أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الأقصى ورمضان، إذا اجتمع شرف المكان وشرف الزمان

الشيخ كمال خطيب

لقد اختص الله سبحانه وتعالى أمكنة دون غيرها بالتكريم والتشريف، ومثلها فقد اختص سبحانه أزمنة دون غيرها، فليس أكرم ولا أشرف ولا أقدس منها. فلقد اختص الله سبحانه مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف لتكون هي أشرف البقاع على الأرض، وكيف لا ومكة فيها بني أول بيت لله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} آية 96 سورة آل عمران. وكيف لا والقدس فيها المسجد الأقصى المبارك {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} آية 1 سورة الإسراء. فمكة والمدينة والقدس بل كل فلسطين وكل الشام هي أماكن مشرفة، وكل المساجد في الأرض هي أماكن مباركة كذلك.

ومثل الأماكن المشرفة فإنها الأزمنة المشرفة، فشهر رمضان هو زمان مشرف، ويوم الجمعة هو زمان مشرف وأيام الحج هي أيام وأزمان مشرفة وغير ذلك من الأمثلة. ولذلك فقد تاقت نفوس الصالحين والصادقين لاغتنام هذه الأزمنة المشرفة للتقرب إلى الله تعالى فيها مثلما اغتنم الصادقون والمخلصون وجودهم في الأماكن المشرفة ليتقربوا إلى الله تعالى فيها، لا بل إنهم كانوا يسافرون إليها لينالوا شرف الإقامة أو المجاورة فيها، ويعظم الشرف وتتنزل البركة حينما يلتقي ويجتمع شرف الزمان وشرف المكان.

 

رمضان والمسجد الأقصى المبارك

ها نحن نعيش نفحات أيام مباركات هي أيام شهر رمضان المبارك حيث أنظار الأمة، بل الدنيا تتجه إلى القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، وتسارع الأحداث فيه في ظل التصعيد والاستفزاز الذي تمارسه المؤسسة الإسرائيلية الغاشمة بحق المصلين ورواد المسجد الأقصى المبارك، بينما يقابل ذلك التصعيد حالة الوهن والتآمر من قبل أنظمة عربية وإسلامية. وبين التصعيد الإسرائيلي والخذلان العربي الإسلامي الرسمي فإنهم المقدسيون ومعهم أبناء الداخل الفلسطيني خصوصًا وشعبنا الفلسطيني عمومًا يعيشون حالة شموخ وعزة وهم يدفعون ضريبة حبهم للمسجد الأقصى المبارك، ليصدق فيهم حديث النبي ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.

لقد هبّت نسائم العزة وعبق الشرف بأهل فلسطين وهم يعيشون نفحات مباركة امتزجت فيها قدسية المكان “المسجد الأقصى” بقدسية الزمان “شهر رمضان” لتتولد من ذلك حالة إيمانية روحانية ومعنوية لا يعرفها إلا من تذوقها.

إنهم أحرار القدس وإنهن حرائر القدس وأكنافها ممن عشقوا عبادة الرباط وشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك يتعبدون إلى الله سبحانه بمراغمة المحتل الغاصب الغاشم. إنهم يعلمون أن المحتل بلا أخلاق ولا قيم ولا يحتكم إلى ضمير ولا إلى قانون، فإنه يمكن أن يعرقل وصولهم وإذا وصلوا فيمكن أن يمنعهم من دخول المسجد الأقصى ويمكن أن يعتقلهم أو أن يعتدى عليهم، بل يمكن أن يقتلهم برصاصة وكل هذا حدث ويحدث ومع ذلك فإنه العشق والجاذبية وسحر التعلق بالقدس والمسجد الأقصى، يجعل كل هذا لا يحسب له حساب عند من شرّفهم الله بأن يكونوا من أكناف بيت المقدس.

إن معاني الشموخ والعزة والشهامة والرجولة والبطولة التي ترتسم على وجوه وفي مواقف المقدسيين رغم كل الذي ينزل بهم ليحتاج إلى كبار الدارسين والباحثين وعلماء النفس والاجتماع لدراسة هذه الحالة الإنسانية الفريدة والتي أجزم أنه لن يتم التوصل إلى أي تفسير علمي لها سوى أن ذلك يعود إلى بركة الزمان “رمضان” وبركة المكان “المسجد الأقصى”، حيث من هناك تكون إشعاعات وذبذبات وموجات معاني الخير التي تتفجر هذه الأيام في رجال بيت المقدس ونسائه، وما غباء هذا الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي يظن أن نظريته القائلة “ما لا يتحقق بالقوة فليتحقق بمزيد من القوة” إلا لأنه لا يعلم أو يجهل أن مقابل هذه النظرية فإن هناك نظرية فيزيائية أخرى تقول “إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه”.

إنني لا أتردد في القول إن ما يجري في القدس الشريف هذه الأيام في المسجد الأقصى بشكل خاص فإنه إعادة كتابة التاريخ من جديد، هذا التاريخ الذي يظنه قادة المشروع الصهيوني بغبائهم والذي قد بدأ منذ 73 سنة أنه تاريخ طويل، وما علموا أن إسرائيل هذه بهذا العمر فإنها ليست سوى قصة قصيرة كما قال “ناحوم برنياع” أحد جهابذة الصحافة الإسرائيلية، لا بل إن إسرائيل تعيش في الفصل الأخير من هذه القصة. نعم إن هوية المرحلة القادمة تبرز في هذا التمازج الرباني بين شرف الزمان وشرف المكان ليكون نتائج ذلك بداية فصل جديد من تاريخ شعبنا وأمتنا بإذن الله تعالى.

 

موسم الحج ومكة المكرمة

فمثلما أن أحداث القدس قد اجتمعت فيها شرف الزمان وشرف المكان فإن أحداثًا ستقع في مكة المكرمة في المسجد الحرام في موسم حج قادم مما ستكون له علاقة مباشرة بالقدس الشريف. إنها بيعة الإمام المهدي حفيد رسول الله ﷺ من ذرية فاطمة الزهراء الذي سيبايع له خلال موسم حج بين الركن والمقام من الكعبة المشرفة ليجتمع بذلك شرف المكان “المسجد الحرام” وشرف الزمان “موسم حج”.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: “لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وجورًا وعدوانًا ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وعدوانًا”. وعنه كذلك قال رسول الله ﷺ “أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا يرضى عنه ساكن السماء والأرض…. “. وعنه رضي الله عنه قال:” ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جورًا وظلمًا لا يجد المؤمن ملجأ يُلتجأ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلًا من عترتي فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن الأرض والسماء لا تدّخر الأرض من بذرها شيء إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيء إلا صبّه الله عليهم مدرارًا يمشي فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره”.

إنه بالتقاء شرف الزمان وشرف المكان ستكون بعثة الإمام المهدي الذي سيجد له بين أبناء الأمة أنصارًا يبايعونه وينصرونه ليبدأ مشوار التغيير بدءًا من بلاد الحجاز وصولًا إلى كل بلاد الشام، وانتهاء بالقدس الشريف التي سيتخذها عاصمة لخلافته الراشدة. فعن عبد الله بن زغب رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: “يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك”. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال الألباني حديث صحيح.

بل إن أحاديث كثيرة تشير إلى أن عيسى عليه السلام ينزل شرقي دمشق ويأتي إلى القدس وقد أقيمت صلاة الفجر، فيصلي المهدي إمامًا بعيسى عليه السلام وبالمسلمين ثم يعملان معًا في قتال الدجال ومن معه.

إنها إذن العلاقة المباركة جمعت بين مكة وبين القدس في زمان مبارك ومكان مبارك. وكما كانت رحلة الإسراء من مكة إلى القدس رحلة سماوية برسول الله ﷺ تم فيها تحديد هوية القدس التي كانت يومًا تحت الاحتلال الروماني فإن القدس بانتظار رحلة أرضية من مكة المكرمة يتقدمها حفيد رسول الله ﷺ محمد بن عبد الله المهدي سيتم فيها إعادة تحديد هوية القدس الشريف التي تقع تحت الاحتلال الصهيوني.

إن صمت وخذلان من يحكمون مكة المكرمة والمسجد الحرام حيث محمد بن سلمان وزبانيته للقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، مع أن مكة شقيقة القدس والمسجد الحرام هو شقيق المسجد الأقصى المبارك، إن هذا ليشير على أن ليست القدس ولا الأقصى بحاجة إلى خلاص وتحرير وإنما هي مكة والمسجد الحرام بحاجة إلى ذلك الأمر الذي تشير إليه الأحاديث كيف أن فاسدي ذلك الزمان والمكان سيقاتلون الإمام المهدي خوفًا على عروشهم وكروشهم.

إن ما يجري في القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان للذي ستكون له تداعيات كثيرة، ولقد قلت وكتبت في 12/12/2017 مقالة بعنوان “الأقصى والهزات الارتدادية” قلت فيه: “كما أن للمسجد الأقصى هزات ارتدادية ودوائر بركة وخير {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، وأن دوائر البركة هذه تصل إلى كل الشام وسوريا والأردن ولبنان بل إنها تصل إلى مصر بل إنها تصل إلى الحجاز حيث مكة والمدينة شقيقتا القدس الشريف، بل إن مدينة هي من ضواحي اسطنبول  تسمى “الحرم” اعتقادًا أن بركة المسجد الأقصى تصل إلى هناك.

كذلك فإن للقدس والأقصى هزّات غضب ارتدادية ودوائر غضب انتقامية ستصل إلى كل من لم ينتصر للمسجد الأقصى والقدس الشريف، نعم ستصل هزّات غضب المسجد الأقصى الارتدادية ليس فقط إلى الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بل إنها ستتجاوزه إلى مصر والسعودية بل وأبعد من ذلك وانتظروا إنا منتظرون”.

ولقد قالها منذ سنوات رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي السابق -آڤي ديختر-أن الخطر جدي وحقيقي على المسجد الأقصى وإنما قد يقع على المسجد الأقصى بفعل جماعات دينية يهودية قد يصل تأثيره إلى درجة تأثير زلزال بقوة 8.5 على مقياس الزلازل ريختر، حتى أن صحيفة يديعوت أحرونوت قالت يومها أن الخطر على الأقصى هو بقوة 8.5 درجة على مقياس ديختر “رئيس الشباك”.

ومثل آڤي ديختر فإنه -كارمي غيلون-رئيس جهاز الشاباك السابق الذي قال يوم 29/11/2014: “إن استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الأقصى ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد كل الشعب اليهودي، وستقود إلى خراب إسرائيل”.

ومثلهما فإنه المحلل العسكري لصحيفة يديعوت الإسرائيلية “أليكس فايشمان” وقد كتب يوم 24/10/2014 خلال الهبة المقدسية المباركة ومواجهة إسرائيل لها بالعنف والقسوة، مقالة بعنوان “العنوان على الحائط” حذّر فيه من انعكاسات الانتهاكات للمسجد الأقصى وتسريع تحول الصراع إلى ديني، وختم مقالته بالقول: “قريبًا سنستيقظ ولا نجد على حدودنا دولًا تنسق معنا ولكننا سنجد إسلاميين لا يمكن التفاهم معهم وعندها سنكتشف أننا كنا أغبياء وما زلنا”.

إنها مدينة القدس الشريف وإنه المسجد الأقصى المبارك، لهي الأغلى، بل لا يتقدم على مكانتها وقدسيتها إلا مكة والمدينة، وعليه فإن الشرف والمجد لمن ينتصر لها وإنه العار والشنار لمن يدير الظهر لها ويخذلها.

إنها القدس شرفنا وعزنا وعرضنا وأمّنا، ولا يخذل أمّه ولا يفرّط في عرضه إلا كل بليد، بل ديّوث لا شرف ولا شهامة ولا نخوة فيه، وإنه ما دامت القدس تنتهك كرامتها ويدنس طهرها فإنها لا كرامة للقاهرة، ولا دمشق ولا بغداد ولا عمان ولا الرياض، وصدق في ذلك المرحوم الدكتور يوسف العظم “شاعر الأقصى” في قصيدته التي قال فيها:

إن كانت الأوطان تحنو على      أبنائها فالقدس نبع الحنان

القدس أمّ طهرها غامر            وحضنها بعض رياض الجنان

ليست بغيًا ترتضي بالخنا         ولا جبانًا ينحني للهوان

يا قدس يا صرح العلا شامخًا     شلّت يمين الماكر الثعلبان

قولي لخيل الله مسروجة          على ضفاف النيل قد آن الأوان

قد آن للظلمة أن تنجلي            ويسقط الباغي ويعلو الأذان

 

ستظل القدس صابرة وأهلها مرابطون لا يضرهم خذلان المتخاذلين. وعلى صلابة وشموخ صخرة القدس ستتحطم قرون المشروع الصهيوني وتتبدد أحلامه وأوهامه.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى