانية، تجدها متناقضة إذا دققت القراءة ولا تنبع إلا من شعور بالدونية أمام الحاكم، شعور يجعلنا نعتقد أن هذا الذي يدوسنا لا بد أن يكون أفضل منّا والاقتداء به من أفضل السبل للارتقاء. ثم تظهر أجسام لزيادة الوعي حول معاناة الأزواج الذين يحاولون إنجاب طفل وتصور استئجار الأرحام على أنّه الحل الوحيد، وإن كان الامر بتمويل من صندوق المرضى فسيتحول إلى عملية طبية مرتبطة بالعلم والطب. ومع أن هذا السيناريو يبدو خياليًا لدى البعض، إلا أن بضع مئات آلاف الشواقل مقابل حمل يبدو حلًا لعائلة ترزح تحت الديون، وابتداع قصص وطرق للتغلب على النقد الاجتماعي ليس بالأمر الصعب. ببساطة نحن نعيش في ذات المكان مع هؤلاء القوم وكل ظاهرة تنتشر لديهم تتسلل إلينا في معظم الأحيان.

وبالمناسبة، الأمر لا علاقة له بالنسوية كما تحدث البعض، النسوية الصحيحة ترى في استغلال ضائقة مجتمع لاستخدام نسائه جرمًا لا يغتفر، وفي الواقع فكل مبادئ الأرض تراه كذلك. لذلك فأمر مقلق أن نكون نحن شعبًا مضطهدًا يرى في الدفاع عن الرق (اللايت) نوعًا من الانفتاح والرقي، ففي صميمنا نحن شعب ابعد ما يكون عن “الكيوت”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى