أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

إشراقات غائبة

ليلى غليون

في غمرة انشغال الكثير منا بمسؤولياتهم وأعمالهم وهمومهم، ولهاثنا وراء تحقيق مصالحنا وأمورنا الشخصية، قد تغيب عنا الكثير من الإشراقات الجميلة والقيم السامية المتعلقة بالروابط والعلاقات الاجتماعية وفن التعامل بين الناس والذي هو من الأسس الصلبة التي أقيم عليها ديننا الإسلامي الحنيف لمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدين المعاملة “.

فربّ كلمة طيبة قد تكون سببا في رفع همة عاجز أو بها حث على فعل الخير، أو تكون سببا في إقرار حق ضائع، ورب ابتسامة صادقة لا تكلف ثمنا تمسح عن القلب ما علق به غبار الهموم والأحزان وتنثر فيه بعض قطرات الندى لتبث فيه إشعاعات الأمل، وتكون بلسما لمشاعر استنزفتها أوجاع الحياة وآلامها.

وفي زخم هذا الانشغال المحموم وفي خضم هذا اللهاث المفجع، نسمع عبارات يتفوه بها الكثير منا وتترجم هذا الواقع المضغوط الذي نسبح فيه، كقول أحدهم: كم أنا مخنوق، وقول آخر: كم أنا مهموم، وآخر: لا أحد يحمل هما كهمي، وغيرها من العبارات السلبية التي تدل على مدى الضغط الذي يعتصر أعصاب الناس، وعلى مدى فقدانهم للراحة والطمأنينة القلبية والاستقرار النفسي ولهداة البال رغم أنهم لا ينقصهم من حطام الدنيا شيء.

فتكاد البسمة الصافية والصادقة لا تجد لها مكانا على الشفاه لتحل محلها البسمة الباهتة والتي تخرج في كثير من الأحيان إما مجاملة أو لتخفي في نفس صاحبها هما كبيرا، أو من ورائها هدف ومصلحة، وكأن لكل شيء أصبح له ثمن حتى الابتسامة والكلمة، ولا يمكن لأحد أن يتغاضى عن الحقيقة التي تقول إن الميزان المادي اليوم هو الميزان الذي يزن به الكثير معاملاتهم وعلاقاتهم الأمر الذي أدى لحدوث شرخ اجتماعي وأزمة علاقات باعدت بين الناس حتى على مستوى الأقرباء والإخوة، أبناء العائلة الواحدة، لتجد الجفاف العاطفي والشحّ في المشاعر والأحاسيس سائدا بينهم، تراهم مجتمعين تحت سقف بيت واحد ولكنهم متفرقون كل في عالمه، وقد نبّه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى هذه المسألة بل وحثّ عليها لأهميتها في نمو العلاقات وديمومتها لما قال عليه الصلاة والسلام: “إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه”.

فأصل ديننا الحنيف التراحم والمحبة والألفة، ولا خير في امرئ لا يألف ولا يؤلف، ولا خير فينا إن لم يكن أحدنا لغيره وإن لم نكن لبعضنا ونحمل هموم بعضنا، يلقى أحدنا أخاه بوجه طلق فيزيل عنه غمه وحزنه، أو يربت على كتفه فتخفف هذه اللمسة من آلامه، أو يسمعه كلمة جميلة فتزهر في قلبه رياحين المحبة، فكم لهذه المعاني الرائعة والراقية من مفعول السحر عندما يرمق أحدنا أخاه من بعيد وعلامات الكدر والهم منقوشة على وجهه فتشع من ثغرنا ابتسامة نقابله بها فتكون له البلسم الشافي الذي يقشع غمائم الحزن عن محياه.

وإنني إذ تتزاحم في ذهني العديد من التساؤلات أطلقها للتأمل والتفكر لأقول: كم منا من يحتضن أبناءه يوميا ويحرص على أن يسمعهم بأنه يحبهم؟

كم منا من يحرص على أن لا يفوته ذاك الأجر العظيم ليتقن البر والإحسان بوالديه؟

كم منا من يحرص على الاتصال بأرحامه، عماته وخالاته، أقارب أبيه، أقارب أمه، ليسأل عن أحوالهم بنية خالصة لوجه الله تعالى لا يريد منهم جزاء ولا شكورا؟

كم منا من يتصل بصديق انقطعت أخباره عنه فافتقده وساوره القلق عليه، إذ لعله مريض أو في ظروف صعبة أو …؟

كم منا من يعقد العزم عند خروجه من منزله أن يحصد محصولا وافرا من الحسنات بوجهه البشوش وأن يكسب محبة الناس ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم وذلك بإفشاء السلام عليهم عملا بقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم”.

كم منا من يفرح لنجاح أحد في عمله أو مؤسسته أو مشروعه فيشد على يده مشجعا وداعيا له بالتوفيق؟

ولي أن أتساءل أيضا: لماذا أصبحت علاقاتنا تتوقف على المناسبات حتى إذا مرض أحد أو كانت عنده مناسبة ما بادرنا بالاتصال أو الزيارة وأحيانا كثيرة نتعذر بكثرة مشاغلنا وضيق الوقت لتمر المناسبة تلو المناسبة وتمضي الأيام والشهور والسنون ولا أحد يدري عن أحد.

إنها بعض إشراقات غائبة. فهل سيأتي اليوم الذي فيه تشرق من جديد؟!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى