أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

المحــــدد الإعلامي في معركة سيف القدس وحماية الأسوار

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

لا تزال تداعيات معركة سيف القدس وحماية الاسوار مستمرة وتشي بمضاعفات حادة في المرحلة المقبلة، قد تؤدي الى انهيار كافة مساعي وقف إطلاق النار والمفاوضات المترتبة على وقف إطلاق النار، خاصة في ظل محاولات نتنياهو وحزبه إشعال المنطقة مجددا، عبر أدواته من التيار الديني الحاريدي- الصهيوني المتشدد، المتمثل ببن غفير ومن يدور في فلكه من الجمعيات والهيئات والمنظمات ذات الطابع الإرهابي، الذي وصلت خطورته أن يخرج رئيس جهاز الشاباك محذرا من احتمالية وقوع قتل سياسي في إسرائيل.

التداعيات المجتمعية التي ترتبت بُعيد هذه الحرب ومدافعات السياسة والسياسيين في تشكيل حكومة لبيد- بينيت وهبوط مستويات الخطاب الإعلامي إلى الدرك الأسفل، هذا الخطاب في بعض جزئياته يعبر عن تضاعيف وتداعيات هذه الحرب على المجتمع الإسرائيلي بكل مكوناته بعدئذ بات واضحا للإسرائيليين أن من يتحمل سبب هذه الجولة ذات الطابع التدميري الذي فاجئهم، هو نتنياهو والتيار الديني- الحاريدي- الصهيوني المتشدد، والذي لا يزال يزايد (من المزايدة) على الإسرائيليين بعد أن تأكد له حالة “الغيبية” التي يمرُّ بها معظمُ الإسرائيليين بسبب أحادية رؤيتهم الإعلامية واستقائهم المعلومات من مصدر واحد ووحيد ممثل بالإعلام الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي.

هذه الجولة العسكرية بين المقاومة والاحتلال تميزت بثلاثة مميزات، المفاجأة في الهجوم إذ لأول مرة في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية يقوم بالمبادأة بالحرب طرف عربي- في هذه الحالة المقاومة- وتكون صواريخه في رشقاتها الأولى موجهة الى قلب مدينة القدس، مما حمل رسائل أكثر من سياسية. في تصوري أنَّ المؤسسة الإسرائيلية غير السياسية فهمتها جيدا وتتعاطى معها بقدر كبير من المسؤولية على الرغم من ردة الفعل التدميرية الهائلة التي زاولتها آلة الحرب الإسرائيلية، وتبين أنَّ القطاع بمختلف مكوناته تحملها وهو أن الردع المتوقع من مثل هذا العملية فُقِدَ تماما وهذا الذي دفع المؤسسة الإسرائيلية في مفاوضاتها مع المقاومة عبر الوسيط المصري الى وضع اشتراطات كثيرة، وكانت الميزة الثانية في هذه الجولة استعمال الطرفين للعامل غير البشري، سواء الطائرات من دون طيار والطائرات المقاتلة كما الحالة الإسرائيلية أو الصواريخ والتي تجاوزت اكثر من 4000 صاروخ خلال مدة هذه الحرب، التي استمرت أحد عشر يوما، وأيضا اتضح أن مؤثرات هذا النوع من الحرب وفقا لبعض الدراسات كانت في دائرة الممكن استيعابها على مستوى المجتمع الإسرائيلي، مع ملاحظات جوهرية تعلقت بإخلاء السكان من بيوتهم إلى أماكن الحماية عند سقوط الصواريخ، وهو ما ترك آثارا نفسية (راجع مباط عال عدد رقم 1476)، وأمّا الميزة الثالثة لهذه الحرب، فكان البُعدين السايبري بشقيه المدني وغير المدني، وفي هذا الموضوع تحديدا برز الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث التصوير والبث المباشر الذي اطّلع عليه مئات الملايين من البشر، وهو ما حرّك المنظمات المدنية والإنسانية والحقوقية وحرك العديد من السياسيين للضغط على حكوماتهم كما حدث في الولايات المتحدة، ولقد اعترفت أطراف إسرائيلية انهم فشلوا في هذا الباب، وتعرت المظلومية اليهودية تماما في هذه الحرب، وشكّلت الصور المنقولة لآلاف النازحين والبيوت والعمارات التي تدمر بالبث المباشر، صورة سلبية حول إسرائيل ليس في السياق الإنساني بل في سياقات ضرورة إحقاق الحق الفلسطيني قانونيا وسياسيا.

لقد كان الإعلام الإسرائيلي متماهيا بالمطلق مع الحرب الإسرائيلية، وبررها وناكف وواجه كل من اعترض عليها وشنَّ حملة شعواء على الفلسطينيين والداخل الفلسطيني خصوصا، بل وقسّم نتنياهو أبناء الداخل الفلسطيني الى معتدلين وداعمين للإرهاب بحيث صار كل من يناصر المقاومة وحقها في الدفاع عن القدس والاقصى والحياة الكريمة، إرهابيا ومعاديا للدولة، واخفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن شعبها جرائمها التي ارتكبت بحق العُزَل والمدنيين، لكنَّ استطلاعات الراي التي أجريت بعد انتهاء الحرب تبين لنا تماهيا من المجتمع الإسرائيلي مع ما فعله الجيش في القطاع من تدمير للبنية التحتية وقتل للمدنيين، وهو ما يؤكد تأثير الإعلام البروبغاندي الإسرائيلي على عموم الإسرائيليين وأنهم مرتهنون لإعلامهم الذي كشفت الأحداث حجم هبوطه والتزييف المُمارس على مواطنيهم.

ثمة بُعد رابع يشكل نقطة فارقة في هذه الحرب تتخوف منه إسرائيل وأنظمة الاستبداد العربي، بما فيهم تلكم الدول التي أبرمت اتفاقيات سلام معها في عصر ترامب، وهذا البعد تجلى في الالتفاف الفلسطيني حول المقاومة ونصرتها عاطفيا ووجدانيا وكذلك الأمتين العربية والإسلامية، وتعدى ذلك إلى شعوب كثيرة في العالم، مما يعني إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة القضايا الكونية التي لما تُحَلُ بعد من جهة، وإلى كي وعي الشعوب، خاصة تلكم المجموعات التي لطالما ناصرت إسرائيل، بزعم أنها محاطة بعالم عربي معاد، فإذا بالشعب الفلسطيني محاط بأنظمة عربية وغربية متواطئة ومعادية ليس فقط لحقوقه السياسية بل ولمجرد حقه في الحياة بكرامة.

 

فشل نظرية السحق

تعتمد العسكرية الإسرائيلية نظرية السحق، التي جاء بها قائد هيئة الأركان بعد أن نفذها في مخيم جنين للاجئين في المعركة التاريخية المشهورة بين المقاومين والجيش، إبان الانتفاضة الثانية، وقد قام آنذاك كوخافي بتدمير البيوت واختراقها للوصول الى المقاومين وترك المخيم قاعا صفصفا، ومنذ ذلك التاريخ تستعمل إسرائيل هذه الطريقة كأداة تأديب، هذا ما فعلته في الضاحية في لبنان، في التعامل مع الخصم، إذ تستعمل كافة قوتها لتدميره وتكبيده أكبر قدر ممكن من الخسائر، وعادة ما تُركز على المدى البشري المدني وتكبيده خسائر فادحة لخلق حالة من الغضب بين هذا القطاع تؤسس مستقبلا لمراكمات من الكراهية والاستعداد النفسي والعملياتي للتخلص من هذه “المقاومة ” وتتم عملية ضخ اعلامي هائل بهذا الصدد يتولى كِبرها الاعلام العربي الموالي لإسرائيل، وتركز على البنى التحتية وتدميرها لتكبد المقاومة خسائر هائلة تدفعها إلى الانشغال بإعادة البناء عدد سنين، وهو ما سيقوض أركانها ويحيلها من مقاومة مسلحة إلى دائرة خدماتية، ويعزز هذا التوجه الحصار المستمر من أطراف عربية ودولية والاحتلال وبمشاركة من سلطة رام الله، وفقا لوتيرة العلاقة مع القطاع في ظل مقاربات دولية كما حصل مثلا في عهد ترامب.

في هذا السياق، يراهن الاحتلال على عامل الزمن مع دمج لمصالحه الاقتصادية المُعززة لإحكام سيطرته على القطاع، ليس فقط عبر النوافذ التي يفتحها ويغلقها والتي تسمى حواجز، بل وعبر نوعية الأغذية التي يقدمها للغزيين، وهذه السياسات رغم انها فشلت أكثر من مرة، إلا أن الاحتلال لا يزال يمارسها متمنيا أن تتحقق يوما نظريته القائلة إنَّ مزيدا من الضغط يعني مزيدا من التفكك.

 

معركة السايبر

بين حماس والاحتلال حربا دامية تدور رحاها في عالم الفضاء السيبري، حيث الحرب الالكترونية وقد كشف الاعلام في السنوات الأخيرة بعضا من معالم هذه الحرب التي يروح ضحاياه جنود مجهولون لا يعلم الاعلام التقليدي من أمرهم شيئا الا بمقدار ما يسمح النشر عنهم.

هذه الحرب كالتي سبقتها من جولات، كان للحرب الإلكترونية دور كبير لمَّا تتجلى معالمه بعدُ، وصار من نافلة القول الإشارة الى مثل هذه الحرب التي كان من نتائجها اختراقات المنظومات الأمنية لدى الجانبين. في عام 2018 كشف الجيش الإسرائيلي عن بعض من جوانب الحرب السايبرانية حيث شنت حماس حملات حسابات مزورة عبر شبكات التواصل هدفت إلى التحكم في هواتف الجنود، فكيف هي حال الحرب السايبرانية في عام 2021، وكان مصدر أمني إسرائيلي قد صرح أن القوى المعادية لإسرائيل تملك قدرات تقنية تمنحها القوة على شيطنة إسرائيل عالميا، معتبرا أن التفكير في مثل هذا الامر ضرب من الجنون، واعتبر العديد من محللي الامن السايبراني أن حربا بين المقاومة إسرائيل في الحقل السيبراني سيدفع إسرائيل لدفع تكاليف جد باهظة.

 

شيء “ما” حدث في هذه الحرب..

في هذه الحرب حدثت قبيلها ومعها وبعدها، أمور تنم عن تحولات جارية ويبدو أنها ستتعزز مستقبلا في فلسطين التاريخية، التي باتت تضم إسرائيل والقدس والضفة الغربية والقطاع، ولعل ابرز هذه الأمور حالة الاصطفاف في الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ففي حين حدث لأول مرة تلاحم فلسطيني عابر للوطن المقسم وللشتات، حدث ما هو مماثل في المجتمع الإسرائيلي ولعب الاعلام دورا أساسا في هذه العملية، وتجلت ثانيا معالم تعاظم الدين كموروث وحضارة لدى المجموعتين، كل على طريقته، كما أن الطرفين مجتمعيا فقدا إمكانيات الاحتجاج على السياسات التي يخطها القادة في الطرفين مع تفهم شديد لاختلاف الحالتين. في السياق الإسرائيلي، لا شيء يعلو فوق صوت المعركة، وفي السياق الفلسطيني لا كلمة تعلو فوق كلمة المقاومة، وفي كلا الحالتين ثمة من عمل على قطف ثمار الحرب وتحويلها لمنجز سياسي، مع اختلاف في تطورات الحالتين، فالمقاومة اليوم تعززت مكانتها في الشارع الفلسطيني والعربي وإن حدثت شقوق تتعلق بمواقف بعض قادة المقاومة وتصريحاتهم في الملفين اليمني والسوري، وسعى الساسة في إسرائيل كلُّ وفقا لرؤيته لتجيير منجز المعركة كما يرونه لصالحهم، وفي كل ما ذكرت كان لوسائل التواصل الاجتماعي الدور الكبير في هذه التحولات والتطورات.

 

خاتمة..

كشفت هذه الحرب عن عمق الدور الإعلامي التقليدي وغير التقليدي، وثبت أن السرعة لها الدور الأساس في حسم المعركة، فقد كان نقل المعلومات والبث المباشر والحي بالصوت والصورة، له أقوى الأثر وجدانيا وبشريا، ولأول مرة تتناول وسائل اعلام وازنة إسرائيل كدولة فاشية محتلة، ولأول مرة في تاريخ الحروب الما بعد سايبرانية تلعب المعلومة دورا كبيرا فاق البندقية وكافة أنواع الحرب التقليدية. الإعلام بكل انواعه كان جزءا أساس في هذه المعركة وكلا الجانبين استفاد من الخبرات كل على طريقته، بيد أن الاحتلال خسر كافة أوراقه في المواجهة الإعلامية بفضل الاعلام السيبراني، وبفضل نجاح الأجيال الشابة باستثمار أدوات التواصل والتحكم ببعضها كما حدث مع شركة فيسبوك ليتم تدويل الصراع.

ولأول مرة ينتقل الصراع الى البعد الفضائي العام، لتكون أدواته هي عين أدوات التواصل الاجتماعي “المدني”، وبذلك اختلط المدني مع العسكري في معركة باتت معالمها المستقبلية وكيف ستكون متوقعة لدى الطرفين، ويلعب الاعلام التقليدي وما بعد التقليدي دورا أساس في تخليق هويات جديدة مرتبطة بهذه الحرب، يلعب فيها المُقدس دورا مركزيا يؤسس لمعركة قادمة ستكون أشد فتكا وبؤسا من هذه التي مضت.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى