أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

السعودية تستعين بفرنسا لتلميع صورتها رغم حملة باريس على الإسلام

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أشعلت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة للإسلام والنبي محمد خاتم المرسلين موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي، وترافق ذلك مع دعوات متصاعدة لمقاطعة المنتجات والسياحة الفرنسية.
اندلعت المقاطعة فعلًا، وحقّقت نتائج كبرى في وقت يشهد فيه الاقتصاد الفرنسي أزمات عميقة، إلا أنّ ماكرون لم يتراجع بل صعّد من موقفه حتى أصبح شُغله الشاغل التطاول على الدين الإسلامي بطريقة استفزازيّة غير مسبوقة، محاولة منه لكسب ود اليمين المتطرّف وناخبيه.

ماكرون في مواجهة المسلمين
لم يكن ماكرون فقط المهاجم الوحيد للإسلام في نظامه، فقد عاضده في ذلك، وزير داخليته جيرالد دارمانان ابن حركي الجزائر الذين كانوا في صف الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري، وارتكبوا أبشع المجازر والجرائم في حق أبناء بلادهم وناصروا المحتل لسنوات عدة.

تجاهل دارمانان أزمات بلاده الداخلية -من بينها تأزم العلاقة بين الشرطة والمواطنين وتراجع الحريات العامة في البلاد وانتشار الفوضى والجريمة في العديد من المدن وتحركات السترات الصفراء- ووجّه كلّ جهوده لمحاربة المسلمين في فرنسا، حتى أنّه أصبح الواجهة الرسمية لحملة الإجراءات المشددة التي تثير مشاعر عدائية تجاه المجتمع الإسلامي ككل في فرنسا.
شرعن العنصرية ضد المسلمين في في بلاد “الحريات الصورية”، وافتخر بغلق مساجد أكثر من جميع أسلافه، وشنّ حربًا على المنتجات الحلال من باب النكاية بالمسلمين، ما شجّع على كراهية الإسلام والشعبوية المعادية للمسلمين في هذا البلد الأوروبي، وهو ما يتماشى مع رغبة المسؤولين الفرنسيين الذين يحاولون وضع طابع فرنسي على الإسلام، بما يخدم مصالحهم.
نتيجة كلّ هذا، اندلعت حملات مقاطعة كبرى في دول إسلامية وعربية عدّة، ونُشرت مقاطع فيديو لإتلاف وإزالة المنتجات الفرنسية من المحال والمراكز التجارية؛ نُصرة للنبي محمد على الخطاب الرسمي في فرنسا تجاه الإسلام والمسلمين، وهو ساهم في تراجع الاقتصاد الذي سجّل أكبر ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
لم تخسر فرنسا اقتصاديًا فقط، حيث تراجعت صورتها الخارجية وانحسر نفوذها في العديد من الدول التي انتفضت شعوبها نصرة للرسول محمد، فاندلعت مظاهرات مناهضة لباريس وداعية لوقف التعامل وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.

حليف “غير متوقّع”
في خضم هذه التحولات والتطورات، كان الجميع ينتظر أن تنتصر المملكة العربية السعودية -التي يدّعي قادتها قيادة العالم الإسلامي والدفاع عن مقدساته- للرسول محمد وتعلن مقاطعة كلّ أشكال التعاون مع فرنسا للضغط على قصر الإليزيه حتى يعتذر على ما اقترفه قادة البلاد تجاه المسلمين.
لم يحصل هذا، بل حصل عكسه، ففي أوّج أزمته الكبيرة مع العالم الإسلامي ومعركته ضدّ المسلمين، تلقى ماكرون دعمًا كبيرا وغير متوقع من المملكة العربية السعودية، حيث دعا محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ومستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للشؤون الدينية؛ المسلمين إلى الامتثال لقوانين الدول المضيفة.
كما استنكر عبد الكريم العيسى وزير العدل السعودي، ما اعتبرها “تصرفات لمسلمين – أو أولئك الذين يدعون أنهم كذلك – والذين أعطوا صورة سيئة للدين الإسلامي من خلال تطرفهم أو تعصبهم أو أفعالهم الإرهابية”. وأيضًا دعا إلى أن تكون الخطب في المساجد متناسبة مع البيئة المحلية لكل بلد. وقال: “الأئمة من الخارج يأتون بثقافتهم وحياتهم.. في بعض الحالات، يعتبرون العادات أو التقاليد الثقافية جزءًا من الدين، وهي ليست كذلك.”
كما أبلغ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السلطات الفرنسية بأنه يؤيد عزم الرئيس ماكرون على مراقبة حج المسلمين الفرنسيين إلى مكة المكرّمة بشكل أفضل، حتى يضمن لهم عوائد مالية إضافية ويراقبوا الحجيج أكثر.
نفهم من هنا أن الرياض استغلّت الأزمة لتعلن دعمها الكامل لباريس، ضمن توجهها العام لضرب الإسلام السياسي وشقّ وحدة المسلمين، والذي يتماشى مع مشروع قصر الإليزيه للديانة الإسلامية في فرنسا.
لكن ليس هذا السبب الوحيد لدعم السعودية لفرنسا، فالسبب الأبرز هو تلميع صورة المملكة في العالم الغربي وخصوصا في فرنسا، ضمن سياق كامل اتبعته إدارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وكالة “هافاس”
ضمن هذا التمشّي تعاقد بن سلمان مع وكالة “هافاس” للعلاقات العامة منذ عام 2016 من أجل الترويج الشخصي له، ولتبييض جرائمه وتحسين صورته في الإعلام الغربي، وفق ما كشف عنه موقع “ميديا بارت” الفرنسي بداية شهر مارس/ آذار الحالي.
وأوضح الموقع الفرنسي أن مستشارة رئيس الحكومة الفرنسي ومستشار الرئيس ماكرون الاتصالي “ميادة بولوس”، قادت حملة ترويج في فرنسا لصالح بن سلمان مع وكالة “هافاس”، قبل أن تنتقل للعمل مع رئيس الوزراء الفرنسي عام 2020.
وفقًا لموقع التحقيق “ميديا بارت”، “قادت مستشارة الاتصالات الحالية لرئيس الوزراء جان كاستكس، ميادة بولس، عملية ضغط للمملكة العربية السعودية عندما كانت تعمل ضمن قطب” النفوذ “لوكالة هافاس، من عام 2016 حتى تعيينه في ماتينيون في صيف 2020 “، وهو ما يؤكّد مرة أخرى متانة العلاقات بين النظام السعودي والمؤسسات الفرنسية.
ميادة بولس، ابنة صحفي وكاتب مصري شيوعي اضطرت للذهاب إلى المنفى في العراق ثم إلى فرنسا قبل أن تعود إلى بلدها مع عائلتها، كانت الرقم الثاني في وكالة هافاس الشهيرة التي يغطي عقدها ” تطوير موقع العلا السياحي شمال غرب المملكة العربية السعودية” بحسب تصريحات المستشار كوم دي كاستكس لميديابارت.
العميل الذي فوض هافاس لم يكن دولة المملكة العربية السعودية” ولكن مؤسسة مسك، التي أنشأها في عام 2011 ولي العهد محمد بن سلمان شخصيًا ضمن إستراتيجيته للتأثير على المستوى الدولي والترويج لصورته، وقد ظهر الأمر جليا بعد عملية قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي.

عقود مع “بابليس”
إلى جانب ذلك، وقعت شركة الاتصالات العملاقة بابليسيس عدة عقود مع الرياض، للتسويق لها ولقيادتها لدى فرنسا، حيث نظمت الشركة لقاءات صحفية بين صحفيين ووزير الخارجية عادل الجبير والناطق الرسمي باسم التحالف السعودي الإماراتي في اليمن أحمد العسيري وأنشطة أخرى لدعم النظام السعودي.
وتتولى شركة “بيبليسيس” للتواصل عملية تلميع صورة النظام السعودي على مستوى كبرى العواصم العالمية -بينها واشنطن مرورا بكل من بروكسل وباريس- مقابل أموال طائلة، حيث تعد الشركة الفرنسية المعروفة أهم مجموعة ضغط في يد النظام السعودي على المستوى الدولي.
تعمل الشركة كمجموعة ضغط من أجل تجميل وجه النظام السعودي وولي العهد على المستوى الدولي، بسبب ضلوع المملكة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن، إضافة إلى اتهام النظام السعودي بالتواطؤ مع الحركات الجهادية المتطرفة، وانتهاك حقوق الإنسان، خصوصا النساء، والوقوف وراء اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
تعمل الشركة الفرنسية لصالح النظام السعودي من خلال شركتها “أم.أس.أل” في كل من بروكسل وباريس، ومن خلال “كورفيس” في واشنطن، كما أوكلت للشركة مهمة تزيين صورة السعودية عبر نشر أخبار تعتمد على “خطاب إعلامي” يقدم النظام السعودي باعتباره سدًا منيعًا أمام الإرهاب، ويصف الحرب في اليمن بمثابة عملية إنسانية، إلى جانب ذلك، كانت الشركة تنشر أخبارًا ومقالات صحفية كلها إيجابية عن النظام السعودي في بعض وسائل الإعلام الدولية، حيث باتت أداة للتأثير السياسي.
وفقا لبعض التقارير، فقد دفعت السعودية 800 ألف أورو إلى شركة “بيبليسيس” مقابل عقد علاقات صحفية مهم في فرنسا في عامي 2016 و 2017، ويمرّ هذا العمل عبر الفيلسوفة إليزابيث بادينتر التي تُعرف بعدائها للإسلام والمسلمين، حيث كانت مسؤولة عن معالجة صورة المملكة في فرنسا في مواضيع تتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع.

شخصيات سياسية
إلى جانب ذلك، لجأت السعودية إلى عدد من الشخصيات السياسية الفرنسية للدفاع عنها في أروقة البرلمان الأوروبي، أبرزها النائبتان والوزيرتان الفرنسيتان السابقتان رشيدة داتي وميشال أليو ماري اللتان تعتبران ضمن الشخصيات المقربة من النظام السعودي.
داتي وأليو ماري رفضتا بشكل قاطع كل القرارات والقوانين التي صدرت عن البرلمان الأوروبي التي تهدف إلى وقف ومنع بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، ويتم تنفيذ كل هذا النشاط المؤثر بأقصى قدر من التعتيم.
نتيجة هذا العقد، تحوّلت وزيرة العدل الفرنسية السابقة من أصول مغاربية رشيدة داتي من مهاجمة للمملكة إلى مدافع عنها، وتطلب الاقتداء بها في مكافحة الإرهاب حيث قالت “المجتمع الدولي أيقن أن السعودية هي مفتاح العمل لمكافحة الإرهاب، ويتحتم علينا الاعتراف بما تبذله السعودية من جهود وإجراءات وسياسيات” لمحاربة التطرف، ودعت البرلمان الأوروبي الى الاستفادة من تجربة السعوديين في مكافحة الإرهاب. وشددت كثيرا على الاستفادة من السعودية.

ستيل أند هولت
ضمن سياسة حشد شركات المحاماة ووكالات الاتصالات وجماعات الضغط واستطلاعات الرأي والقادة ومراكز الفكر، استعانت المملكة العربية السعودية أيضا لشركة “ستيل أند هولت” لتحسين صورتها في فرنسا، وهي شركة يرأسها سيلفان فورت قبل مغادرته إلى الإليزيه من 2017 إلى يناير 2019.

صورة 7
استعانت السعودية كذلك بشركة صورة 7، للترويج لصورة البلاد في الخارج ودفع السياح لزيارة الأماكن التاريخية في المملكة في محاولة منها لاستعادة ثقة الرأي العام فيها بعد تورطها في حرب اليمن واستهداف المعارضين في الداخل والخارج.
هذه الوكالات الباريسية تعمل على تحسين صورة المملكة العربية السعودية في فرنسا صرف الانتباه عن سلوك المملكة الوحشي في حربها على اليمن وتعزيز شعبية ولي العهد محمد بن سلمان وتقديم السعودية نفسها كحليف رئيسي للغرب، هي خدمة مثيرة للجدل ولكنها مربحة للغاية.

مشتريات ضخمة من الأسلحة
فضلا عن ذلك، تعتمد المملكة العربية السعودية أيضًا على مشترياتها الضخمة من الأسلحة للترويج لصورتها في فرنسا، حيث زاد بيع السلاح الفرنسي إلى الرياض زاد بصفة كبيرة في السنوات الأخيرة، وفق التقرير الخاص بمبيعات المعدات العسكرية الفرنسية لعام 2017.
تعتبر الرياض ثاني أكبر زبون لفرنسا من حيث التسليح عام 2017. ويظهر تقرير الحكومة السنوي بشأن مبيعات السلاح، أن 60 % من تلك المبيعات تدفقت على الشرق الأوسط، حيث بلغت صادرات الأسلحة إلى المنطقة 3.92 مليار يورو، مقارنة مع 1.94 مليار في العام السابق.
سنة 2017، سلّمت فرنسا، 1.38 مليار يورو من المعدات العسكرية إلى المملكة العربية السعودية، وتتنوع الأسلحة الموجهة للسعودية، حيث شملت الطائرات المقاتلة من نوع الرافال والزوارق الحربية والذخيرة الخاصة بالدبابات والمدافع.
لجأ النظام السعودي إلى جيش من مجموعات الضغط وشركات الاتصال من أجل تجميل صورته المتضررة بشكل مستمر ولجم كل الانتقادات ضده والتقرب من الشخصيات السياسية الفرنسية، حيث ضاعفت النفقات في هذا الغرض.
لكن رغم كل هذه الجهود التي تبذلها المملكة بمعية شركات العلاقات العامة، فإن أغلب محاولاتها في تقديم صورة جديدة لها باءت بالفشل، في ظل تواصل انخراطها في حرب اليد وتواصل استهداف المعارضين وقادة الرأي ورجال الأعمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى