أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

هبة الكرامة نتائج وعبر

د. حسن صنع الله

أعادت هبة الكرامة في رمضان 2021 الأمور إلى نصابها الوطني على مستوى الداخل الفلسطيني، هذا الداخل الذي تم استهدافه والعمل على تذويبه وسلخه عن هويته وثوابته الوطنية منذ أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000، تلك الأحداث التي شكلت فيها القدس والأقصى مركز الحدث، وها هي هبة الكرامة تعود بعد عقدين من الزمان لتؤكد من جديد أنّ القدس والاقصى لا زالا هما قلب الحدث.

لقد شكل الشباب عماد هذه الهبة، هذا الشباب الذي وُلد أغلبه بعد اتفاق أوسلو، وكان محط مشاريع تذويب وأسرلة هي نتاج دروس استخلصتها المؤسسة الاسرائيلية بعد هبة القدس والأقصى من أجل سلخ هذا الجيل عن هويته وثوابته وتدجينه على أساس مطلبي نفعي لا وطني، ويلتزم بالمواطنة الإسرائيلية ويندمج في مشروعها الصهيوني.

وقد ظنت المؤسسة الإسرائيلية أنها نجحت في مشروعها إلى أن جاءت هبة الكرامة لتؤكد لها أن كل مشاريعها ذهبت في مهب الريح.

هناك بعض الدروس المستفادة من هذه الهبة يمكن الوقوف عليها منها، أولًا: أثبت الداخل الفلسطيني أنه صاحب قضية وأنه جزء من شعب له رواية، وليس مجرد أقلية مطلبية لا تملك مشروعًا وطنيًا، بل أثبت للقاصي والداني أنه يملك عقلًا جمعيًا واعيًا يرفض التخلي عن الثوابت الفلسطينية مقابل الالتزام بالمواطنة الإسرائيلية، فالصراع يتعلق برواية وثوابت ومقدسات وكرامة وطنية وليست حقوقًا هنا وهناك.

ثانيًا: المؤسسة الإسرائيلية لا زالت تتعامل مع فلسطينيي الداخل على أنهم أعداء، وطابورًا خامسًا ولا يمكن الوثوق بهم، وهي تسعى إلى التعامل معهم من خلال سياسة الضبط والسيطرة، وتسعى إلى حرمانهم من التنظيم على أساس قومي بكل الوسائل والطرق.

حالة الوعي الجمعي والوطني التي تشكلت لدى  فلسطينيي الداخل من خلال الأحداث الأخيرة وبعد فترة من الانحدار السياسي الوهمي دفعت المؤسسة الاسرائيلية إلى الخروج عن طورها، فاستخدمت أدوات فاشية لقمع المظاهرات، وجنّدت جيشًا من المستوطنين المدججين بالسلاح تم دعمهم من قبل الأجهزة الأمنية من أجل بث الرعب والهلع في صفوف أهلنا، وها هي تخصص 13.5 مليون شيكل من أجل تجديد ترسانتها من أسلحة قمع المظاهرات لكي تستخدمها لاحقًا ضد مجتمعنا في مواجهات جديدة، ظنًا منها أن العنف والقمع هي السياسة الوحيدة التي تناسب عرب الداخل، عليه فإن المؤسسة ستستمر في سياساتها العدائية ضد الداخل الفلسطيني وبشكل تصعيدي.

ثالثًا: المفاجأة في الأحداث الأخيرة كانت في شباب الداخل الفلسطيني الذين عبروا في خروجهم عن عمق الانتماء الوطني وفشل مشاريع الأسرلة والتذويب، هؤلاء الشباب كسروا حاجز الخوف ونفضوا عنهم غبار الإحباط السياسي وأعادوا الاعتبار للهوية الوطنية والثوابت.

لقد تقدم الشباب في هذه الأحداث على القيادة وأثبتوا أنهم جيل واعٍ مستعدون للنضال الشعبي. هذا الحراك الشبابي فضح بعض الأحزاب في الداخل الفلسطيني وكشف أنها لا تملك برنامجًا سياسيًا وطنيًا، لا بل إنّ بعضها خارج الصف الوطني، وقد حاولت بعض القيادات تنفيس الشارع، لأنها ملتزمة ومنغمسة في المشروع الصهيوني. الحراك الشبابي في الداخل هو حالة فريدة يجب دراستها بشكل دقيق ومعمق ويجب العمل على استثمارها.

رابعًا: لقد نجح الشباب الفلسطيني بشكل عام في إدارة معركة الرواية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ففضحوا حقيقة المؤسسة الإسرائيلية وطبيعة الصراع الذي تديره ضد الشعب الفلسطيني، هذه المعركة كان لها دور كبير في بناء العقل الجمعي لعرب الداخل وفضح المؤسسة الاسرائيلية وجرائمها، الأمر الذي دفع بعض الكُتّاب الإسرائيليين إلى الكتابة أن عداء عرب الداخل للدولة ليس مقتصرًا على القدامى، بل إننا أمام جيل أكثر شبابًا وأكثر ثقافةً، مقاومته للدولة جزء من هويته، وأن هذا الجيل قادر على إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية وأن الروح الجماعية للشعب اليهودي قد اهتزت.

خامسًا: بات واضحًا من الأحداث الاخيرة ان الداخل الفلسطيني بحاجة إلى بناء مجتمع يعتمد على الذات، وهذا لن يتأتى في غياب الجامعة الوطنية التي يمكن أن ترعى هذا المشروع، فلجنة المتابعة في حالتها الراهنة لا يمكنها أن تكون عنوانًا لأي مشروع عصامي، في ظل حالة الترهل الذي يعتريها ليس فقط بسبب عدم انتخابها بشكل مباشر من الجماهير ولكن بسبب وجود أحزاب فيها ترى بالمشروع الصهيوني سقفًا أعلى لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى