أخبار وتقاريرمقالاتومضات

ذباب إلكتروني تحت الطلب

الشيخ رائد صلاح

كانت آخر خطبة جمعة ألقيتها يوم الجمعة الماضي الموافق 19-12-2025، وكانت بعنوان: (نداء إلى أبناء الصحوة الإسلامية). وخلال هذه الخطبة، دعوتُ كل أبناء الصحوة الإسلامية في كل الأرض أن يقفوا صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص، في وجه ما يكيده بعض العرب والعجم لقيَمِنا وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية.

وهو كيدٌ باطنيّ في الليل والنهار، ومدعوم بمليارات الدولارات من صناديق داعمة؛ أمريكية وأوروبية وصهيونية وعربية. وهو كيد باطل وخاسر وبائد.

ولكن من الواجب أن نتعرف عليه، وأن نقف في وجهه كاشفين عنه لكل مجتمعنا، لأن من حق مجتمعنا أن يعرف ما يجب أن يعرف. وسلفًا أقول:

يوم أن بدأتُ بالكتابة عن الفكر النسوي المنحرف فهي البداية، ثم سأواصل الكتابة عن سائر أذرع هذا الكيد الأخطبوطي، والتي يقف في مقدمتها من حيث الخطورة -كما بينت ذلك في خطبة الجمعة الأخيرة:

  1. الترويج لبدعة الديانة الإبراهيمية.
  2. محاربة الإسلام باسم القومية العمياء، التي تفتعل صدامًا لا أصل له بين الإسلام والعروبة.
  3. رجم أبناء الصحوة الإسلامية بالطائفية، طمعًا من المثيرين لهذه الشبهة التافهة منع عودة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.
  4. مواصلة هجوم الفكر النسوي المنحرف على حصوننا من الداخل، طمعًا من القائمين على هذا الفكر المرفوض هدم بيوتنا، وتفكيك أسرنا، وإشاعة الفاحشة فينا.
  5. استدراج الكثير من أحرار وحرائر أمتنا الإسلامية، وعالمنا العربي، وشعبنا الفلسطيني، كي يكونوا أُجراء وسماسرة لشتى صناديق الدعم الملغومة الأمريكية والأوروبية والصهيونية والعربية.
  6. السعي الصبياني لطمس الإسلام، وإحياء ضلالات عاد وثمود الباطلة الزهوق، وعودة الاستنصار لِجاهلية أبي جهل وأصنام الجاهلية، وفي مقدمتها هُبل واللات والعُزّى.

وقد أكدت في سياق تلك الخطبة الأخيرة أن هناك أنظمة عربية تحتضن بعض هذه الدعاوى الضالة وتنفق عليها بلا حدود. ثم ما إن قام موقع “موطني 48” ببث هذه الخطبة الأخيرة للعالم، حتى صدرت الأوامر لجيش الذباب الإلكتروني ليشنّوا هجومًا عليّ.

وكالعادة فإن جيش هذا الذباب الإلكتروني لا يملك إلا افتعال تهم التخوين والتجريح وترويج الشائعات، حيث أن هذا الجيش العرمرم، مدفوع الثمن والمستأجَر، قام بنشر صورة عبر مواقعه، وفي هذه الصورة كما هو واضح، أظهر أنا واقفًا وأتكلم، ويظهر إيهود باراك ويوسي بيلين جالسيْن، وهي صورة معروفة للقاصي والداني.

وكنت قد نشرتها في كتابي (صفحات من التاريخ المصوّر لأم الفحم) صفحة 483، من ضمن فصل في هذا الكتاب بعنوان: (التماس الاضطراري مع المؤسسة الإسرائيلية).

وكنت قد كتبت في مقدمة هذا الفصل ما يلي: (العمل البلدي في الداخل الفلسطيني نتيجة ظرفه السياسي، يعني التماس الاضطراري مع بعض عناوين المؤسسة الإسرائيلية، بداية من رئيس الدولة، ثم رئيس الحكومة، ثم بعض الوزراء، ومن يدور في حدود وزاراتهم من وكلاء وزارة وحكّام ألوية.

ولذلك فقد وجد كل رؤساء العمل البلدي في أم الفحم أنفسهم في تماسٍّ اضطراري مع كل هذه العناوين، كباقي رؤساء العمل البلدي في كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني.

وكان ولا يزال المطلوب من كل مواقع هذا التماس الاضطراري أن يظل رئيس العمل البلدي في أم الفحم وغيرها على شعور دائم أنه صاحب حق ومظلوم، ولأنه كذلك فهو لا يستجدي حقًا، بل يطالب بانتزاع حقه، لا لنفسه، بل لكل أهل بلدته الذين انتخبوه رئيسًا لهم، في ظروف سياسية شائكة. ولأنه مظلوم، فمن حقه أن يصرخ، وأن يقيم خيمة إعتصام، ومظاهرات وإضرابات، ومسيرات ومهرجانات، للوصول إلى حقه).

(ثم المطلوب من رئيس العمل البلدي في أم الفحم وغيرها أن يظل على شعور دائمٍ أنه صاحب ثوابت إسلامية عروبية فلسطينية، ولا تنازل عن هذه الثوابت، ولا عن واحد منها مهما ضاقت الظروف، وإذا وقع تناقض بين هذه الثوابت وبين أيّة محطة في العمل البلدي فالأصل هو هذه الثوابت.

ولا أسف على التنازل عن هذه المحطة في العمل البلدي، وعلى هذا الأساس سار رؤساء العمل البلدي في أم الفحم.

(وها أنا ذا أعرض صورًا توثّق هذا التماس الاضطراري مع بعض العناوين في المؤسسة الإسرائيلية، بانضباط تام مع ما ورد في السطور السابقة من أصول).

ثمّ تحت هذه المقدمة نشرت عشرة صور لشتى رؤساء العمل البلدي في أم الفحم، يظهرون في هذه الصور مع شخصيات رسمية إسرائيلية، ومن ضمنها هذه الصورة التي أظهر فيها مع شخصيتين رسميتين إسرائيليتين، بناءً على قاعدة التماس الاضطراري من أجل خدمة مجتمعنا، وتحصيل كل حقوقه المتعلقة بالأرض والبيت والمقدسات والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والبنى التحتية والرياضة والشباب… الخ.

ويبدو أن جيش الذباب الإلكتروني الذي شنّ هجومه عليّ بعد خطبة الجمعة الأخيرة، لا يعرف الظرف السياسي الذي نعيشه في الداخل الفلسطيني، ما بين الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكّا وحيفا ويافا واللد والرملة)، أو يتظاهر أنه لا يعرفه هذا الظرف الذي جاء إفرازًا لنكبة فلسطين التي بدأت ولم تتوقف حتى الآن، حيث تُركنا وحدنا عام 1948 نفترش الأرض ونلتحف السماء، وأما سائر شعبنا الفلسطيني يومها فمنهم من قُتل ومنهم من هُجّروا إلى شتات مجهول.

وهكذا صمدنا في عين العاصفة، ولو هاجرنا مع من هاجر من شعبنا ما بقي هناك مجتمع فلسطيني في الداخل الفلسطيني، ولماتت الكثير من الثوابت الفلسطينية. ولكننا صمدنا في أرضنا، والصمود مَحمَدة وليس مذمّة ولا خيانة ولا نقيصة! وبقينا منزرعين فيما تبقّى من بلداتنا الفلسطينية، بعد أن قام المشروع الصهيوني بهدم أكثر من 500 بلدة فلسطينية وتهجير أهلها.

وكنا ولا زلنا نعيش مرارة الغربة رغم أننا في وطننا، ولا زلنا نعاني من التمييز القومي والاضطهاد الديني والمطاردة الأمنية، ومع ذلك صبرنا ولم ننكسر لكل هذه الزعازع والأنواء، وصبرنا على حفظ قيمنا وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وحافظنا على لغتنا العربية، ووقفنا نناصرُها وندافع عنها ونفتخر بها.

وحافظنا على مقدساتنا ولم نغفل عنها، وقد كانت ولا زالت تتعرض للهدم أو الاقتلاع أو النبش أو الانتهاك، وأحيينا العهد مع القدس والمسجد الأقصى المباركين، ولا زلنا على العهد معهما.

والعجب العجاب، أن هذا العهد الأبدي مع القدس والمسجد الأقصى المباركين، تحوّل إلى تهمة في حسابات جيش الذباب الإلكتروني.

وأحيينا العهد مع امتدادنا الفلسطيني الذي تحوّل إلى تهمة في حسابات هذا الجيش المغوار!

ثم أحيينا العهد مع امتدادنا الإسلامي العروبي، ولم نرضَ لأنفسنا في يوم من الأيام أن نكون كالأيتام على موائد اللئام، بل اجتهدنا أن نبني مجتمعنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني من الصفر، واجتهدنا أن ننظّم حياة هذا المجتمع وفق الانتماء تاريخًا، والصمود حاضرًا، والتفاؤل مستقبلًا.

فكان أن نمت مسيرة العمل البلدي في كل بلدة من بلداتنا على امتداد الجليل والمثلث والنقب، وكان أن بدأت تجري انتخابات محلية لانتخاب رئيس وأعضاء كل بلدة من هذه البلدات، وكان أن تقدّمتُ في عام 1989 مرشّحًا لرئاسة بلدية أم الفحم، بإسم الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا فأكرمني الله تعالى بالفوز في تلك الانتخابات، ثم بعد خمس سنوات أكرمني الله تعالى بالفوز في تلك الانتخابات للمرة الثانية، ثم بعد خمس سنوات أخرى أكرمني الله تعالى بالفوز في تلك الانتخابات للمرة الثالثة، ثم وقبل أن تنتهي مدة رئاستي الثالثة قدّمت إستقالتي، مضطرًا، للتفرغ عاملًا متطوعًا في مسيرة الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، وعاملًا متطوعًا في مسيرة إعمار وإحياء القدس والمسجد الأقصى المباركين.

وخلال مسيرة العمل البلدي الطويلة، إجتهدت أن أخدم مدينة أم الفحم، وأن أخدم كل مجتمعي في الداخل الفلسطيني من منطلق وظيفة رسمية كرئيس منتخب لبلدية أم الفحم.

وعشت أيّامًا عصيبة كغيري من سائر رؤساء العمل البلدي في الجليل والمثلث والنقب. ورغم أنني كنت رئيسًا منتخبًا، إلا أنني تعرضت كغيري للضرب والاعتقال ومحاولة الاغتيال، بل طُلب من أحدهم في التسعينات أن يعانقني بعد خروجي من المسجد، وأن يضع في جيبي على عَجَل قطعة مخدرات لكي يُلقى عليّ القبض فورًا، وأن أُتَّهم بعد ذلك أنني تاجر مخدرات، إلا أن الذي طُلب منه القيام بذلك استيقظ ضميره في اللحظات الأخيرة، ثم زارني واعترف لي بكل تفاصيل تلك المؤامرة، وطلب مني التحلي بالحذر والحيطة.

وخلال كل تلك السنوات العاصفة، كان هناك التماسّ الاضطراري مع شخصيات رسمية إسرائيلية، لأن من مفرزات نكبة فلسطين، أن كل نظام العمل البلدي في الداخل الفلسطيني أصبح مربوطًا رسميًا مع المؤسسة الرسمية الإسرائيلية.

فكانت هذه الصورة التي نشرها جيش الذباب الإلكتروني، والتي أظهر فيها أنا، ويظهر فيها شخصان رسميان إسرائيليان، هي مثال على هذا التماسّ الاضطراري. وعلى فكرة هي صورة يتيمة، لا يزال البعض يستخدمها منذ أكثر من عشرين عامًا، كلما حاول شنّ هجوم عليّ لإسكات صوتي.

وهكذا هي خلفية هذه الصورة لكل عاقل ألقى السمع والبصر حرًّا في فكره وفهمه، دون أن تسحره دولارات مموّلي جيوش الذباب الإلكتروني، ومواقع هذه الجيوش المهزومة قبل أن تدخل المعركة، والتي رضيَت لنفسها أن تبيع ضميرها وقلمها وصوتها للسيد المموِّل، الذي أوهمها أنه السيد الذي يجب أن يكون مطاعًا، والذي لا يجوز الاعتراض على أوامره، وإلا…

وأنه السيد السلطان صاحب السيف والخبز، وأن على الجميع أن يخضعوا له مستسلمين، ولسان حالهم يقول: حاضر سيدي أيها المفكر!! أمرك سيدي أيها المنظّر!! أوامرك أيها المموّل الإمبراطور!!

يا لهؤلاء المساكين الذين رضوا لأنفسهم بهذا الدور البائس، الذي قال فيه المثل: من أراد أن يأكل من خبز السلطان فليحارب بسيفه.

وكم أُشفِق عليهم، حتى لو ركبوا سيارات فراري تسابق الريح، وكم أدعو لهم بالهداية مهما آذوني بألسنتهم وأقلامهم ومواقعهم!

وسيبقى حالي معهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وما أؤكده سلفًا أنني لن أنكسر لمثل هذا الهجوم التقليدي من أي جيش ذباب إلكتروني، ولن يُسكت صوتي.

وقد كتبت وسأبقى أكتب، وقد خطبتُ الجمعة وسأبقى أخطب الجمعة، وسأبقى أقف في وجه كل من ضبعتهم الصناديق المانحة الأمريكية والأوروبية والصهيونية والعربية، التي لا تزال تمكر مكرها في الليل والنهار لمواصلة إعلان الحرب على قيمنا وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية.

ثم سلفًا أقول: أنا أعرف مقاولي هذه الصناديق الذين يقفون من وراء جيوش هذا الذباب الإلكتروني، الذين لا يزالون يهاجمونني ويهاجمون غيري ظلمًا وعدوانًا، وهؤلاء المقاولون يعرفون أنني أعرفهم، لذلك سأواصل الكتابة، كما وعدت، عن هذه الصناديق المانحة، وعن مقاولي هذه الصناديق المانحة، وعن الجمعيات التي استدرجوها بجاذبية الدولار الفتّان، وهي كثيرة وما أكثرها! وهي ذات أهداف ضبابية اختلط فيها الحابل بالنابل!

ولماذا بدأت بالكتابة عن كل ذلك في آخر حياتي؟

لأن من حق مجتمعنا أن يعرف ما يجب أن يعرف.

وسلفًا أعد الجميع أنني سأبقى أكتب وأناقش أفكارا لا أشخاصا بعيدا عن الشخصنة في أي نقاش وبعيدًا كل البعد في كل كتاباتي عن التكفير والتخوين والتجريح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى