أخبار رئيسية إضافيةأخبار وتقاريرمحلياتومضات

د. علا أمارة عمري: سيدة الأرقام الصعبة

عائشة حجار

في بداية مشوارها لدراسة الدكتوراة سألتها مرشدتها كم طفلًا لديك، تجاهلت علا السؤال أول مرة، لكن المرشدة أصرّت بالسؤال فأجابتها “خمسة”، فما كان من المرشدة إلا أن تقول لها إن دراسة الدكتوراة مع خمسة أطفال أمر صعب جدًا.

صحيفة “المدينة” التقت د. علا أمارة عمري، من مواليد كفركنا ومتزوجة في قرية صندلة، بعد أن أنهت هذا المشوار الـ “صعب جدًا” بتميز يليق بها.

في فترة عصيبة يمر بها مجتمعنا، نبحث عن الأمثلة الجميلة للمثابرة والنجاح والسعي للتفوق، ومن هذه القصص تبرز قصة د. علا أمارة عمري، المحاضرة الأكاديمية في موضوع الرياضيات التي تفوقت في حصولها على شهادة الدكتوراة في الجبر.

بداية الطريق

تبدأ القصة بشكل اعتيادي نسبيًا، حيث أنهت علا لقبها الأول في موضوع الرياضيات، وخلال دراسة اللقب الثاني وعملها كمعيدة في كلية الرياضيات في جامعة حيفا، بدأت ببناء أسرتها، الأمر الذي جعل حلم الوصول الى دراسة الدكتوراة يبتعد. تقول علا في حديثنا معها: “عندما أنجبت طفلي الخامس، اعتقدت أن تحقيق حلمي بالدكتوراة بات مستحيلًا. لكن في تلك الفترة بالذات بدأ ضغط رهيب من حولي لاستمر في الدراسة، فزملائي المحاضرون في أكاديمية القاسمي كانوا يشجعونني دومًا لإكمال الدراسة، ومع انني توجهت للجامعة، إلا أن الامر بدا لي بعيدًا. في الواقع ففي الطريق إلى الجامعة، قلت لزوجي إنني أخشى هذه الخطوة ولا أرغب بها حقُّا، إلا أن زوجي شجّعني وقال إن عليّ أن أخوض التجربة، فزوجي كان يدفعني دائما للدراسة ويقول لي إن لدي قدرات وعليّ استغلالها”.

تضيف: “توجهت إلى الجامعة وطلبت أن تكون لي موجهة أنثى لأنني متدينة ولا أفضل أن يكون المرشد رجلًا، وفعلا حصلت على مرشدة سلّمتني الكثير من المواد لدراستها، وهنا كان التحدي الأول، فأنا أنهيت دراسة اللقب الثاني قبل عشر سنوات، وكان عليّ أن أنعش ذاكرتي بالدراسة لساعات طوال. بدأت أراجع المادة من الصفر وأدرس بشكل ذاتي. بعد شهرين، أخبرتني المرشدة بأنها مستعدة لأن تكون مرشدتي خلال مسيرة الدكتوراة، حيث رأت أن لدي إصرار ومثابرة للدراسة”.

التحديات

لم تكن الطريق إلى شهادة الدكتوراة في الرياضيات معبّدة وسهلة، فبدايةً كانت الصعوبة في كونها طالبة الدكتوراة العربية الوحيدة في القسم، ونظراً لقلة الطلاب العرب في هذا المجال فقد رافقت النظرة النمطية علا خارج البلاد حيث تقول: “شاركت في مؤتمر في المانيا وهناك سألني الباحثون الأجانب أكثر من مرة إذا كنا، نحن العرب، نُعلم بناتنا الرياضيات، وحتى إذا كان هنالك عرب يعيشون في اسرائيل. هذا السؤال زاد من إصراري لأكون ممثلة للعرب وللمسلمين، وأن أثبت أننا باحثون ويمكننا الوصول إلى أعلى المراتب”.

وتصف علا التحديات التي واجهتها كمعيدة في الجامعة فتقول: “كانت تزعجني النظرة إلينا كنساء مسلمات على أننا لا نساوي غيرنا في قدراتنا البحثية، فكان عليّ أن أتميز أكثر من غيري لكي أثبت أنني كمسلمة أستطيع فعل كل شيء. كنت أذكّر نفسي طوال الوقت أن النساء المسلمات هنّ أول نساء بحثن الرياضيات والجبر فكيف نعتقد أنهن لا يستطعن إنجاز ما ينجزه غيرهن اليوم؟”.

ومع أن علا تذكر لحظات صعبة “أحيانا كنت أصل حدّ البكاء بسبب الضغط الشديد، وأسأل نفسي لماذا أسلك طريقا صعبا كهذا”، لكن الاصرار والاجتهاد أوصلاها في النهاية إلى هدفها، فبالعمل والمثابرة يمكن الوصول إلى أي شيء.

الاكتشاف

أمّا عن الاكتشاف الذي وجدته لتستحق الدكتوراة فتقول علا: “لقد اخترت موضوعًا لم يكن فيه تقدم بحثي خلال آخر 15 سنة، فبحثي كان حول نظرية التمثيل للمجموعة المتماثلة، حيث صغت معادلة تمكننا من معرفة حركة الجسيمات التي تتحرك بشكل متماثل وهو أمر يساعد في بحث فيزياء الكم. بكلمات أبسط فقد اكتشفت طريقًا سهلًا وسريعًا لأعرف الطريق الذي يسلكه الجسيم خلال دقيقتين فقط، والذي تطلب في الماضي 15 ساعة لإيجادها عن طريق برنامج في الحاسوب، وقد دُعيت لمؤتمر رياضيات في جامعة براون-الولايات المتحدة لعرض هذه النتائج”.

هدية للمجتمع وللعائلة

طوال لقائنا معها كانت د. علا تذكر أبناءها ومجتمعها في كلمات تظهر تفاني هذه الباحثة لمن حولها فتقول: “أثمن هدية أهديها حصلت عليها في هذه المسيرة هي أنني أصنع شيئًا كبيرًا على صعيدين: أولا فإنني أفيد مجتمعنا الذي يعاني من نقص حاد في البحث العلمي. ومن جانب آخر فأنا أفدت عائلتي بأنني فتحت طريق الدراسة الجامعية لأبنائي، فوجود شخص أكاديمي في العائلة يجعل الأبناء يكبرون في بيئة أكاديمية ويجدون سهولة أكبر في الوصول الى الحياة الاكاديمية. بالنسبة لي فأنا أرشد إبني إلى المكان الصحيح، خاصة أن بعض الباحثين كانوا يتعاونون مع أبنائهم في ابحاثهم”.

رسالة إلى أبنائنا

في نهاية اللقاء، وجّهت د.علا رسالتها إلى أبنائنا وبناتنا، فتقول: “البحث العلمي مهم وبه تتقدم الأمم، فأنا أقول لهم لا تخافوا من التوجّه إلى عالم الابحاث وخوض أصعب التحديات، لا تكتفوا باللقب الاول والثاني، ولا تغرقوا في العمل على حساب علمكم وشغفكم، فالعمل لن ينتهي. مجتمعنا يحتاج إلى باحثين متميزين وباحثات متميزات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى