أخبار رئيسية إضافيةأخبار وتقاريرعرب ودوليومضات

مقبرة الأطفال.. نموذج “الإبادة الثقافية” في كندا

تحطمت النظرة العالمية لكندا باعتبارها دولة جميلة جيدة السمعة، يسكنها أناس مهذبون، خاصة بعد اكتشاف قرابة ألف قبر مطموس الهوية لأطفال من السكان الأصليين (الشعوب الأولى).

ويشير مصطلح “الشعوب الأولى” إلى 600 قبيلة من السكان الأصليين سكنت كندا قبل وصول المستوطنين الأوروبيين.

وتضم هذه القبائل جماعتي “كاملوبس سويبمك” و”أمة كاويسيس”، وتقطن المجموعات التابعة لولايات بلاكفوت المتحدة في السهول الكبرى بولاية مونتانا والمقاطعات والأقاليم الكندية في ألبرتا وكولومبيا البريطانية وساسكاتشوان.

التحق الأطفال بالمدارس السكنية الهندية التي تديرها الكنيسة منذ عشرينيات القرن التاسع عشر، حيث حاولت الحكومة حينها القضاء على جميع جوانب ثقافات السكان الأصليين واستبدالها بما جلبه الأوروبيون البيض الوافدون إلى كندا.

كان السير جون إيه ماكدونالد، المولود في اسكتلندا، وأحد أفراد عائلة مهاجرة وصلت إلى كندا عام 1820، أول رئيس وزراء للبلاد دعم بحماسة المدارس الداخلية.

وقال ماكدونالد عام 1879، في كلمة أمام مجلس العموم الكندي، “عندما تكون المدرسة متحفظة، ويعيش الطفل مع والديه المتوحشين، قد يتعلم القراءة والكتابة، إلا أن عاداته وطريقة تدريبه على التفكير تظل هندية، لذا يجب إبعاد الأطفال قدر الإمكان عن تأثير الوالدين”.

ومنذ عشرينيات القرن التاسع عشر وحتى إغلاق آخر 139 مدرسة داخلية هندية، أُخذ حوالي 150 ألف طفل من أبناء السكان الأصليين من آبائهم، بالقوة أحيانا، ووُضعوا في المدارس، حيث عانوا الاعتداء الجسدي والنفسي والجنسي. وفي إهانة أخيرة، دفنوا في قبور لا تحمل أسماء، بعد أن ماتوا من المرض وسوء التغذية.

وتشير التقديرات أن أربعة آلاف طفل ماتوا في تلك المدارس، مع وجود ناجين ما زالوا يعيشون صدمة المدارس الداخلية.

نهاية مايو/ أيار الماضي، قالت “كاملوبس سويبمك”، إحدى جماعات الشعوب الأولى، إن الرادار المخترق للأرض كشف عن 215 قبرا غير معروف بمدينة كاملوبس، في مقاطعة كولومبيا البريطانية.

وأواخر يونيو/ حزيران الماضي، اكتشفت “أمة كاويسيس” 751 قبرا دون أسماء في مقاطعة ساسكاتشوان، وسط البلاد.

وكشفت الحادثة للكنديين المصدومين عن الماضي “سيئ السمعة”، الذين لم يكن لدى الكثير منهم أي فكرة عن وجود مدارس داخلية.

وعلق رئيس الوزراء جاستن ترودو، على الحادثة قائلا إن “النظام أدى إلى إبادة ثقافية”، فيما وصفها بوبي كاميرون، رئيس اتحاد الشعوب الأصلية ذات السيادة، بأنها “جريمة ضد الإنسانية”.

علما أنه لم يتم توجيه اتهام إلى أي شخص حتى الآن، وما زال البحث جاريا عن مزيد من القبور.

وفي حديث للأناضول، قال المستشار جوناثان ليرات، زعيم جماعة “أمة كاويسيس”، إن الوقت قد حان “لمواجهة الحقيقة” بشأن “الماضي القذر للمدارس”.

وأضاف: “كنا نعلم دائما أن هناك المزيد للكشف عنه، خاصة أنه تم تناقل قصص المدفونين في المقبرة من جيل إلى جيل. إلى جانب القليل جدا من السجلات المكتوبة التي حصلنا عليها من الكنيسة الكاثوليكية”.

وأوضح: “لذلك اعتمدنا على الآباء والأجداد لنقل هذا التاريخ. كما علمنا أيضا أنه تم بناء أشياء مختلفة على مر السنين فوق أراض كانت جزءا من المقبرة”.

وفي إجابته عن سؤال حول إمكانية العثور على قبور أخرى لا تحمل أسماء، قال ليرات: “لا يمكننا التحدث بشكل قاطع عن كيفية استمرار عمليات البحث، ولكن نأمل أن يكون التمويل متاحا للقيام بهذا العمل المصيري”.

وأكد أن الحادثة أعادت ذكريات مؤلمة لكثيرين فقدوا زملاء الدراسة واضطروا إلى دفنهم، وأخرى لانتهاكات تعرضوا لها، مضيفا: “كان الأمر صعبا، لكننا شعب قوي جدا، وكما كنا نفعل قبل أن يعلم العالم بهذا الأمر، سنستمر في التعافي يوما بعد يوم”.

وفي إشارة إلى مسألة معاقبة المجرمين، قال ليرات: “لست متأكدًا مما يمكن فعله بشأن الماضي، لكنني أعلم أن لدينا فرصة الآن لمواجهة الحقيقة، رغم صعوبتها، واتخاذ خطوات ذات مغزى نحو المصالحة”.

وبخصوص إمكانية إلغاء الاحتفال بيوم كندا، الذي يقام مطلع يوليو/ تموز سنويا، أوضح ليرات أن هناك مساحة للاحتفال بحب هذا البلد، مع الأخذ بالحسبان تاريخ كندا الغني وإسهاماتها التي تدعو للفخر، مضيفا أن كندا “موطننا ونحن نحب بلدنا”.

وبشأن عملية تصحيح كتب التاريخ التي تجاهلت هذا الرعب من المدارس الداخلية، أشار أن قلة المعرفة تؤدي إلى نقص في الفهم، وتعزز فجوات التسامح والقدرة على بناء علاقات مع الآخرين، داعيا إلى مزيد من التنوع في المناهج التعليمية قائلا: “التاريخ الذي لا تعرفه، هو التاريخ الذي من المرجح أن يتكرر”.

وختم ليرات، بالتأكيد أنه كي تستمر رحلة التعافي للسكان الأصليين، “نحتاج إلى معالجة قضايا العصر الحديث الناشئة عن الصدامات بين الأجيال”، مشددا على ضرورة الوفاء بالالتزامات المتجددة التي قطعها قادة البلد لدعم مجتمعات السكان الأصليين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى