أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحو تقويم المقاطعة الاقتصادية

د. أنس سليمان أحمد
لماذا يتردد المسلمون في استخدام سلاح المقاطعة السلبية ليؤدي بعض النتائج، او ليشعر المسلم على الأقل بأن له دور ولو كان محدوداً يستطيع أن يقوم به؟ إنه جزء من الإنكار القلبي أو العملي السهل الذي لا يخسر فيه المرء أكثر من أن يختار صناعة عربية أو إسلامية أو يابانية أو حتى أوروبية عند الحاجة وربما تكون بالميزات نفسها وبالسعر ذاته – وفي قصة ثُمامة بن أُثال سيد بني حنيفة عبرة، فقد قرر ألا يصل إلى كفار مكة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى هنا انتهى كلام الدكتور سلمان العودة – فك الله أسره-.
يعد سلاح المال والمقاطعة الاقتصادية والتجارية من أبرز أسلحة الردع التي تمتلكها الشعوب ضد المعتدي عليها، سواء من الداخل أو الخارج.
ليس البعد الاقتصادي والمادي والسياسي هو المحرك الأساسي لإشهار سلاح المقاطعة، بل البعد الديني أيضا، كما حدث مع المقاطعة العربية الواسعة للسلع الدنماركية والنرويجية في العام 2006م احتجاجا وقتها، على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد عليه السلام، التي نشرت في الدنمارك والنرويج. ولم تخمد نار المقاطعة الشعبية الواسعة إلا عقب اعتذار الصحيفة المسيئة وكبار المسؤولين في الدولتين عن الرسوم.
يتكرر المشهد حاليا مع السلع والمنتجات الفرنسية التي تشهد مقاطعة واسعة من قبل شعوب بعض البلدان العربية والإسلامية مع إصرار الرئيس الفرنسي ماكرون على الإساءة للدين الإسلامي.
سلاح المقاطعة للسلع والمنتجات الفرنسية سيجبر ماكرون في النهاية، إما على الاعتذار عن الإساءات المستمرة للدين الإسلامي والنبي محمد عليه السلام، أو على الأقل وقف السياسة العنصرية التي يمارسها بحق الإسلام والمسلمين، أو أن تتعمق الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها فرنسا حاليا.
الأفراد هم الذين يمارسون المقاطعة الاقتصادية فعلياً، سواء بالإمتناع عن التعامل أو بالدعوة والحث على إمتثال تلك الممارسة، والأفراد ومنعم رجل الأعمال ومنهم العالم والداعية ومنهم الأشخاص العاديون، ويبرز أهمية دور الأفراد من خلال أمرين:
الأول: ثقة مطلقة في الأفراد – وأن لكل فرد دوره- وقدرتهم على إحداث التأثير الإيجابي المنشود سواء في سياسات بلادهم أو البلدان المعتدية وعلى رأسها فرنسا بعد إساءتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن الأفراد هم أقوى حلقات الآليات المهمة في تنفيذ عملية المقاطعة الشاملة والاقتصادية على وجه الخصوص، وإذا كانت أغلب الدول العربية والإسلامية قد اختارت السكوت عن الإساءة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الجماهير المسلمة أثبتت قدرتها على الإنتصار لنبيها.
تقويم أدوار الشعوب في المقاطعة:
أولاً: تقويم دور رجل الأعمال أو التاجر:
رجل الأعمال أو التاجر وإن كان فرداً لكن دوره من الأهمية بمكان في ممارسة المقاطعة الاقتصادية من حيث دعمها أو إضعافها، فالتاجر هو من يقوم بتوريد السلع إلى الأسواق أو تصديرها، فهو القناة التي بواسطتها تنفذ إلينا البضائع والأقوات، فمساهمته في لعب الدول المناسب في عملية المقاطعة لا شك أنه مؤثر جداً وضروري لتفعيل سلاح المقاطعة.
ومن المعلوم عند حدوث ما يستدعي الحث على ممارسة المقاطعة الاقتصادية بسبب نازلة ضد المسلمين، أو إهانة لرسول العالمين، فمن التجار أو رجال الأعمال من يستجيب لنداء المقاطعة، وفيهم من لا يستجيب لأسباب مختلفة، إما عدم قناعة، أو لا مبالاة، أو غير ذلك من الأسباب، وهذا لا شك يدلل على أن المقاطعة الاقتصادية كسلاح لا تزال بحاجة إلى تقويم وتطوير في منهجية تفعيلها وسبل تطبيقها.
ثانياً: دور العلماء والدعاة:
دورهم لا شك أنه رئيس في موضوع المقاطعة الاقتصادية، إذ المنطلق لهذه الممارسة هو دفع الصائل، والقيام بواجب نصرة الدين، والعلماء هم من يوقع عن رب العالمين في مشروعية إستخدام هذه الوسيلة – المقاطعة-.
وعند النظر في مدى ما قام به الدعاة والعلماء ومجالس الإفتاء ودور الإفتاء من دورٍ في دعم المقاطعة الاقتصادية على أحداث الرسوم الكاريكاتورية الفرنسية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، نجد أنه قد صدر من كثير منهم بيانات تحث على المقاطعة وتدعو عموم المسلمين لنصرة دينهم وبذل ما يمكنهم تجاه قضايا أمتهم ولا أقل من الإمتناع عن شراء بضائعهم أو بيعهم بضائعنا للتضييق عليهم ودفعهم للتراجع عن بغيهم وإساءتهم لنبينا.
استعرض هنا فتوى وبيان المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الذي حثّ على دعوة مقاطعة المنتوجات والمصنوعات الفرنسية، حيث جاء فيه:
إنّ الإساءة لنبي الإسلام محمّد صلّى الله عليه وسلّم أو لأيٍّ نبي من الأنبياء أو لأي شعيرة من شعائر الإسلام تعتبر تعدياً لجميع الثّوابت والحدود الشّرعية والأخلاقية والإنسانية.
ومسؤولية إنكار ذلك تقع على عاتق كل مسلمٍ بحسب قدرته واستطاعته.
ومن هنا ندعو المسلمين في جميع أقطار العالم الإسلامي إلى مقاطعة منتوجات ومصنوعات الشّركات الفرنسية التي لم تعلن براءتها من الإساءة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويلحق بها كل دولة أو شركة أيدت الاساءة ولو بالتّبرير.
وذلك من باب الولاء والبراء الذي هو من أصول عقيدتنا وكتعبير عن حبّنا للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي هو من ثوابتنا الشّرعية التّي لا مفاوضة ولا مساومة عليها. إلى انتهى بيان المجلس الإسلامي للإفتاء.
ثالثاً: دور الفرد المسلم:
الأفراد المسلمون بخلاف رجال الأعمال والعلماء والدعاة هم الفاعلون الحقيقيون في ممارسة المقاطعة أياً ما كان موقعه، الطبيب، المهني، الطالب، المرأة، كل هؤلاء وغيرهم لا يمكن أن يستثنوا من معادلة المقاطعة، إذ عليهم تقوم، وبهم تنشط، ومدار قوتها وضعفها عليهم، والفرد المسلم من خصائصه لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه الدينية أو الدنيوية، فمتى ما استثير لتحقيق مراد الله ومراد رسوله ثار له وعمل به.
وأخيرًا وجع فرنسا كبير، فاقتصادهم بإنكماش خاصة مع الموجة الثانية لكورونا، وأعتقد ان الاستمرار في حملة المقاطعة لها فعالية وإيجابية، ولكن بشروط، ومن أهم الشروط العمل المنظم على تعميقها.
وبعيدا عن الآثار الاقتصادية لحملات المقاطعة والتي تأخذ وقتا طويلا ناهيك عن صعوبة اعتراف النظام الرسمي في البلد المُقاطَع بنجاحها، يكفينا بهذا السياق ما تتركه من أثر نفسي إيجابي في شخص المُقَاطِع الذي تراكمت عليه خيبات أمل كثيرة، وقد دخل البعض في حالة إحباط ويأس وشعور بعدم الثقة بالشارع، وما جرى ويجري من تفاعل كبير مع دعوى المقاطعة للبضائع الفرنسية أعاد الثقة بالشارع العربي والإسلامي، وكلما كانت القضية جامعة أكثر والخصم بها واضح في خصومته كان التفاعل أكبر.
ولذلك على كلاً منا تقع على عاتقه مسؤولية المقاطعة، ومسؤولية الانتصار لنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى