أخبار رئيسية إضافيةمقالات

موارد المياه اللبنانية في الاستراتيجية الاسرائيلية

يوسف فوزي كنانه- ماجستير في العلوم السياسية وتاريخ الشرق الاوسط
تشير الوثائق التاريخية والمعتمدة، أنه في الرابع عشر من آذار عام 1978، وردّا على عملية كمال عدوان التي كانت قد نفذتها مجموعة دلال المغربي في مدينة تل ابيب، والتي قد أسفرت عن مقتل 32 إسرائيليا، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، مناحيم بيغن العنان لقيادة الجيش لاجتياح جنوب لبنان في عملية عسكرية قوامها 25 ألف جندي، وأطلق عليها اسم عملية الليطاني. وكانت نتيجة هذه العملية توغل الجيش الاسرائيلي إلى مشارف مدينة صور الجنوبية وإلى مواقع قريبة جدا من الضفة الجنوبية لنهر الليطاني، وبذلك بلغ عمق التقدم الاسرائيلي في أراضي جنوب لبنان نحو 20 كم. وبعد ثلاثة أشهر وتنفيذًا لقرار الامم المتحدة رقم 425 اضطرت اسرائيل للتراجع إلى الشريط الحدودي (7- 10 كم). وفي السادس من شهر حزيران عام 1982، وعلى إثر محاولة اغتيال سفير اسرائيل في لندن، تبنى مناحيم بيغن ووزير دفاعه اريئيل شارون تنفيذ عملية عسكرية برية واسعة قوامها أكثر من 70 ألف جندي، وقد حملت اسم عملية سلامة الجليل (שלום הגליל). وقد هدفت تل ابيب من هذه العملية إلى تصفية الوجود العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وابعادهم مسافة أربعين كم عن الحدود الشمالية، وقد أسفرت عملية “سلامة الجليل” عن سيطرة اسرائيل على منطقة عرفتها باسم (الحزام الأمني) والتي تشكل 10%من اجمالي الاراضي اللبنانية.
فالناظر الباحث في السياسة الاسرائيلية، سيجد دونما عناء أن هذه الحروبات والاجتياحات العسكرية المكلفة والمنهكة التي قادتها، وتقودها، وستقودها اسرائيل في جنوب لبنان، لم تكن سوى من منطلق خدمة الاستراتيجية الاسرائيلية المتمثلة بالسيطرة والاستيلاء على موارد مياه عذبة ووفيرة تقع خارج حدودها. وتصديقا لذلك هو ما كان قد لخّصه خبير المياه الامريكي، جاك لندر بأن (اسرائيل لا تريد الأرض بمعنى الأمن أو بأي معنى من هذه المعاني المتداولة سياسيا في صحافتنا وصحافة العالم، ولكنها تريد الأرض وفي الدرجة الاولى ما تحتويه من موارد مائية). وكان قد أشار يومها، الجنرال الاسرائيلي، اهرون بارليف إلى أن (مهمة السياسة الخارجية الاسرائيلية الآن هي إيجاد أفضل طريق من اجل تحديد مدة وطابع وحجم هذا الحضور في منطقة جنوب لبنان، ويتمثّل الهدف في المحافظة على مصادر المياه واستغلالها كما يجب ان تستغل).
ويعود تاريخ الاطماع الإسرائيلية بمياه الليطاني وموارده الى سنة 1897 ففي مؤتمر الحركة الصهيونية الاول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية، أعرب عرّاب الحركة الصهيونية ومؤسسها ثيودور هيرتزل، عن أطماعه المعلنة والواضحة بالاستيلاء على نهر الليطاني، فقال (وضعنا أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية التي ستمتد حتى نهر الليطاني). وفي سنة 1919 طالبت الحركة الصهيونية بتحديد حدود فلسطين من الشمال من عند نقطة على البحر الابيض المتوسط بالقرب من صيدا لتتبع مصادر المياه لتشمل نهر الليطاني كله حتى منعطفه، وتتجه شمالا حتى جسر القرعون وتشمل راشيا الفخار وحاصبيا وقمم جبل الشيخ، لأن مستقبل الدولة الصهيونية العتيدة سيعتمد على مدى وفرة الموارد المائية المتدفقة من منحدرات جبل الشيخ ومن نهري الليطاني والاردن. لكن تنازع المصالح الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا أدّى إلى رسم حدود فلسطين النهائية بصورة أبقت منابع نهري الحاصباني وبانياس خارج حدود فلسطين، وأبقت نهر الليطاني من منبعه حتى مصبه ضمن حدود لبنان. وفي سنة 1938 شكّلت الحركة الصهيونية لجنة (لاودرميلك)، والتي انبثقت منها خطة لاودرميلك التي كانت قد نصت على وضع خطة للاستيلاء على مياه الحاصباني والليطاني وبانياس، كما وطرح دافيد بن غوريون عام 1941 وثيقة تدعو لضرورة وجود نهر الليطاني ضمن حدود الدولة الإسرائيلية العتيدة، ورافق ذلك في نفس السنة تقديم مشروع اسرائيلي إلى الرئيس اللبناني الفرد نقاش، لاستثمار المياه اللبنانية بشكل مشترك بين الحركة الصهيونية ولبنان.
وفي سنة 1942 أصدرت الحركة الصهيونية بيانا نص على (علينا أن نتذكر بأنه لا بد أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان قدرتها على البقاء). وبعد إعلان قيام اسرائيل زادت وتيرة مطامعها المعلنة في السيطرة على مياه الليطاني، ففي المشروع الذي كان قد قدّمه مندوب اسرائيل في الأمم المتحدة في سنة 1954 والذي عرف باسم (مشروع كوتون)، والذي كان قد طالب فيه بتحويل 400 مليون متر مكعب من مياه الليطاني الى اسرائيل، مستوليا بذلك على نحو 55% من مياه نهر الليطاني. وبعد حرب عام 1976، كان رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول قد صرّح لجريدة لوموند الفرنسية بقوله (إن هناك نصف مليار متر مكعب من مياه نهر الليطاني تضيع سنويا في البحر ويجب استغلالها لصالح شعوب المنطقة وخاصة المتحضرة منها، ولا يسع لإسرائيل الظامئة أن تقف مكتوفة الايدي وهي ترى مياه هذا النهر تتدفق سدى الى البحر، وإن القنوات باتت جاهزة في اسرائيل لاستقبال مياه نهر الليطاني المحولة). وكان لرئيسة وزراء اسرائيل جولدا مئير كلمة في مسألة الاطماع الاسرائيلية على مياه نهر الليطاني بقولها (إن المياه بالنسبة لإسرائيل هي بمثابة الدم في العروق). وعند اجتياح اسرائيل للبنان عام 1978 قامت على الفور بالسيطرة على نهر الوزاني الذي يغذي نهر الاردن وقامت كذلك بوضع مضخات ومواسير لتوصيل المياه من نهر الحاصباني الى شمال البلاد. وفي عام 1982 وعندما اجتاحت القوات الاسرائيلية جنوب لبنان، كان أول ما قامت به أجهزة المخابرات العامة هو الاستيلاء على جميع البيانات والمعلومات الهيدرولوجية عن السد والنهر ونقلها الى تل ابيب. وفي تشرين الاول من عام 2002 أصدر رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك اريئيل شارون، بيانا هدّد فيه الدولة اللبنانية بإعلان الحرب عليها في حال تنفيذ لبنان مشروع مياه نهر الوزاني احد روافد نهر الحاصباني الذي يوفر ما بين 20- 25 % من مياه بحيرة طبرية.
ونختتم بقول مفوض المياه السابق في اسرائيل دان زاسلافسكي (إن قضية الوزاني لا تحتاج إلى مفاوضات واتصالات وإنما دبابة تقوم بتدمير المنشآت اللبنانية على النبع في اللحظة التي تخرج منها اول متر مكعب من منابعه الى لبنان). وصرّح كذلك شمعون بيرس وزير الخارجية الاسرائيلي السابق وعراب نظرية ومشروع الشرق الاوسط الجديد، قائلا (إن اسرائيل ترى في مساعي لبنان لتحويل مجرى مياه الحاصباني عملا خطيرا واستفزازا لا يمكن تحمله).
وهكذا يمكن أن نلخص أن احتلال اسرائيل للبنان جاء ضمن استراتيجية سعيها الدائم لضمان أمنها المائي، فإسرائيل ذات الموارد المائية الشحيحة اعتمدت منذ سنوات الستينات على الموارد المائية الإضافية التي سبقت العرب إليها، واستولت عليها منهم في غزواتها، لتلبية معدلات استهلاكها المدني الحالية، وتطوير زراعتها وتنفيذ سياستها الاستيطانية. فاكثر من 40% من مجمل المياه العذبة المستهلكة في اسرائيل تأتي من الدول العربية، دول الطوق: لبنان، سوريا، الأردن، مصر والسلطة الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى