مقالاتومضات

باب العامود في القدس… معلم معماري يشهد على هوية المدينة

 

يوسف فوزي كنانة

حفل تاريخنا العربي والفلسطيني بكثير من المعارك الفاصلة، التي غيّرت مجرى الأحداث على الساحتين العربية والفلسطينية وحتى العالمية، وغيّرت خارطة العالم العربي وتبعيته السياسية والاجتماعية. ومن تلك المعارك الفاصلة كانت معركة مرج دابق 1516م/ 922 هجري، والتي دارت رحاها بين المماليك (الذين كانوا قد بسطوا سيطرتهم على المنطقة سنة 1560 م بعد دحرهم للمغول في معركة عين جالوت، وعلى الصليبيين في سلسلة انتصارات عسكرية كانت آخرها معركة عكا 1292)، وبين الجيش العثماني، بقيادة السلطان سليم الأول، فكان النصر فيها حليف العثمانيين، فكانت هذه المعركة، وما أعقبها من معارك- معركة جلجولية ومعركة خانيونس 1517، قد رسمت الخارطة السياسية الجديدة للمنطقة عامة ولفلسطين خاصة، إذ طويت صفحة الحقبة المملوكية في المنطقة ودخول المنطقة ومن جعبتها فلسطين إلى حقبة الحكم العثماني.

 

السلطان سليمان القانوني يجدد بناء سور القدس

تشير الوثائق التاريخية الموثوقة والمعتمدة، إلى أن العثمانيين ومنذ أن آل إليهم الأمر في القدس، فقد أولوا لها اهتماما عظيما فاق كل الحقب، وخاصة في فترة حكم السلطان سليمان القانوني، أو الكبير، ابن السلطان الفاتح سليم الأول، والذي أمر بتجديد بناء سور القدس، والذي من شأنه تعزيز أمن المدينة، والتي بقيت من دون سور قرابة ثلاثة قرون، وفي غضون أربع سنوات، تم إنجاز بناء هذا الصرح الهندسي والتحفة العمرانية، الذي أحاط بالمدينة من جهاتها الأربع.

تميّز بناء سور القدس، بكونه شُيّد بصورة محكمة على ارتفاع يتراوح ما بين 12 إلى 15 مترا، وعلى طول 4 كم تقريبا، وبسمك 3 أمتار، ومن أجل إتمام هذا العمل، جنّد السلطان أموالا طائلة تقدر بثلاثمئة ألف قطعة ذهبية تركية، وجلب كبار المهندسين والحرفيين، واستقدمهم من القاهرة، وحلب، وإسطنبول، وغيرها.

تميز السور بكونه صمم ليكون فنا في العمارة العسكرية الدفاعية، من حيث طريقة الحراسة والمراقبة، ووجدت فيه طاقات يصب منها الزيت المغلي لدفع الأعداء، وفيه فتحات صغيرة لرمي السهام، وله 34 برجا، وقد شمل السور 11 بابا منها 7 مفتوحة، وهي: باب الاسباط، وباب حطة، وباب العتم، وباب المغاربة، وباب الغوانمة، وباب الناظر، وباب الحديد، وباب المطهرة، وباب القطانين، وباب السلسلة. أمّا المغلقة فهي: الباب الثلاثي، والباب المزدوج، والباب المفرد، وباب الرحمة، وباب الجنائز.  تميزت جميع هذه الأبواب بدقة الصنعة والجمال، وإن فاق بعصها البعض الآخر، شهرة ومكانة.

 

باب العامود

إنه أجمل الأبواب في سور مدينة القدس وأكثرها ثراء من ناحية معمارية وزخرفية، علاوة على حجمه ومساحته الكبيرة، حيث تتميز واجهته الشمالية بالضخامة، فتمتد ما يقرب من 42 مترا، وترتفع بمقدار 16م وثمانين سم، حتى بداية شرفات السور العلوية، وتتكون الواجهة الشمالية من برجين كبيرين، يحدان داخله، يبلغ طولها مترين وتتراجع هذه الدخلة من جهتي الغرب والشرق ويتوسطهما فتحة باب الدخول، ويبلغ تراجع الدخلة من جهة الغرب 15,6 م. في حين يبلغ تراجعها في جهة الشرق حوالي 27,6 م، وكلا التراجعين على زاوية منفرجة مقدارها 110 درجة. ويعلو فتحة الباب عتب حجري ويقوم فوق العتب مباشرة عقد مستقيم يدعم لوحة حجرية مستطيلة نقش بها سطران من الكتابة البارزة بخط النسخ العثماني، ونص الكتابة: (أمر بإنشاء هذا السور المبارك مولانا السلطان الأعظم والخاقان المكرم سلطان الروم والعرب والعجم سليمان خان خلد الله ملكه وسلطانه في سنة اربع وأربعين وتسعمائة)، ويتوّج هذا المدخل عقد مذبذب يزينه صفان من حلية نباتية قوامها ورقة خماسية البتلات، ويؤطر العقد شريط من نخيلات متراصة، ويحيط بعقد المدخل مجموعة فريدة من الدوائر الحجرية، ذات زخارف نباتية وهندسية ضمت مجموعة من المزاغل لرمي السهام والبارود ولإتاحة الفرصة للمراقبة، ونظمت سقاطات ما بين عقد الباب وصدره تسمح بإلقاء المواد التي تعمل على إعاقة الاقتحام. يعود مصدر الاسم باب العامود، نسبة إلى عامود من الرخام الأسود الذي يبلغ ارتفاعه أربعة عشر مترا، كان قد وضع في الساحة الداخلية للباب في الفترة الرومانية والبيزنطية، يكتسب باب العامود أهميته، كونه يعتبر المدخل الرئيسي للمسجد الأقصى المبارك ولحائط البراق. يقع باب العامود في الجهة الشمالية من السور المحيط بالبلدة القديمة في القدس، عند بداية انحدار الوادي الذي يقطع البلدة القديمة من الشمال الى الجنوب، والذي يعرف بطريق باب الواد. وعرفت هذه الطريق في الفترة العثمانية والمملوكية، بالشارع السلطاني وطريق وادي الطواحين، وبالشارع الأعظم.

يمكن أن ننهي بأن باب العامود، إلى جانب كونه معلما معماريا ساحرا، فهو يشكل ساحة تحشد إليها دعاة رفض تهويد المدينة المقدسة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى