أخبار عاجلةمقالاتومضات

أخطر أنواع التطبيع

علي أنوزلا- صحفي مغربي
تم، في الأسبوع الأول من شهر فبراير/ شباط الجاري، تداول خبر اتفاق وزير التعليم المغربي مع نظيره الإسرائيلي على البدء ببرنامج لتبادل الوفود الطلابية المدرسية والجامعية. لم يحظ الخبر بالاهتمام الكافي الذي يلزمه، ربما لأنه يأتي في سياق الانهيار الكامل لكل المتاريس التي كانت تقف ضد كل أنواع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. وهو فعلًا يندرج في سياق خطوات متسارعة لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، والذي جاء إثر صفقة ثلاثية بين المغرب وإسرائيل وأميركا مقابل أن تعترف الأخيرة بسيادة المغرب على إقليم الصحراء.
وعلى الرغم من أن الحكومة المغربية تنفي اعتبار ما حصل “تطبيعًا”، وتصف ذلك الاتفاق بأنه مجرّد استئناف لعلاقاتها مع إسرائيل، إلا أن ما تبعه من اتصالات واتفاقات بين وزراء في الحكومتين المغربية والإسرائيلية في التجارة والصناعة والتجهيز والفلاحة، وغيرها، وأخيرًا، وليس آخرًا، التعليم، كلها إجراءاتٌ تدخل في سياق تعزيز هذا التطبيع الرسمي المتسارع. لكن الخطوة المتفق عليها أخيرًا تُعد الأخطر من بين كل أنواع التطبيع، لم تقدم عليها حتى مصر والأردن اللذان سبقا المغرب إلى التطبيع مع إسرائيل، وبادرت إليها فقط الإمارات، عرّابة صفقات التطبيع المجاني مع الكيان الإسرائيلي.
خطورة الخطوة المغربية هذه فيما تم الكشف عنه. وحسب ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية المغربية، فإن الاتفاق شمل تعزيز التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، مع تنفيذ برامج لتبادل الزيارات بين الطلاب ابتداء من الموسم الدراسي المقبل. ويتضمن البرنامج المعلن عنه “إرسال وُفود طلابية مدرسية وجامعية في الاتجاهين، وإجراء جولاتٍ تعليمية تراثية بين إسرائيل والمملكة المغربية، هدفها التعرّف عن قرب إلى تاريخ اليهود المغاربة، سواء في إسرائيل أو في مدن وجهات المغرب”.
يدرك وزير التعليم الإسرائيلي أهمية هذا الاتفاق بالنسبة للإيديولوجية الصهيونية، فقد صرّح أن “التعليم هو أهم عامل لتعزيز عملية السلام بين البلدين”! مع العلم أن المغرب ليس في حرب مع إسرائيل، إلا أن الوزير يعي جيدًا أهمية استهداف الأجيال الصاعدة في المغرب لصناعة رأي عام يقبل مستقبلًا تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني. ولذلك يُعتبر هذا الاتفاق أسوأ من كل أنواع الاتفاقات الأخرى المبرمة منذ قرار تطبيع العلاقات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وهو من أكثر أنواع التطبيع خبثاً وخطورة تقدم عليه واحدة من أضعف الحكومات في المغرب، مؤلفة من ائتلافٍ هجين يقوده مع الأسف حزب إسلامي، يدّعي أنه يناهض التطبيع!
خطورة هذا التطبيع في أنه يستهدف النَّشْءَ الجديد والأجيال الصاعدة من المغاربة، وهذه أكبر جريمة توافق عليها الحكومة المغربية، وهي أخطر بكثير من الاتفاقات الدبلوماسية والمبادلات الاقتصادية والتجارية التي ظلت قائمة مع الكيان الإسرائيلي، حتى قبل اتفاق التطبيع، لأن هذه يمكن للشعب أن يرفضها كما فعل طوال السنوات الماضية. ويمكن إنهاؤها بجرّة قلم، تمامًا كما تم “استئنافها” بجرّة قلم، بدون العودة إلى الشعب أو على الأقل الاستئناس برأيه. أما التغلغل في عقول الأجيال الصاعدة وتكريس فكرة التطبيع لديه مع كيان مجرم ومحتل، فهذا عملٌ شيطاني يستهدف تدمير كل القيم التي نشأ عليها المغاربة الأحرار، المتمثلة في رفض الظلم ونصرة القضايا العادلة، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، ضحية أكبر ظلم تاريخي في عالمنا المعاصر.
لذلك، ليس وصف ما يقع بأنه جريمة مبالغة أو تحاملًا على من أمر بهذا النوع من التطبيع بين المغرب والكيان الإسرائيلي، لأن أثر هذه الجريمة لا يتوقف على الجيل الحاضر، وإنما ينتقل أيضًا إلى الأجيال المقبلة من المغاربة الذين ستكرّس لديهم ثقافة التطبيع مع الظلم والعنصرية والتصالح مع الإيديولوجيات الشوفينية القاتلة، وفي مقدمتها الإيديولوجية الصهيونية. وقد بدأت أصواتٌ، متمثلة في نقابات التعليم في المغرب، ترتفع مندّدة بهذا النوع “الصامت” من التطبيع الخبيث، وتحذّر من خطورته على تزييف وعي الأجيال المقبلة، وتغييب قدرتها على نقد الإيديولوجيات العنصرية، وغسل أدمغتها لتهيئتها مستقبلاً للقبول بالظلم والتنكّر لكل قيم العدل والمساواة والتحرّر والاستقلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى