أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الصهيونية الدينية والمجتمع العربي في الداخل الفلسطيني

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

توطئة عامة…

في عام 2007 نشرت صحيفة معاريف (13/3/2007)، خبرا عن اجتماع بين رئيس جهاز الشاباك حينها، يوفال ديسكين، ورئيس الحكومة، آنذاك إيهود أولمرت. وكان عنوان الخبر ملفتا ومثيرا جاء فيه: “تطرف خطير بين العرب في إسرائيل”، وفي سياق الخبر، أن المخابرات العامة قلقة من منسوب التطرف بين العرب والمثقفين منهم والذي يتحدث عن رفض يهودية الدولة وفي العديد من التصريحات للشخصيات الأمنية التي انهت وظيفتها الرسمية في الشاباك كان التأكيد على أنّ جهاز الامن العام من أولوياته الحفاظ على يهودية الدولة وديموقراطيتها ومنع من يتعرض لهذه القاعدة.

في عام 2018 عقد المركز الإسرائيلي للديموقراطية، ندوة شارك فيها لفيف من الخبراء وعلماء السياسة الإسرائيليين من العاملين في المعهد وخارجه، وتناولت الندوة مجموعة من القضايا ذات الصلة بالتيار الديني الصهيوني المتعدد الوجهات والنظرات والمدارس، وطُرح سؤال مركزي عن مدى إمكانية ان يتولى واحد من أبناء هذا التيار رئاسة الحكومة في إسرائيل، على اعتبار ان أثرهم النوعي في المؤسسة والمجتمع الإسرائيلي يفوق كثيرا أثرهم الكمي، فهم يشكلون من 12-15% من المجتمع الإسرائيلي وفقا لاستطلاعات تلكم السنة، بينما وجودهم في مرافق الدولة والمؤسسات أكبر بكثير من هذه النسبة، سواء في الاكاديميا، الجيش، وأجهزة الأمن، وسلك القضاء ومختلف الوزارات.

يهودية الدولة وتقديم اليهودية على الديموقراطية، هي الحاضر الغائب في الحوارات الإسرائيلية الداخلية، وهي المُعلل الأكثر إثارة للجدل القائم في مكونات المجتمع الإسرائيلي بشقيه العلماني والديني، على اعتبار تفسير معنى اليهودي ومن هو اليهودي وعن أي يهودية نتحدث ومن هي اليهودية التي يمكن ان تكون شريكا في الحكم وكيف ستحكم. لكنْ ثمة اتفاق بين كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي السياسي والمدني، أنّ الأحزاب والحركات الدينية بغض النظر عن أيديولوجيتها الدينية هي حركات شرعية لها الحق في العمل السياسي والمشاركة في الحكم ولعل ظاهرة بن جفير تبين بعضا مما أذهب إليه.

شكّل اختيار نفتالي بنيت نقطة تُضاف إلى الصهيونية الدينية في طريقها نحو السيطرة على مرافق الحياة في المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية، بيد أنَّ وصول بنيت الى الحكم لم يكن عن طريق هذه المجموعة، فحركته يمينا هي حركة دينية صهيونية علمانية وفي مجرد وجودها تحد لحزب الليكود الذي اتخذ منذ تأسيسه الدين تكأة لتحقيق أهدافه السياسية واتخذ من الشرقيين خزانا انتخابيا له.

في هذه المقالة وغيرها من المقالات، سأحاول تلمس تطور الصهيونية الدينية ومدى تأثيراتها المستقبلية على الداخل الفلسطيني، في مسعى لبيان بعض من الأيديولوجيات الناظمة لهذه العلاقة، ولقد شكّل رفض سموتريتش- بن جفير المشاركة في حكومة مع نتنياهو، يكون الداعم فيها ولو خارجيا حزب عربي (القائمة العربية الموحدة) معلما إضافيا الى رفض اليمين الديني الصهيوني، العرب داخل المنظومة السياسية، ومجرد وجودهم في الكنيست هو بيان وتأكيد على الديموقراطية الإسرائيلية، وهذا بحد ذاته كثير عليهم باعتبار أنهم اشباه مواطنين، وفقا للعقلية الناظمة لهذا التيار ومن يقف خلفه من الحاخامات.

في 7/5/2002 نشر موقع “واي نت” خبرا عن إرسال مجموعة من طلاب المعاهد الدينية رسالة الى جنود الاحتياط، يدعونهم فيها لقتل أكبر عدد ممكن من العرب، وكان عنوان الخبر: “الجندي الغالي: لي طلب أن تقتل الكثير من العرب”. هؤلاء الطلاب اليوم هم قادة التيار الديني الصهيوني ووفقا لهذه العقلية، فالعربي أي كان مستباح باعتباره شيئا وليس هذا فحسب، فهذا الشيء الذي من المفترض وفقا لهذه العقلية أن يكون غير مرئي “شفاف” يخلق تحد مستمر في العلاقات مع الأرض والمسكن والوجود، ويلاحظ أن المؤسسة الإسرائيلية منذ عام 2000 فصاعدا تعاونت مع هذا التيار لغزو المناطق العربية، للحيلولة دون تطور مديني عربي، خاصة في المدن الساحلية، وتشكل على سبيل المثال لا الحصر مدينة اللد عينة لهذا الغزو، باعتبار أن ما يقومون به هو نوع من أنواع الخلاص: خلاص الأرض وتحريرها من المحتل العربي.

ثمة حاجة تاريخية لفهم التحولات التي جرت داخل هذا التيار على الصعيدين السياسي والايديولوجي لنصل إلى هذه المرحلة، مرحلة الشراكة المباشرة في الحكم ذلكم أنَّ ما نحن بصدده اليوم هو ميراث للحركتين الدينيتين الصهيونيتين همزراحي التي انتسب إليها اليهود من ذوي الميول المتدينة من أبناء المدن اليهودية من الاشكناز وممن حسبوا على الطبقة البرجوازية، وحركة هبوعيل همزراحي التي كان عمودها الفقري بني عقيبا وحملت افكارا اشتراكية زاوجتها مع اليهودية وآمنت بالعدالة الاجتماعية وشكّلت الأغلبية الكبرى من اليهودية الصهيونية المتدينة في فترة الييشوف والعقد الأول من عمر هذه الدولة، ويُلاحظ أن عددا من مفكري هذا التيار اعتبروا أنفسهم التجلي الحقيقي لليهودية، وأنّ الصهيونية العلمانية هي جانب تقدمي لليهودية بمفهوم العلاقة الفلسفية مع اللاهوت الغربي، ومباشرة بعد قيام الدولة، دخل هذا التيار بشقيه في أزمة أيديولوجية من حيث العلاقة بين الصهيونية واليهودية، وقد وجد هذا التيار الحل في قومنة الدين وتديين القومية وشيئا فشيئا حلَّت محل الصهيونية (بسياقاتها العلمانية) القومية التي أسست لوجود الدينية الوطنية التي نادت بقيم حب الأرض والوطن والتفاني من أجله ومن أجل خلاصه واستيطانه. ومن ثَم فقد اخذت الصهيونية الدينية على عاتقها مهمة الاستيطان في كل ارض صهيون، منطلقة من قناعات أن هذه المهمة، مهمة الاستيطان والتوطن، لن يقوم بها غيرهم من اليهود، ولذلك تحوّلت قضية الاستيطان وحماية “الأرض” إلى مهمة وشعار لازم هذا التيار. والملفت تاريخيا أنه مع هذه الازاحات الأيديولوجية لهذا التيار الذي اتسم بالاعتدال السياسي في فترة الييشوف، تخلى شيئا فشيئا عن برنامجه الاشتراكي-المجتمعي لصالح برجوازية رأسمالية يمينية في تصوراتها الاقتصادية.

يكتب كل من موشيه هلينجر ويتسحاق هريسغوفيتش في كتابهما: “الطاعة والعصيان تعريفها وتصويرها لذاتها وما يصورها به الاعلام هائل وكبير، ففي حين تصور نفسها على انها المجتهد الساعي لخلاص الأرض والوطن وخلاص شعب إسرائيل وأرض إسرائيل ودولة إسرائيل يراها عدد كبير من الإعلاميين والباحثين والساسة مجرد جماعة متطرفة تهدد اعمالها بخراب إسرائيل ويرون أن هدف الدينية الصهيونية تحويل اسرائيل إلى دولة ابرتهايد دينية معزولة عن الدول الغربية والمتقدمة، وسر هذا الخلاف في التصورات ينبع من صراع الصهيونية الدينية على مبدأ الاستيطان على كل ارض إسرائيل التاريخية: الضفة الغربية، قطاع غزة، سيناء، الجولان، إذ يعتقد منظرو التيار الديني الصهيوني، أن الاستيطان في هذه المناطق حق أخلاقي وديني ووطني في وقت يراه الآخرون خطرا يهدد مستقبل إسرائيل ليس في توجهاته فحسب بل وبطريقة ادارتهم لهذا الطرح”.

عمليا، الصهيونية الدينية تنفذ ببطء هذه السياسات، سياسات الاستيطان في كل البلدان، ومن نافلة القول الإشارة الى ما يفعلونه في النقب، وهم إذ ينفذون هذه السياسات فإنها تتم تحت حماية الدولة بأجهزتها الأمنية والشرطية والعسكرية، ما يعني أنّ هذا التيار نجح في تمرير سياساته وطروحاته وتبنتها الاطراف الحاكمة منذ عام 1967 والى يومنا هذا، إذ العمل والليكود ومختلف المكونات التي حكمت تتفق من حيث المبدأ على الاستيطان والتهويد، لكنها تختلف في التفاصيل، وعادة ما يكمن الشيطان في التفاصيل. ومع ذلك فهذا التيار يدافع داخليا أزمات في هويته السياسية-الدينية سواء من حيث العلاقة بين اليهودية كدين والحكم الديموقراطي وأيهما يستوجب التقديم، أو حول هويتهم الحيزية المجتمعية برسم انهم جماعات متقاربة تعيش معا وتتعاطى شؤونها في داخلها بمعزل عن الآخر الإسرائيلي، أي انها تعيش هوية داخلية بأبعاد جغرافية أو بانفتاحها على الآخر العلماني وهو ما قام به نفتالي بينت الذي ادخل الصهيونية الدينية إلى تحديات قد تفتح لهم آفاقا مستقبلية تؤسس فعلا لسيطرة شبه كاملة على الحيز العام الإسرائيلي.

مياه كثيرة جرت في مسيرة هذا التيار الذي اتسعت رقعته لطيف كبير من المدارس والأفكار من صهيونية دينية ليبرالية، إلى صهيونية دينية حاريدية متشددة، وكل هذا الطيف له مواقفه الفكرية- العقدية، ومن ثم العملية من “الجوي” وخاصة من العربي المسلم الذي ساكن هذه البلاد الذي هم في تماس يومي معه، سواء في الضفة الغربية أو القدس أو الداخل الفلسطيني وتتشابك مناطق التماس وفقا للأحداث والمعطيات، ولعلنا في السنوات الأخيرة نشهد ارتفاعا مضطردا في هذا التماس كان آخره ما نحن في صدده اليوم من تداعيات مستمرة لهبة الكرامة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى