أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الزوج والزوجة وحديث الوسائد

الشيخ كمال خطيب

ما أكثر ما نسمعه ونعرفه هذه الأيام عن مشاكل تحصل داخل البيوت والأسر وعن علاقات فاترة توشك أن تعصف بالبيوت وتذرها قاعًا صفصفا، ولعل العلاقة بين الزوجين بحمیمیتها أو بفتورها تشكل مقياس استقرار البيت وترابط الأسرة ووجود رابطة المودة والرحمة بين أفرادها.
ولعله الخطأ القاتل يقع لما تصبح الحياة الزوجية رتيبة وروتينية خاصة مع وجود الأولاد في البيت وشعور الزوجة أو فهمها الخاطئ بأن انشغالها بالأولاد هو عذر شرعي وأخلاقي يبيح تقصيرها في العناية بنفسها، وإعطاء زوجها حقه من الوقت ومن حاجته لها كزوجة.
ويقابل هذا شعور الزوج بانقضاء سنوات العسل والسعادة مع تلك الزوجة، وأنها ما عادت تصلح إلا طاهية وكاوية، وبالتالي فإما أن تصبح العلاقة مع الزوجة هي نوع من المجاملات أو الأمر الواقع أو أنه يفكر -إن كان ضعيف الإيمان عديم الأخلاق- بالبحث عن متعته الجسدية خارج البيت، أو لعله يبدأ بالتفكير بالزواج من ثانية ولعله يصل إلى الطلاق إما قبل الزواج من الثانية أو بعده.
وعليه فإن الحاجة ملحّة لاستمرار التواصل بين الزوجين، التواصل الدافئ الذي يضمن سريان وجريان المودة والحب بين الزوجين، لأن انقطاع وسائل وأدوات الوصال بينهما يقود إلى حالة جفاف وقحط.
إنها بعض الظروف والفرص إما أن يغتنمها الزوجان أو يسعيا لإيجادها تكون هي فرصتهما للحديث والتواصل، ولعلها تكون خلال التقائهما على فنجان قهوة في الصباح، أو عبر مشوار ورحلة تجمع بينهما ولو كانت قصيرة، أو أن يكون ذلك خلال حديث الوسائد، عند النوم.
يقول الدكتور أكرم رضا في كتابه الجميل -أوراق الورد وأشواكه في بيوتنا- في صفحة 11: “والوسائد في غرف النوم هي أقرب شيء إلى الزوجين، وهي التي تشهد على العلاقة الحميمة بينهما، وتستريح الوسائد وتريح عندما يعذب الحديث عليها. وإياكم والصمت فإن حوار قبل النوم يزرع الورد على الوسائد ويمهد لحصاده، وإذا كان حديث الوسائد ضروريًا في كل زمان وعلى اختلاف الظروف فإنه يصبح أكثر ضرورة بعد سنوات الأربعين”.

ساعة صفاء
يقول الأستاذ خالد السيد في كتابه الجميل -فن صناعة الحب-: “إن الحب الذي بدأ مع الزواج يمر عليه سنوات أو ينتصف معه العمر حتى يبدو وكأنه شمعة انتهت صلاحيتها وحان الأوان لأن يخبو نورها، ويحل مكانه الحوار الميت، والملل والروتين الزوجي الذي يتهدد معه حصن الأسرة وسعادة الزوجين. إن المشکلات التي تحدث بين الزوجين بعد مرور سنوات على الزواج أو بعد الأربعين عمومًا لا يجب أن ننظر إليها على أنها ظاهرة، بل هي حدث عارض سرعان ما يختفي، فالزوج في هذه السن يحتاج إلى رعاية خاصة من زوجته. إننا نرى أن تسرّب الملل إلى الحياة الزوجية يعود بالدرجة الأولى إلى الزوجة التي ما أن تنجب الأطفال وتزداد المسؤوليات حتى تنصرف عن زوجها وعن مشاركته أفراحه وأتراحه ليكون في المرتبة الثانية أو الثالثة في حياتها، فيبدأ لتعويض هذا الجزء الكبير من الحب الذي فقده بالإتجاه إلى أصدقائه وإلى خارج البيت ليجد هناك الإهتمام الذي يفقده، وربما فكر كثيرًا في الزواج حتى يعوض هذا الحب مع امرأة أخرى تمنحه الحب والإهتمام ويكون هو الأول في حياتها. فالمرأة إذًا هي الوحيدة التي تستطيع علاج هذا الملل في حياته، فتشارك زوجها اهتماماته وهواياته ولا تؤثر مسؤوليات الأبناء على منحه حقه من الحب والسعادة التي كان ينالها أول عهده بها”. ويقول الدكتور أحمد فكري: “من المهم تخصيص ساعة مصارحة في الأسبوع يتصارح فيها كل من الزوجين ويتحدثان لبعضهما عما يشعر كل طرف منهما تجاه الآخر، وذلك حتى يتخلصا من المشاحنات الداخلية”. ويضيف الأستاذ خالد السيد في كتابه فن صناعة الحب: “ولتجعل بيتها كل يوم كأنه اشراقات بيت جديد، فتغير وتبدل وتنشر فيه البهجة والسرور، وتداعب الزوج وتمازحه عند عودته من عمله ويا حبذا لو ذكرته بمزاح ولطف بتلك المواقف المضحكة التي مرت بهما في حياتهما، وكذلك لو اقترحت عليه زيارة أهله أو بعض إخوته وإخوانه أو الذهاب إلى مكان يحبه ليشعر بذلك أنها تبحث عن سعادته وحبه فتكون الاستجابة سريعة لتبادل الحب”.

ولقد أورد كذلك الأستاذ الفاضل محمد رشيد العويد في كتابه -رسالة إلى مؤمنة- نتائج استطلاع أجراه البروفيسور “هانز يورغن” أستاذ العلاقات الإنسانية في جامعة كيبل الألمانية بعد أن وصلت نسبة الطلاق في ألمانيا إلى 30 % من مجموع الزيجات، فأجرى دراسة عن أسباب اتساع الظاهرة شملت خمسة آلاف حالة زواج، ولقد توصل إلى نتائج تفسر تلك الظاهرة منها “أن الزوج يشعر أنه يشقى في العمل وأن زوجته لا تقدّر تضحياته ولا ما يبذله من جهد، والزوجة من جهتها تشعر أن زوجها يهملها، وأنه يعاملها كما لو كانت شيئًا من أشياء البيت ليس أكثر. إنه لا يحترمها ولا يستشيرها في أمر ولا يهتم بمشاعرها إطلاقًا، وإن فعل فلكي يتجنب الإحراج أمام الآخرين. وإن أكثر من نصف المتزوجين والمتزوجات يعيشون كما لو أن بينهم جدارًا رغم وجودهم تحت سقف واحد، ولا فرق في ذلك بسبب الثروة، أو العلم أو الثقافة أو المستوى الاجتماعي، النسبة واحدة تقريبًا بين الأزواج يسود جو من عدم التفاهم وعدم الثقة نتيجة لانقطاع التواصل بينهم. وضمن الدراسة المشار إليها اكتشف البروفيسور الألماني أن الذين مضى على زواجهم أكثر من أربع سنوات لا يتجاوز معدل الحديث بينهم العشر دقائق يوميًا، وقد يكون عن أمور تافهة لا أهمية لها مثل شراء الملابس للطفل، أو ماذا تأكل غدًا، وماذا قالت فلانة. فهذا الانقطاع وعدم التواصل هو السبب الأكبر في سوء التفاهم، وفي هذا الانفصال.
ويقترح الخبير الألماني أن يخصص الزوجان ساعة كاملة أسبوعيًا لتبادل الرأي ومناقشة ما بينهما من تباین وخلاف شريطة تمسك الإثنين بأدب الحوار، فإذا تكلم أحد الزوجين فلا يقاطعه الآخر حتى ينتهي، ولا يعمد الإثنان إلى التجريح أو يسعى كل منهما إلى تسجيل المواقف”.
يقول الدكتور محمد رشيد العويد تعقيبًا على هذا الاستطلاع ونتائجه: فإن الإسلام العظيم يقرر هذه الحقائق التي نلمسها واضحة في سيرة النبي ﷺ قبل أربعة عشر قرنًا، كيف هذا؟
أولًا: إذا كان الألماني أو غيره ينصرف إلى العمل بجل اهتمامه، ويعطيه معظم وقته فإن الإسلام يعلمنا أنه لا يجوز للمرء أن ينسى حقوق الآخرين من هذا الوقت وهذا الإهتمام وبخاصة الزوجة قال ﷺ: “وإن لزوجك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه”
ثانيًا: وإذا كان البروفيسور الألماني يقترح ساعة في الأسبوع للتفاهم وتبادل الرأي والمسامرة بين الأزواج فإن الرسول ﷺ كان يفعل هذا كل يوم، يقول ابن كثير رحمه الله وهو يفسر قول الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف}، طيّبوا أقوالكم لهن، وحسّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحبون ذلك منهن، فافعلوا أنتم بهن مثله كما قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقد قال رسول الله ﷺ: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”. وكان من أخلاقه ﷺ أنه جميل العشرة، دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهن، ويوسعهن نفقة، ويضاحك نساءه حتى أنه كان يسابق أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها، فيأكل معهن العشاء أحيانًا ثم تنصرف كل واحدة منهن إلى منزلها، وكان إذا صلّى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام يواسيهم. بذلك انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.

ابتسم من فضلك
إن مؤانسة الرجل لزوجته وشعورها باهتمامه بها يسعد الزوجة كثيرًا ويريحها ويزيح عنها متاعب اليوم كله من العمل داخل البيت وتربية الأولاد. وفي الإهمال كثير من الأخطاء فإن مكث المرأة في الدار وطول القرار وبُعد زوجها عنها الساعات الطوال يسرّب إلى نفس الزوجة السآمة والملل والضيق والأحزان، فينبغي للزوج المسلم أن يدرك الأخطار قبل وقوعها، فيشعر زوجته بالإيناس ويسلّيها بتحديثها عن آماله وآلامه وأشواقه وأحلامه، وينبغي للزوج أن يشعر زوجته بقوة ارتباطه
بها، وعظم اهتمامه بها، وأنها في بؤرة شعوره لا هامشه، وفي سويداء قلبه لا جوانبه لسان حاله يقول لها:

خيالكِ في عيني وذكركِ في فمي ومثواكِ في قلبي فاين تغيبي
يقول الأستاذ عصام محمد الشريف في كتابه -أشكو إليك زوجي- : “فيا أيها الزوج الحبيب، راجع نفسك، وانظر هل أنت زوج تلاعب زوجتك وتداعبها وتمزح معها وتحسسها بمكانتها الزوجية والإنسانية أم أنت زوج تمثل شخصية مصطنعة في البيت، تدخل عليهم والهمّ يحملك والعبوس يقتلك؟”.
خرج طفل يزف البشرى لأقرانه عندما رأى والده قد ضحك لاعتقاده أن الآباء لا يضحكون. وقالت ابنته نحتاج إلى عيد ثالث، أول مرة أرى أسنان والدي في البيت.
ثم يضيف الأستاذ عصام الشريف في موضع آخر: “ومن المظاهر الطبية الجميلة في تطييب خاطر الزوجة الهدية لا سيما إذا كان قد أخطأ في حق زوجته أو أساء إليها أو جرح مشاعرها وأهانها، ولماذا لا يتنازل الرجل عن كبريائه ويعتذر بكل رجولة عن خطئه ويرجع إلى الحق أو يخفف من وقع كلماته القاسية، أو يده الطائشة مما يدخل على قلبها الفرح والسرور، ويجعلها تنسى ما حدث وتصفح عنه. فيا أيها الأزواج عوّدوا أنفسكم ودرّبوها على هذا السلوك الراقي وهو تطييب الخاطر لتنحسر المنغّصات، وتقل المكدرات، ويتجنب البيت ويلات شقاق وشجارات وجحيمًا لا يطاق”.
ويقول الأستاذ محمد رشيد العويد تحت عنوان – نظرة… لمسة…ملاطفة تفعل الكثير – ألستِ معي حفيدتي الغالية في أن قطرات قليلة من الماء يمكن أن تنقذ إنسانًا كاد يختنق في غرفة انعدم فيها الهواء؟! كذلك حياتك مع زوجك قد تتراكم عليها المشكلات وتزدحم فيها المنغّصات حتى تصبح مهددة بالموت الذي هو الطلاق. يمكن أن تنقذها نظرة دافئة، أو لمسة حانية أو موقف زاخر بالحب.. لا شك حفيدتي الغالية أن في هذه اللفتات أثرًا عجيبًا في إحياء المودة بين الزوجين وزيادة الرحمة بينهما، وتوثيق الرابطة الزوجية التي تجمعهما، وأنصحك أن تبادري إليها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وما وجدت ذلك ممكنًا ومناسبًا، لكني أحب أن أذكر أن الإسلام سبق في الدعوة إلى هذه اللفتات التي يسمونها رومانسية بخمسة عشر قرنًا، وهذا ما تجدينه في الأحاديث النبوية التالية في قوله ﷺ: أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك”. وقوله ﷺ: “كل شيء ليس من ذكر الله لهوٌ ولعب إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين العرضين وتعليم الرجل السباحة”، وقول عائشة رضي الله عنها: ” كنت أشرب وأنا حائض فيضع النبي ﷺ فاه على موضع فيَّ فيشرب”.

جاذبية المصافحة
نعم أيتها الأخت الفاضلة والزوجة المؤمنة، وأنت أيها الزوج الفاضل والأخ المؤمن، اعلموا أن فهمكم لتعاليم الإسلام وتطبيقها بشكل متواز في بيوتكم، وفي العلاقات بينكم كزوجين إنما هو صمام الأمان للحفاظ على البيوت السعيدة الآمنة المستقرة. نعم إن حديث الوسائد بين الزوجين يمكن أن يساهم في إرساء هذه السعادة والمودة بين الزوجين {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. ومثل حديث الوسائد في التأثير ملامسة الزوجين بعضهما البعض، وليس هذا محله فقط خلال العلاقة الزوجية التي تجمع بينهما بل إنه يمكن أن يكون بمجرد وضع اليد باليد وملامسة الكف للكف، فإنه سيحدث سحرًا وجاذبية ومغناطيسية متبادلة إضافة لما في ذلك من الأجر والثواب والرضوان من الله سبحانه. وها أنا أنقل صورتين أولاها الزوجة تبادر لوضع يدها بيد زوجها، والثانية للزوج يبادر ليضع كفه بكف زوجته، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله ﷺ: “نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود، العؤود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غمضًا حتى ترضى”. الودود هي المتحببة إلى زوجها والعؤود إلى زوجها هي الراجعة إلى زوجها عند الخطأ. يقول الأستاذ خالد السيد عبد العال في كتابه -فن صناعة الحب- مفسرًا ومعقبًا على هذا الحديث: “والحق أقول أن اعتذار المرأة لزوجها بضعفها وطبيعة أنوثتها وانكسارها تجبر قلب الرجل الذي جبل على سرعة الرضا خاصة مع المرأة كونه مجبولًا على سرعة الغضب، ولكن هذه الأسلحة والفنون تبدد كل غضب وتقتل كل ضيق وسخط في نفس الرجل وقلبه على امرأته”.
إن لوضع المرأة يدها في يد زوجها سحرًا يسري في جسده، فلذلك الملمس الحاني تأثير غريب وعجيب في نفس الرجل. إن هذه اللمسة السحرية تحطم سدودًا منيعة وأسوارًا عالية وحصونًا متينة، ولا تعجب من ذلك فهذا من لطف الله بك، فقد حدثني أحد العقلاء قائلًا: “لولا ما ألقاه الله في قلوب الرجال من حب النساء، ولولا ما فيهن من الضعف والرقة واللطف ما كان لهن مع الرجال حياة.
ولقد أجرت باحثة أوروبية تجربة على أثر مصافحة الرجل للمرأة في شعوره فقامت بتناسي بعض الدولارات بجوار الهاتف العمومي بالشارع بعد أن أنهت مكالمة فيه حتى إذا دخل أول رجل للاتصال نظر حوله، ثم أخذ الدولارات ووضعها في جييه فجاءته وسألته عن الدولارات فقال بأنه لم ير شيئًا، ثم كررت التجربة، ولكن بأسلوب آخر مع شخص آخر، فبعد أن نظر حوله يمنة ويسرة ووضع الدولارات في جيبه جاءته مبتسمة ومصافحة يدها بيده وسألته إذا كان وجد بعض الدولارات التي نسيتها بجوار الهاتف: فأجاب نعم وأخرجها من جيبه وكررت التجربة عدة مرات وكانت النتيجة ثابتة. والآن ندرك أن هذا فن من فنون المرأة المبدعة في صناعة الحب وكسب قلب الزوج وحبه. أما الصورة الثانية والمعاكسة والتي فيها يبادر الزوج إلى وضع كفه بكف زوجته وتأثير ذلك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: “إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما”.

يقول الأستاذ الفاضل محمد رشيد العويد تحت عنوان – نظرة أغلى من الذهب- شارحًا ومفسرًا هذا الحديث “أين علماء الإجتماع وخبراء العلاقات الزوجية والمصلحون من هذا الحديث العظيم الذي يوصي الزوجين ببعضهما غاية الإيصاء، ويسمو بعلاقتهم إلى أعلى مكان ويعدهما بالأجر الكبير على توادهما وتراحمهما.
إنها دعوة للأزواج إلى عدم التهوين من رسائل المودة بينهما، فحتى النظرة التي لا تكلف جهدًا، ولا تفقد مالًا تجلب رحمة الله بالزوجين، رحمة الله التي تحمل معها كل خير لهما، تحمل الرزق والسلام والسعادة، ورحمة الله التي يهون معها كل صعب ويقرب كل بعيد وينفرج كل كرب، والنبي ﷺ لم يحدد نوع نظرة الرجل إلى زوجته، ولا نظرة زوجته إليه ليترك المجال رحبًا أمام نظرات المحبة والمودة والشفقة والحنان، بل حتى نظرات الرغبة والشهوة ما دامت توصل إلى علاقة حلال بين الزوجين، وواضح أن النبي ﷺ يحثّ الزوج على البدء بالنظرة الطيبة لكنه يحثّ المرأة أيضا على مبادلة زوجها تلك النظرة “ونظرت إليه” وفي هذا تشجيع للزوجة على الإيجابية والإستجابة لتودد الزوج بتودد مماثل.
وحتى تزيد المودة وتتضاعف المحبة وتتعانق المشاعر الحانية دعا الرسول ﷺ، إلى عدم الإقتصار على هذه النظرات المتبادلة وذلك حين قال “فإذا أخذ بكفها…” ويا له من تعبير بديع دقيق يرسم صورة غاية في الرفق واللطف والحب، فلم يقل عليه الصلاة والسلام: فإذا أمسك يدها، بل قال فإذا أخذ بكفها، حتى أن كف المرأة وكأنه عصفور صغير يحتضنه الزوج بيديه يمسح عليه ويدفئه ويرعاه.
وما ثمرة هذا الحنو من الزوج، إنها مشاعر حب دافق تشيع في نفس الزوجة، وأحاسيس راحة تذهب عنها تعب كفها، بل جسمها كله، واستعداد كامل لطاعة الزوج وعدم عصيانه ووو.
وقمة هذه الثمرات ما بشر به النبي ﷺ الزوجين، كليهما تساقط ذنوبهما من خلال أصابعهما، “تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما” ليس لأنهما صاما أو صليا في الليل أو أنفقا من مالهما، إنما لأنهما تصافيا وتحابا في لحظات مودة صادقة، فانظروا أيها الأزواج والزوجات وتأملوا، کم تضيّعون من رحمات ربكم بكم ومغفرته لكم؟

رومانسية في بيت النبوة
أيتها الزوجة: لماذا تسعين فقط للإبداع في طهي الطعام، وهو جهد مشكور ومبارك ويجب أن يكون منك؟ ولماذا تسعين للتفنن في زينة البيت وجماله، وهذا مطلوب وضروري؟ ولكن تذكري أن مثل الطعام وجمال البيت فإن الحب صناعة تحتاج إلى فن وإلى إبداع، وإنه يحتاج إلى امرأة عاقلة مبتكرة تعرف كيف تتصرف كتصرف عائشة رضي الله عنها يوم أن جاءتها صفية أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت لها: إن رسول الله ﷺ وجد عليّ أي غضب، فهل إلى سبيل أن ترضي رسول الله وأجعل لك يومي؟
فأخذت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خمارة لها مصبوغة بزعفران، فرشته بالماء حتى تظهر رائحته ثم اختمرت – أي لبست خمارها- فدخلت عليه في يوم صفية. فجلست إلى جنبه فقال رسول الله ﷺ: إليك عني يا عائشة فليس بيومك، فقالت: فضل الله يؤتيه من يشاء، وقصّت عليه القصة، إنها مبدعة في فن صناعة الحب لحبيبهاﷺ الزوج الحبيب والنبي. هذا الإبداع جعل إحدى النساء تسألها عن الحنّاء، وتقول ما تقولين يا أم المؤمنين في الحناء؟ فقالت: “كان حبيبي يعجبه لونه ويكره ريحه”. نعم إنها تتكلم وتتعامل بلغة الحب تلك اللغة الرائعة في فن التعامل مع الزوج وخصوصًا منك أيتها الرقيقة اللطيفة.
وكما في حديث الوسائد فن في انجذاب الزوجين لبعضهما، وكما في وضع اليد باليد وملامسة الكف للكف ومبادلة النظرة النظرة، فإن في وضع اليد على الرأس وملامسة الشعر سحر وفن أتقنته أمنا عائشة رضي الله عنها وهي التي قالت: “طيّبت بيدي هاتين رأس رسول الله بأطيب الطيب حين أحرم”، وهي التي قالت كذلك: “إن النبي ﷺ كان يضع رأسه في حجرها”، ولعله كان ينام كذلك، فلماذا لا تتقنين كذلك أنت أيتها الزوجة هذا الفن وتحسنين ترويض زوجك حتى في الساعات والظروف التي يكون فيها متمردًا أو غاضبًا.
ومن لطف ما يروى أن امرأة اشتكت لأحد الصالحين كثرة المشاكل في حياتها وكثرة إثارة زوجها للمشاكل وتقلبات حياتها، فقال لها: سأساعدك شريطة أن تأتيني بثلاث شعرات من رأس أسد!! فقامت المرأة من عنده وأخذت لحمًا وطعامًا وذهبت إلى قفص الأسد. وقفت أمام الأسد وألقت إليه قطعة لحم فالتهمها الأسد وهو ينظر إليها. وفي اليوم التالي فعلت نفس الفعلة وظلّت كذلك حتى ألفها الأسد حتى كان يوم أن ربتت على رأسه فأمن لها، وانتزعت الشعرات الثلاث من رأسه وذهبت إلى الرجل الصالح، وقالت له: هذه هي الشعرات الثلاث، فقال لها أَوَمِن الأسد؟! قالت نعم، فقال: عجبًا أجدت ترويض الأسد ولم تجيدين ترويض زوجك!!
نعم إنه حديث الوسائد وغيره، تتفنن الزوجة الصالحة والعاقلة وتبدع فيه حتى تجبر زوجها على أن يقول بإرادته أو غير إرادته:

أغار عليك من عيني ومني ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خباتك في عيوني!! إلى يوم القيامة ما كفاني

إنها الزوجة العاقلة الصالحة تعرف كيف توقع زوجها في أسرها فلا يستطيع فكاكًا، إنها بحسن تبعّلها لزوجها وطاعتها وحسن أخلاقها ومودتها ورحمتها ورقتها وأنوثتها تجبره على أن يقول ومهما كانت مكانته وموقعه:

أما يكفيك أنك تملكيني وأن الناس عندي كالعبيد
وأنك لو قطعت يدي ورجلي لقلت من الرضا أحسنت زيدي

نعم اجعليه يمد يده إليك يقول: هذه يدي أمدها إليك فمدي يدك وقولي لي: يدي في يدك نبني الحياة، ونربي الأبناء، ونصنع الحب والسعادة. قولي له كنا معًا وسنظل معًا، وإني أنصحك أن تظلي كذلك دائمًا لأنك إن لم تفعلي ذلك فما أسهل أن يطير العصفور من القفص. وأنصحك أيها الزوج أن تفعل أنت كذلك لأنك إن لم تفعل وبقيت حالة الجفاف والقحط فما أسهل لأن يملأ مكانك الشاغر زميل العمل أو الجار أو حتى صديقك، نعم صديقك لا تغضب يا عزيزي ولعله سيملؤه أخوك!!!
أيتها الزوجة العاقلة الفاضلة: كوني له أمًا في الحنان، وبنتًا في الطاعة، وأختًا في الدعوة، وحبيبة في الدار. تقرّبي إليه بما يحب، وأبعدي عنه ما يكره تلقيه مبتسمة، وودّعيه بالدعاء ليعود إليك مشتاق، فيهمس في أذنيك قائلًا:

ولقد أراك كسيت أحسن منظر ومع الجمال سكينة ووقار
والريح طيبة إذا استقبلتها والعرض لا دنس ولا خوار
وإذا سريت رأيت نورك وجه أغر يزينه الإسفار
فجزاك ربك من عشيرة نظرة وسقى صداك مجلجل مدرار
صلى الملائكة الذين تخيّروا والصالحون عليك والأبرار

أيها الإخوة والأخوات، الأزواج والزوجات عذرًا وألف عذر منكم على بعض صراحة وكثير من الجرأة تسلحت بها مستعينًا بالله لأتكلم باسم كثيرين منكم، وكثيرات منكن، فإن أصبت فمن الله والحمد لله، وإن أخطأت أو أسأت فمن نفسي واستغفر الله العظيم لي ولكم. رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى