أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

لقاء مع د. حسن صنع الله حول الذكرى الـ 103 لوعد بلفور وتداعياته فلسطينيا وعربيا

الواقع العربي الرسمي أصبح عبئا على الملف الفلسطيني
لم نفشل في تحميل الآخرين تبعات هذا الوعد ولا يمكن القول إن الدعاية الصهيونية نجحت في تصدير روايتها

ساهر غزاوي
أطلّت علينا الذكرى الـ 103 لصدور وعد بلفور، الذي غيّر مجرى تاريخ الشرق الأوسط، في وقت يواجه الفلسطينيون فيه ضغوطا سياسية كبيرة، تتمثل في قيام أنظمة عربية، بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بزعم خدمة القضية الفلسطينية، فيما تمضي الإدارة الأمريكية في مخططها المعروف سياسيا باسم “صفقة القرن”، وهو مخطط يتجاوز حقوق الفلسطينيين والقرارات الدولية، وقد وصفه الفلسطينيون بأنه يمثل “وعد بلفور 2″، كونه يمكن الاحتلال من السيطرة على مساحات واسعة من أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة على الأراضي المحتلة عام 1967.
ففي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا في تلك الفترة، جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، لتُعرف فيما بعد باسم “وعد بلفور”. هذا الوعد المشؤوم الذي منحت بموجبه بريطانيا حقًا لليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، في أكبر عملية احتيال سياسي في العالم، قام فيها من لا يملك بتمكين من لا يستحق بناءً على المقولة المزيفة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، في وقت لم يكن لبريطانيا فيه أية صلة قانونية بفلسطين. وكان نتاج هذا “الوعد” البريطاني إعلان قيام الكيان الإسرائيلي في 15/5/1948 على حساب شعب فلسطين وأرضه.
“لم يكن التصريح وليد ساعته، بل هو عبارة عن خلاصة فكرية وسياسية لمشاريع إستيلائية اقتلاعية للمنطقة وضعتها أكبر دولة استعمارية في ذلك الزمن- بريطانيا. وفي الوقت ذاته لا يمكننا أن نتجاهل دور بريطانيا المتحالف مع الحركة الصهيونية في تحقيق الهدف المركزي من وراء التصريح وهو الاستيلاء على فلسطين، وطرد سكانها، أو شريحة واسعة منها، والشروع بإقامة أسس دولة يهودية على أرض فلسطين. والتصريح، وإن كان رسالة شخصية أرسلها بلفور إلى روتشيلد، إلا أنه وثيقة رسمية مصادق عليها من قبل حكومته بريطانيا. ويمثل- التصريح- سياسات هذه الحكومة تجاه المنطقة وشعوبها، وفي هذه الحالة فلسطين والشعب الفلسطيني. كما يقول د. جوني منصور في مقدمة كتابه “مئوية تصريح بلفور (1917-2017) تأسيس لدولة، وتأشيرة لاقتلاع شعب”.
وفي هذه المناسبة، أجرّت صحيفة “المدينة” حواراً مع الباحث في الشؤون الفلسطينية د. حسن صنع الله، للوقوف عند الذكرى الـ 103 لصدور الوعد المشؤوم.

المدينة: كيف تقرأ مرور 103 أعوام على وعد بلفور في ظل الهرولة إلى التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية؟
د. حسن صنع الله: لا زال الشعب الفلسطيني يعاني من تبعات تصريح بلفور وتطبيقه على أرض الواقع إلى يومنا هذا، فبجرة قلم أصبح 60 ألف يهودي هم أقلية مهاجرة بفعل الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين لهم الحق في وطن قومي مقابل 700 ألف هم الأغلبية الفلسطينية أصبحوا مجرد مجتمعات غير يهودية ارتكبت بحقهم المجازر وشردوا من ديارهم وسرقت أراضيهم. الملف الفلسطيني لا زال على حاله لم يحل، والشيء الوحيد الذي تغير في المعادلة هو تحول الجماعة اليهودية من أقلية وظيفية إلى دولة وظيفية قوية مدعومة من كل الغرب الصهيو- صليبي، وهذه الدولة اليوم معترف بها دوليا، وهي عضو في الأمم المتحدة، ولديها علاقات دبلوماسية مع 159 دولة. أضف إلى ذلك الآن اعتراف دول عربية بها والتطبيع معها وفتح سفارات ومكاتب تمثيل وهناك دول تنتظر التطبيع وما خفي أعظم. والحقيقة أن الواقع العربي الرسمي أصبح عبئا على الملف الفلسطيني، وما هو حاصل الآن هو مجرد انتقال التطبيع من السر إلى العلن ليس أكثر، فالتسريبات الإسرائيلية تتحدث عن علاقات سرية مع بعض الدول التي أعلنت عن تطبيعها للعلاقات منذ عشرين عاما، وهناك بعض الدول التي سيتضح حينما تتكشف الأوراق أنها تطبع سرا منذ ثمانينات القرن الماضي وعلى رأس هذه الدول دولة خليجية كبيرة.

المدينة: إلى أي مرحلة وصلت القضية الفلسطينية؟
د. حسن صنع الله: تأتي ذكرى وعد بلفور هذا العام وسط مخاطر تهدد بتصفية القضية الفلسطينية وعلى رأسها “صفقة القرن” التي يراها البعض استكمالا لوعد بلفور المشؤوم. على صعيد النظام العربي الرسمي القضية الفلسطينية لم تعد بروتوكوليا، كما ينص على ذلك ميثاق الجامعة العربية، ولا عمليا محل إجماع رسمي، لا بل أصبحت هذه الأنظمة تمارس الضغط على السلطة الفلسطينية ماديا وسياسيا للتنازل، كما وتدعم بدون خجل المشاريع والصفقات المشبوهة من أجل تصفية القضية. زد على ذلك تحاول هذه الأنظمة خلق جوي معاد للقضية، ووعي عام مريض خال من الحس العروبي الوطني، ومعاد لكل ما هو إسلامي وفلسطيني ويتماشى مع الرواية الصهيونية والرغبات الغربية الصهيو- صليبية المتحالفة والمنحازة للاحتلال. يمكن القول بدون مبالغة أن الأنظمة العربية منذ 75 عاما وإلى يومنا هذا، ساهمت وفي وأد مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، كما وعزّزت من ازدياد رقعة الخلاف البيت الفلسطيني، وعملت على إفشال جميع الوساطات التي دفعت باتجاه المصالحة الفلسطينية.
بالنسبة للجانب الفلسطيني كان له دور رئيس في إضعاف الملف الفلسطيني، فقد تحولت منظمة التحرير من الخنادق إلى الفنادق، وكانت البداية بـ “أسلو” وما جلبته من كوارث على الشعب الفلسطيني، إذ لأول مرة في تاريخ الشعوب المناضلة تتحول حركة مناضلة من حركة تحرر إلى حركة تنسق أمنيا مع الاحتلال، وتخضع لضغوطات دول مانحة هي الأساس في انشاء المشروع الصهيوني وتثبيته على أرض الواقع، وهي الدول نفسها التي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال المشاريع المشبوهة.

المدينة: كيف يمكن إثراء ذاكرة الأجيال الشابة بمناسبات مرتبطة بالشعب الفلسطيني وسط محاولات محمومة من جهات عدة لمسخ ذاكرة شعبنا ووعي الأجيال القادمة؟
د. حسن صنع الله: على صعيد الداخل الفلسطيني تعاني الاجيال الشابة من أزمة هوية، فالجانب المطلبي عند العديد من أبناء الداخل يطغى على الجانب الوطني وعلى الثوابت والهوية الوطنية، ويغذي هذا التوجه قيادات وأحزاب رضيت بالتغريد من داخل السرب الاسرائيلي باسم الواقعية وفن الممكن، والعمل تحت سقف المشروع الصهيوني، ولا شك أنه منذ العام 2015 انحسر العمل الوطني والشعبي وتراجع إلى حد كبير، لدرجة أن العديد من القيادات السياسية أصبح لا دخل لها بالعمل الوطني والشعبي، وتكاد هذه القيادات تكون غائبة تماما عن الشارع. وعليه كنّا نردد دائما أن هناك حاجة إلى بناء البيت الوطني الفلسطيني على صعيد الداخل الفلسطيني بعيدا عن المشروع الصهيوني وبعيدا عن ديباجات الشراكة وما يسمى العمل من الداخل من أجل التأثير، فكل هذه الديباجات أثبتت أنها أوهام وسراب يحسبها الظمآن ماء.
على صعيد الشتات الفلسطيني هناك وعي أكبر لدى الأجيال الشابة، حيث تحرروا بشكل أكبر من الضغوطات التي يخضع لها أبناء الداخل، لا بل أصبح لديهم ولدى الشباب العربي القدرة على مناكفة الذباب الالكتروني الذي تحاول من خلاله الأنظمة العربية المطبّعة تشويه القضية الفلسطينية انتصارا للرواية الصهيونية، وتحميل الفلسطيني فشل وتراجع الملف الفلسطيني على الصعيد العالمي.

المدينة: لماذا فشلنا ربما في تحميل الآخرين وبريطانيا بطبيعة الحال هنا تبعات وعدها المشؤوم في حين نجحت الدعاية الصهيونية في تصدير روايتها؟
د. حسن صنع الله: لا يمكننا القول إننا فشلنا في تحميل الآخرين تبعات هذا الوعد المشؤوم، كما لا يمكن القول إن الدعاية الصهيونية نجحت في تصدير روايتها، فالأمر يتعلق كما يقال بمن تسأل، فالرواية الصهيونية والمشروع الصهيوني رغم التطبيع لا تمثل إلا الأنظمة العربية وهي غير حاضرة ومرفوضة لدى الشعوب العربية، وهذا الكلام مشفوع باستطلاعات رأي أجريت في العالم العربي وفي البلدان المطبعة عدا الإمارات.
أما فيما يتعلق ببريطانيا والغرب، فهي ديمقراطيات “على نطاق محلي” أما على نطاق الأمن القومي فتحكمها العقلية الصهيو- صليبية المعادية للعرب والإسلام، ولا ننسى أن هذه الدول كانت أول من سارعت إلى تأييد التطبيع وتشجيع بقية الدول العربية للتطبيع على غرار ما فعلت الإمارات والبحرين، وهذا دليل على عملها الدؤوب إلى الآن لتفريغ الملف الفلسطيني من مضمونه وتصفيته إلى غير رجعة. فالروح الصهيو صليبية التي سيطرت على أوروبا لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وليس أدل على ذلك من مقولة الجنرال “اللمبي” عندما احتلت بريطانيا فلسطين “الآن انتهت الحروب الصليبية وأصبحت القدس لنا أبدية”، ومن يملك هذه الروح من الصعب عليه تقبل الرواية الفلسطينية، وليس أدلّ على ذلك من تصريحات “تريزما ماي” رئيسة وزراء بريطانيا السابقة التي قالت بالحرف الواحد أمام حزبها: “إن وعد بلفور وثيقة تاريخية ولهذا فإن حكومة جلالة الملكة لا تنوي الاعتذار، ونحن فخورين بدورنا في انشاء دولة اسرائيل… وفي ذلك السياق كان انشاء وطن قومي للشعب الذي يملك روابط دينية وتاريخية بتلك البقاع شيئا صحيحا واخلاقيا..”.

المدينة: أكاديميا، هل موضوع التصريح لا يزال حيا وذي تأثير في ميادين متنوعة؟
د. حسن صنع الله: المؤسسة الإسرائيلية سياسة أمر واقع منذ 72 عاما بقرار أممي جائر، والتصريح أصبح ذكرى يفتخر بها الغرب وعلى رأسهم بريطانيا، وسيتذكر مآسيها ويعاني من تبعاتها الشعب الفلسطيني، وعليه لا تتعامل الأكاديميا مع هذه الذكرى بقدر ما تتعامل مع تبعات هذا التصريح. ولا تزال تبعات هذا “الوعد” الكارثية تلاحق الفلسطينيين على كل شبر من وطنهم وفي الشتات كان آخرها صفقة القرن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى