أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

باحث جزائري: الحراك لم يحسم معركته والتغيير قد يستغرق أجيالا

يرى نور الدين بكيس، وهو أكاديمي وباحث جزائري في علم الاجتماع السياسي، أن “الحراك لم يحسم معركته بعد”، لوجود حالة توجس مما قامت به السلطة حتى الآن من تغييرات، معتبرا أن التغيير في بلاده ربما “يتطلب مسافة طويلة قد توزع على أجيال كاملة”.
جاء ذلك في مقابلة مع بكيس، بمناسبة صدور كتابه “من أين نبدأ التغيير؟”، والذي يقدم عبره قراءة حول آليات وإشكالية التغيير، الذي فرضته أحداث متسارعة في السنوات الأخيرة بالجزائر، أبرزها الحراك الشعبي.
والإثنين، أحيا الجزائريون الذكرى الثانية لحراك انطلق في 22 فبراير/ شباط 2019، وأدى إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة (1999 ـ 2019)، ومحاكمة مسؤولين كبار ورجال أعمال من حقبته.
لكن الحراك توقف في 2020، بسبب تفشي وباء كورونا في البلاد، ثم عاد بفعاليات رمزية مع ذكراه الثانية.

آليات التغيير.. كيف؟
وبمناسبة الذكرى الثانية للحراك، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حزمة قرارات اعتبر مراقبون أنها تستهدف تهدئة الشارع.
وتمثلت تلك القرارات في حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، الموروث عن العهد السابق، وذلك تمهيدا لانتخابات مبكرة لم يُحدد موعدها بعد.
كما أجرى تعديلا حكوميا طفيفا، وأطلق سراح عشرات المعتقلين في مسيرات الحراك، خلال الأشهر الماضية، وهو مطلب للمعارضة ومنظمات حقوقية.
وبشأن عنوان كتابه “من أين نبدأ التغيير؟”، يقول بكيس إنّه “ليس أكاديميا بقدر ما هو إعلامي، يجذب المتلقي للنقاش الحاصل في الجزائر حول أدوات التغيير”.
ويضيف أن “الإشكالية المطروحة بقوة اليوم، كان لا بد من إعادة صياغتها بشكل موضوعي ونسبي أكاديمي لنقل النقاش من الأفكار المسبقة والأحكام القيمية إلى محاولة التأسيس لنقاش موضوعي يُجيب عن الإشكالية”.
ويتابع: “لدينا رغبة جامحة في التغيير، لكن لسنا متأكدين من المسارات الطبيعية والمناسبة للتغيير في الجزائر”.
ويستطرد: “شروط الحراك متوفرة، لعدم الرضا على مخرجات التسيير الاقتصادي والتنظيم المجتمعي، التي تعقدت بفعل كورونا وبفعل الاختيارات الخاطئة وعدم قدرة المؤسسة السياسية، لما بعد الانتخابات الرئاسية، على تحقيق جزء مما يتوق إليه الجزائريون”.
ووصل تبون إلى الرئاسة في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2019، عقب فوزه بالانتخابات، وتعهد بإصلاحات جذرية اعتبر فيها تعديل الدستور بمثابة حجر الأساس.
وحاز مشروع تعديل الدستور، الذي طُرح للاستفتاء في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، موافقة 67 في المئة من المصوتين، لكن بنسبة عزوف قياسية، حيث بلغت المشاركة نحو 24 في المئة.
ويقول بكيس، إن المؤسسة السياسية لم تستطع توفير “الحرية السياسية وفتح المشاركة للجميع، هذا لم يحدث فقد بقينا نعيش نوعا من الانتقائية في الاختيار وفي منح الاعتماد للأحزاب السياسية والجمعيات”.
ويعتبر أن “هناك حالة توجس وتحفظ كبير وترقب من ردة فعل المجتمع لعدم اقتناع جزء واسع من الجزائريين بما تحقق اليوم”.
ويرى أن “هذا طبيعي وكأنّ هناك معركة للحراك لم يتم حسمها إلى الآن، ولم يتم إنجاز الأهداف بالشكل الكافي، لأنها لم تنتقل من معركة الشارع إلى معركة المؤسسات”.
و”أنتج الحراك جزءا مجتمعيا، ولا يمكنه العودة إلى الوراء، لأنه جزء من جزائر ما بعد الانتفاضة، التي يبحث فيها جزء من الشعب باستماتة عن أدوار جديدة، ولن يتراجعوا عن ذلك”، بحسب بكيس.
ويصف هذا الأمر بـ”الصحي، لكون الحراك أنتج فئة بقي عليها فقط الانخراط في الفعل السياسي عندما تجد الانفتاح المؤسساتي وفضاء النخب الحاكمة لا تشوبه شائبة، وبالتالي الدخول إلى مرحلة التدافع من داخل الدولة”.

ماذا حقق الحراك؟
وعن تقييمه للحراك، بعد مرور عامين على انطلاقه، يعتبر بكيس أنه “قيمة مضافة، استطاع طرح الإشكالية أكثر من تقديم الإجابة”.
ويرى أن “الجزائر كانت تعيش ركودا سياسيا، تميز باستقالة الشارع السياسي والمجتمعي من السياسة، وحجم الفساد كان متزايدا”.
ويتابع أن “الحراك أجبر النظام على الاعتراف بأنه كان يُسير بمنطق العصابة وانتهاك الحريات وسرقة المال العام”.
وبخصوص نقاط ضعف الحراك، يحصرها بكيس في “هشاشة التنشئة السياسية التي تسمح بالتغيير، وعدم وجود نضج كافٍ بإمكانه معالجة المشكل وتقديم الحلول”.
ويردف أن “الجزائري لم يكن يعيش في فضاء سياسي طبيعي، ولم تكن هناك ممارسة لتنشئة سياسية منظمة وحقيقية، بل سادت الفوضى في كل القطاعات، ومنها الفضاء السياسي”.
ويزيد أن “المجتمع أصبح يُجرم الفعل السياسي، وتحول العمل السياسي إلى شبهة، لأنه اختُزل في مسألة محاولة الاقتراب من السلطة للانتفاع الشخصي”.
ويستكمل: “شرائح واسعة ترى أن الحراك لم يحقق شيئا، وهذا منظور تاريخي طبيعي، لكن الحراك الذي لا يحقق نتائج تغيير راديكالي لا يسمى ثورة، وإنما محاولة تغيير، ويُدرج ضمن الثورات الفاشلة”.

هل ما زال التغيير قائما؟
وفي قراءته لمستقبل البلاد، يقول بكيس إن “الواقع الجزائري دائما كان نتيجة صراع على السلطة وتوزيع النفوذ والمصالح داخل كل المجالات”.
ويضيف أن “أي تغيير يعني إعادة توزيع الثورات والنفوذ، وهذا يقتضي مقاومة بحد أدنى من الفئات المستفيدة، سواء كانت بأعلى هرم السلطة أو في أدنى المستويات”.
ويتابع: “أن تكون هناك مقاومة طبيعي جدا، وتشتد المقاومة عندما تحدث خلخلة لطريقة توزيع السلطة”.
ويتوقع بكيس أن “يكون هناك تقدم مجتمعي من أجل التغيير، مع بقاء مقاومة، لدرجة تشعرك أن مشروع الحراك والتغيير انهارا كلية”.
ويرى أن “هذا شعور ظرفي، لأن عملية التغيير جزء من الواقع الذي تعيشه المجتمعات، وتحقيق الأهداف لا يتم بنفس الحكم الزمني الذي يتصوره الأفراد، فقد يتطلب مسافة طويلة قد توزع على أجيال كاملة”.
ونور الدين بكيس أكاديمي في جامعة الجزائر العاصمة، وباحث في علم الاجتماع السياسي.
وصدرت له مؤلفات، منها: “كيف تصبح مواطنا سيئا في الجزائر؟”، و”صناعة الغضب والعدوانية في الجزائر”، و”الحراك الشعبي الجزائري النسخة المنقحة لثورات الربيع العربي”.

(الأناضول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى