أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

رب همّة أحيت أمّة بإذن الله

الشيخ كمال خطيب
دائمًا وأبدًا كان طريق السائرين إلى رضوان الله سبحانه محفوفًا بالمخاطر مزروعًا بالشوك، مسيجًا بالشهوات. وكلّما جد السائر واجتهد في الوصول بسلام وأمان إلى دار الرضوان فإن محاولات صدّه وجذبه وصرفه عن الطريق القوّيم تكثر كذلك وتزداد.
أن تنسب نفسك أيها الشاب إلى دين الإسلام وإلى دعوة محمد صلى الله عليه وسلم فهذا يعني ومباشرة أنك تستدعي أعداء كثيرين كلهم يريد أن ينال حظّه من إيذائك والإيقاع بك. إنها الدنيا وإنه الشيطان وإنهم الأعداء، لا بل إنها نفسك الأمارة بالسوء التي تحملها بين أضلعك.

إني بلوت بأربع ما سلطوا إلا لشدة شوقي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف السبيل وكلهم أعدائي
فإياك والمفاجأة وإياك أن تظن أو تقول أن هذا ما لم يكن بالحسبان، فما سلك أحد هذا الطريق إلا ولقي الذي تلقاه أنت، حتى أن خير الناس النبيون، وإن خیر النبيين محمد ﷺ وقد لاقى مثل هذا وأكثر منه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إن لكل مسلم میلادین اثنين الميلاد الأول يوم ولدته أمه، والميلاد الثاني يوم اهتدى وسار على طريق الرسول محمد ﷺ”. ومثلما أن الميلاد يصاحبه آلام وبكاء ومشقّات وبلاء، وكذلك الميلاد الثاني بل وأكثر. ولكن ما دامت كل هذه الابتلاءات وكل هذه الآلام هي مهر وتذكرة دخول الجنة فلا بد من احتمالها، يقول عليه الصلاة والسلام: “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”.
إن الشيطان وإن أعداء الإسلام لا يطيب لهم بل ويجن جنونهم وهم يرونك أيها الشاب الحبيب تنصرف عنهم وتدير لهم الظهر ثم تولي وجهك صوب رهط الإيمان وموكب النور وجماعة الخير واتباع محمد ﷺ وحزب الرحمن. إنهم سيعمدون إلى كل وسيلة حقيرة من أجل محاولة استرجاعك وصدك عن وجهتك الجديدة، فكن على حذر حتى لا تقع في أحابيلهم ومكائدهم، وعليه فإنها جملة من النصائح والمحطات على طريق السير الصادق أضعها بين يديك أخي الشاب حفظك الله ورعاك ومن كيد شياطين الإنس والجن نجاك وعافاك.

اصمد أمام الإيذاء واحذر من الإغراء
إنه الأسلوب القديم الجديد الذي يسعى أهل الباطل من خلاله للنيل من أهل الحق، إنه الإيذاء والإغراء، وبغض النظر عن الأول منهما أو الثاني في البدء إلا أنهما أسلوبان متلازمان، وكما يقال إنه أسلوب العصا والجزرة والترغيب والترهيب.
وهو نفس الأسلوب الذي تعاملوا به مع النبي ﷺ، إنه أسلوب عرض الدنيا والجائزة والمال والمنصب، إنها عملية شراء الضمائر للنيل من المبادىء والمواقف. أليسوا هم الذين قالوا لرسول الله ﷺ: “وإن تريد الزواج زوجناك أجمل بنات العرب”. ولقد جاءت هذه بعد عرضهم الملك والجاه والمنصب. “وإن أردت الملك ملّكناك”. إن الإغراء بالفتاة الجميلة له وقع ورنين على الأذن العربية بل إن له وقعًا مميزًا على كل أذن اليوم وكل يوم، وإن عدم وجود الضابط الديني والإيماني يجعل المرأة قبلة للرجل كما قال قائلهم:

أخبروها إذا أتيتم حماها إنني ذبت في الغرام فداها

وقال الآخر:
يقولون جاهد يا جمیل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريد
فكل حدیث بينهن بشاشة وكل قتيل بينهن شهيد

ومثل الإغراء بالفتاة فإنه الإغراء بالمنصب والملك والجاه والإسم اللامع الذي يسيل أمامه لعاب الكثيرين حتى إنهم ينسلخون عن دينهم وثوابتهم من أجل نيله والوصول إليه، ومثله كذلك الإغراء بالمال “وإن أردت المال جعلناك أغنانا”، وكان الصمود والثبات من نبيك ﷺ أيها الشاب الحبيب لما أجاب قائلًا: “والذي نفسي بيده لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه”. ولما لم ينجح الإغراء مع رسول الله ﷺ لوّحوا له بسيف الإيذاء والتهديد بدءًا من السب والشتم وقولهم إنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون، بل وصل إلى حد إلقاء” سلا جزور” على ظهره وهو يصلي، وما لاقاه في الطائف من الضرب بالحجارة بل وصل إلى محاولة الاغتيال قبل الهجرة من مكة إلى المدينة ومع ذلك صمد عليه الصلاة والسلام وثبت وما تراجع ولا تردد بأبي هو وأمي.

وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم

أیها الشاب الحبيب، ومثلما فعلوا وحاولوا مع حبيبك رسول الله ﷺ من اعتماد الترغيب والترهيب والإغراء والإيذاء، فإنهم لن يترددوا باستخدام نفس الأسلوب معك، وما اعتماد هذه الوسيلة بشكل عام عبر الصحف والمجلات ووسائل الإعلام إلا محاولة لجعل هذه الأمور التي تثير الشهوات تأخذ موقعًا في قلبك.
وإننا قرأنا في كتبهم كيف كانوا يوقعون عملاءهم وسماسرة الأرض من كلابهم في شباكهم عبر إغوائهم بالفتيات الغانيات كما يذكر صاحب كتاب “جيش الظل” اليهودي هلل كوهين والذي يتحدث عن الطابور الخامس من العرب والفلسطينيين الذين ساعدوهم في بناء الدولة حيث يكتب عن سمسار الأرض الأمير محمد الزيناتي من شيوخ عشائر بیسان حيث كانوا يذهبون به إلى حيفا ويدخلون عليه في الفنادق الفتيات اليهوديات!!! بعد أن يوقع صكوك صفقات الذل من الأراضي ببيعها لليهود.
إنهم وللأسف سياسيون وقادة وزعماء وفنانون وكتّاب وصحفيون ممن سقطوا في واحد من الاثنين: الإغراء أو الإيذاء أو في كليهما.
واليوم أيها الشاب الحبیب، يا أمل أمتك، يا من يراد بك أن تكون عبدًا للشهوات والغرائز وتنسى شعبك وقضيتك ودينك وهمّ أمتك، فهل تقبل أن تكون كذلك؟ فاصمد أيها الشاب وأثبت واعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الدنيا لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء، واجعل أولئك الصغار والأقزام يذوبون هم في ميدان صمودك وعلى ساحة ثباتك وليس أن تذوب أنت في مخططاتهم.

البدر والشمس في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحتها مليون جبار

لا تضطرب وأنت ترى ركام وغثاء الفكر والسلوك
في الفترة التي أقصي فيها الإسلام عن قيادة الحياة في كل جوانبها غصبًا وقهرًا وظلمًا، فقد طورد دعاة الإسلام وحملة رايته، وعلّقوا على أعواد المشانق في كثير من بلاد العرب والإسلام. ومقابل ذلك فقد فتحت الأبواب وشرّعت واختصرت المسافة بين أدعياء الفكر الغربي الدخيل وللقوميين وأدعياء الوطنية، حتى للشيوعيين والوجوديين والتافهين والسكارى، كل هؤلاء اختصرت الطريق والمسافة بينهم وبين مواقع القيادة والمسؤولية.
وكانوا هم القيادات، وحتى الصحف ووسائل الاعلام فإنها قد فتحت منابرها لكل من يحارب الإسلام ويتطاول عليه وعلى كتابه ورسوله ﷺ وطبعًا أساتذة الجامعات والكتّاب وغيرهم وغيرهم، فإنهم جميعًا تجندوا لنفس الهدف وهو ضرب الإسلام والمديح والثناء لكل فكر مارق هزيل.
وحتى عبّاد الشياطين وحتى الشواذ جنسيًا فقد أصبحت لهم كيانات ومراكز، كل هذا يجب أن لا يجعلك أيها الشاب الحبيب تضطرب وتحتار لا بل أن تشكك في مسارك وصحة سيرك. إن الكثرة ليس معناها ملازمة الحق وإن القلة ليس معناها الانتساب إلى الباطل فلقد قال الله سبحانه {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} آية 116 سورة الأنعام.
إن هذا السيل الهائل والركام الكثير من الأفكار والطروحات حتى وإن كان لها بريق ولمعان إلا أن هذا لن يغير من حقيقة أنها زيف وسراب وغثاء، ولقد قالها رسول الله ﷺ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجده يقرأ في صحيفة مكتوب عليها نصوص من التوراة فغضب النبي ﷺ وقال: “والذي نفسي بيده لو كان أخي موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي”.
إنها الثقة بالمنهاج وإنه الاعتزاز بالأصل، وليس الاضطراب والتلعثم في ظل أن للباطل وأشياعه دولًا وجيوشًا وأموالًا، فلن يغير هذا من حقيقة أنهم أهل باطل.
ولقد دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا فوجد قاصًا يحدث الناس ويستند في أقواله ليس للقرآن ولا لسنة النبي، فقال عمر: ماذا يقول هذا؟ قالوا: إنه يقصّ من كتاب دانيال، وكان من عادة عمر أن يحمل معه عصاه “درته” ولكن هذه المرة نسيها فعاد إلى البيت وأخذها وأتى المسجد فشقّ الصفوف حتى وصل إلى الرجل وقال يا عدو الله إن الله عز وجل يقول {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} وأنت تقصّ من كتاب دانيال؟
إن المقصود من هذه القصة ضرورة أن يتمسك الإنسان بالأصول وأن لا يضطرب بالقشور والتافه من مناهج البشر وأدعياء الفكر، لأن عندنا ما يغنينا ولقد قال في هذا الشاعر:

شعوبك في شرق البلاد وغربها کأصحاب کهف في عميق سبات
بأيمانهم نوران کتاب وسنة ما بالهم في حالك الظلمات

أثبت أیها الشاب وأنت ترى الشيوعية قد أفلست وها هي الرأسمالية في طريقها إلى الإفلاس. أثبت وأنت ترى كل الديانات في حالة من الجزر إلا الإسلام فإنه مثل الطوفان الهادر يدخل عليهم من كل باب في كل الدول وفي كل القارات، فأثبت أيها الشاب الحبيب وقل:

أنا مسلم ولي الفخار فأكرمي يا هذه الدنيا بديني المـسلم
وأنا البريء من المذاهب كلها وبغير دين الله لن أترنم
فلتشهد الأيام ما طال المدى أو ضم قبري بعد موتي أضلعي
إني لغير الله لست بعابد ولغير دستور السما لن أنتمي

لا تيأس أیها الشاب وأنت تقارن بين مجد مفقود ومستقبل موعود. ليس أصعب على الإنسان من أن ينتقل من الغنى إلى الفقر، ومن العز إلى الذل إذ الفارق كبير بين هذا وذاك، ولا يقدر على تجاوز هذه النقلة الصعبة إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى.
وكذلك الحال فيمن ينتمي إلى أمة الإيمان والمجد والمكارم والانتصارات، بينما هي اليوم تعيش حالة من الذل والهوان والضعف والهزائم.
إن الإنسان الضعيف هو الذي يستسلم للواقع ولا يقدر على النهوض والعمل من أجل التغيير، بينما صاحب الهمة العالية والعزيمة القوية فإنه الذي يمضي نحو المعالي يتحمل الصعاب وهو على قناعة بأن المستحيل غير موجود إلا في رؤوس العاجزين.
إن عليك أيها الشاب الحبيب أن تكون على قناعة بأن ذاك المجد الذي فقد وضاع فإنما بناه بشر مثلك، وهم أبو بكر وعمر وخالد وسعد والمثنى وطارق وغيرهم رضي الله عنهم ممن تخرّجوا من مدرسة رسول الله ﷺ، وإنه ما ضاع إلا بعد أن ابتعدنا عن هديهم وانحرفنا عن السبيل الذي سلكوه، فكان الذي كان. إن ليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا مجاملة، ومثلما بنوا هم ذلك المجد فإننا قادرون اليوم بإذن الله أن نعيد بناءه من جديد.

لو أسمعوا عمر الفاروق نسبتهم وأخبروه الرزايا أنكر النسبا
أبواب أجدادنا منحوتة ذهبًا منها هياكلنا قد أصبحت خشبا
من زمزم قد سقينا الناس قاطبة وخيلنا اليوم من أعدائنا شربا

أيها الشاب الحبيب كن على يقين بأن المستقبل لك ولدينك ولأمتك، وامض نحو المعالي، وإياك وسفاسف الأشياء، وابحث واعمل كل عمل فيه رضى الرب سبحانه، وكيف لا وأنت تقول كل صباح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولا.
فاثبت أيها الشاب وأنت تجعل الإسلام أغلى عندك من أمك وأبيك، ومن زوجتك وولدك ومن الناس أجمعين {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية 111 سورة التوبة.
فاثبت أيها الشاب الحبيب وأنت تتذكر ذلك الشاب حبيب بن زيد رضي الله عنه لما يدخل إلى مسيلمة الكذاب يحمل إليه رسالة رسول الله ﷺ فيطلب منه مسيلمة أن يعود عن دينه فيأبى فيروح يقطع منه مرة إحدى أذنيه ثم يقول له إرجع عن دينك فيأبى فيقطع الثانية، ثم إحدى يديه ثم الثانية وهكذا حتى قطع جسمه كله رضي الله عنه دون أن يرجع عن دينه.
أثبت أیها الشاب الحبيب وأنت تتذكر عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه الذي دخل على ملك الروم أسيرًا وقد وضع قدرًا كبيرًا فيه زيت يغلي وقد أخذوا يلقون بالأسرى من الصحابة فيه فينسلخ الجلد عن العظم ثم يساوم على دينه فيرفض التراجع، فيقول له ملك الروم تعود عن دينك ولك نصف ملكي، فيقول بن حذافة: والذي لا إله إلا هو لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وأجدادك على أن أعود طرفة عين ما فعلت ذلك.
فاثبت يا حبيب وأنت تتذكر الصحابي الجليل الخبيب بن عدي رضي الله عنه وقد رفع على خشبة الصلب لما وقع أسيرًا بيد قريش فما وهن ولا خاف وراح ينشد قائلًا:

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع

أثبت أیها الشاب الحبيب وامض نحو تحقيق المستقبل المولود بإذن الله، مستقبل أمتك ودينك الذي يتحقق فيه موعود الله سبحانه، بأن تكون للإسلام دولته الراشدة، كما كانت على عهد النبوة بإذن الله.
أثبت وامض وأنت تسير نحو تحقيق الهدف المنشود، شامخ الهامة منتصب القامة عالي الجبين، وأنت تبدع في هذه الحياة وتتقدم الصفوف:

من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدًا وتجيء في الأول

واعلم أيها الحبيب أن الذين يستسلمون للواقع وينحنون أمام العواصف الهوجاء مع أول صفيرها، فإنما هم الذين تنمحي أسماؤهم وتنطمس ذكرياتهم. وأما الذين يعاكسون تيار الباطل ويتصدون له ولأنصاره رغم قوته وبطشه، والذين يقولون للظالم يا ظالم والذين يجعلون من أنفسهم وقودًا وجسرًا لمواكب الخير والفضيلة والاستقامة والأصالة، فإنما هم الذين سيحفظ التاريخ والأجيال ذكراهم العطرة وطباعهم، الذين يسجلون هناك عند الله في سجّل الخالدين الذين {فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً} آية 23 سورة الأحزاب.
إنه زمن الوفاء وليس زمن العقوق والنكوص أيها الشاب الحبيب. فإذا كانت أمتك ودينك هما حقًا مثل الأم فهل تقبل أن تكون من العاقين لها، وإنني أنزّهك من أن تكون كواحد من أولئك الذين تحدثت عنهم قصة “الأنذال الثلاثة”، حيث يحكى أن ثلاثة شبان راحوا يتسكعون في الشوارع بغير غاية ولا هدف، فقال أحدهم ليس متحديًا عمن يكون الأكرم والأشجع والأنبل من بين زملائه وإنما قال متحديًا عمّن يكون الأنذل من بينهم، وبينما هم كذلك وإذا بامرأة تمر في الطريق فتقدم أحدهم واقترب منها ولطمها على وجهها لطمة أوقعتها أرضًا، أما هو فراح يضحك ويقهقه زاعمًا أنه الأنذل من بينهم بضربه للمرأة، فتقدم الثاني من بينهم إلى المرأة التي ما تزال ملقاة أرضًا تبكي وتستغيث ونزع عنها ثيابها واغتصبها ثم قام يقهقه مفاخرًا أنه الأنذل لأنه فعل ما لم يفعله الأول، أما الثالث من بينهم فتقدم ضاحكًا مقهقهًا وقال أنا الأنذل من بينكم، فغضب صاحباه من هذا الادّعاء الكاذب حيث لم يقم هو بفعل شيء مما فعلاه أو قريبًا منه ، فلمّا سألاه عن زعمه بأنه هو الأنذل من بينهم قال: “لأن هذه المرأة هي أمي”.
حقًا إنه الأنذل وإنه الأجدر من بينهم بهذا الوصف القبيح.

أيها الشاب الحبيب، ما أكثر من يتجرأون اليوم على دينك وأمتك كيدًا ومكرًا وعداء، فهل ترضى لنفسك أن تقوم بدور المتفرج أم أنك الذي يجب أن ينتصر لأمته ولدينه لأن الدين هو أغلى من أرضك وعرضك، حيث إذا ضاع الدين ضاع العرض وضاعت الأرض.
فاثبت أيها الشاب وتقدم وليرَ منك الله موقف الشهامة والإباء وأنت تتحدى كل الظلمة والفاسدين ومهما كانت قوتهم ممن يريدون أن يجعلوا منك ومن أمتك عبيدًا لهم. نعم تقدم واحفر في تاريخ هذا الكون أنك أنت الشاب الذي أبت عليه حميته أن يتلذذ بالشهوات والغرائز بينما دينه يساء إليه، وكيف لا وأنت سليل خالد وطارق وسعد والمثنی وصلاح الدين.
فاثبت يا حبيب واصرخ في وجوه كل أولئك المارقين في هذا الزمان أنك قد نذرت نفسك لدينك ولأمتك ولن يطيب لك نوم ولا مأكل ولا مشرب حتى ترى كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وحتى تری راية حبيبك محمد ﷺ خفاقة في العالمين.
أثبت يا حبيب حتى تجعل رسولك ﷺ يفاخر بك الدنيا كلها وهو يقول هؤلاء أحبابي فليرني كل منكم أحبابه، وحتى تكون رفيقه على الحوض يوم القيامة.
فاثبت يا حبيب وكن الأنبل ولا تكن الأنذل.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى