أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةعرب ودوليومضات

من أجل معركة الدستور.. هل يدخل النظام الجزائري في صدام مع إسلاميي الجزائر؟

صنع تعيين الهاشمي جعبوب، القيادي في «حركة مجتمع السلم»، وزيرًا للعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، مفاجأة في أوساط الرأي العام الجزائري، إذ إن الحركة الاسلامية التي ينتسب لها الهاشمي لم تعلن مشاركتها للحكومة. بالإضافة إلى ذلك فإن توقيت هذا التعيين هو ما طرح العديد من التساؤلات، فقد أتى بعد أيّام قليلة من إعلان موقف الحركة من مشروع تعديل الدستور الجديد الذي عرضه الرئيس عبد المجيد تبّون، وهو المشاركة بـ«لا» في الاستفتاء الدستوري، وقاطعت أيضًا جلسات مناقشة مشروع الدستور في البرلمان.
تعدّدت القراءات حول خلفيات هذا القرار من طرف السلطة اتجاه الحزب الاسلامي الأكبر في الجزائر، والذي كان في فترة سابقة قريبًا من السلطة، قبل أن يتّجه إلى المعارضة منذ سنة 2012؛ إذ يرى البعض أنها ضربة للحركة من شأنها تشتيت صفوفها من خلال استقطاب قيادي رفيع داخلها، فالهاشمي جعبوب، وهو وزير سابق، يعد أحد أعضاء مجلس شورى الحزب.
من جهته فقد أدان الحزب على لسان رئيسه هذا التصرّف من جهة النظام واعتبره مؤشرًا على أن النظام لم يتغيّر، وأن هذه الفعل يأتي عقابًا للحزب على قراره السياسي بالدعوة للتصويت بـ«لا» في الاستفتاء الدستوري؛ كما جمّد عضوية الوزير وأحاله على لجنة الانضباط الحزبية.
وجاء في بيان لرئيس الحزب: «تتبرأ الحركة من هذا التصرف ولا يعنيها في شيء، وتعتبر أن اختيار رئيس الجمهورية لعضو مجلس الشورى الوطني في الحركة دون استشارتها محاولة «لإرباكها» على إثر قرارها التصويت بـ «لا» على الدستور وهذا يدل على أن شعار «أخلقة» العمل السياسي ادعاء لا أساس له في أرض الواقع، وأن التضييق على الأحزاب لا يزال سيد الموقف. ويؤكد هذا التصرف أنه لم يتغير شيء في النظام السياسي إذ إن الحركة تعرضت لمثل هذه المحاولات مرات عديدة من قبل العهد السابق. ما قام به الهاشمي جعبوب مدان ومخالف للمُثل والأخلاق، خصوصًا في هذا الزمن الذي تأكد فيه استهداف العمل الحزبي بسبب المواقف السياسية».

هل انتهى «شهر العسل» بين النظام و«حركة مجتمع السلم» نهائيًا؟
علاقة «حركة مجتمع السلم» مع السلطة في الجزائر شهدت مراحل مختلفة من الشدّ والجذب، إذ بدأت بالمشاركة في الحكومة في مرحلة التسعينات، التي نالت الكثير من الانتقادات بسببها، باعتبارها قدّمت غطاءًا سياسيًا للنظام العسكري المتّهم بارتكاب انتهاكات حقوقيّة أثناء حربه مع إسلاميي الجبهة الاسلامية للانقاذ خلال «العشرية السوداء».
ثم تواصل مشوار دعم النظام السياسي مع قدوم الرئيس بوتفليقة ومشاركة الحركة فيما سمّي بـ«التحالف الرئاسي» إلى جانب كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي (أحزاب السلطة)؛ إذ كانت الحركة تشارك في الحكومة بمجموعة من المقاعد الرئاسية، ودعمت الحركة مشروع تعديل الدستور الذي عرضه بوتفليقة سنة 2008، والذي أقرّ فتح العهدات الرئاسية، بعد أن كانت مقيّدة بعهدتيْن في دستور سنة 1995.
انتقلت الحركة إلى صفوف المعارضة سنة 2012 في ظلّ رئيسها أبو جرّة السلطاني، الوزير السابق والمقرّب من السلطة، وترسّخ هذا الخيار بشكل أكبر في ظلّ رئيس الحركة الجديد عبد الرزّاق مقري، الذي أكّد هذا الخيار ورفض عروضًا من السلطة لدخول الحكومة، وتمسّك بمشروع «الانتقال الديمقراطي» رفقة أحزاب أخرى من عدّة تيارات؛ مع تجاهل السلطات لهذا المشروع. وإثر تأكّد ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، طالبت الحركة بتأجيل الانتخابات وعقد ندوة وطنية لتحقيق الانتقال الديمقراطي.
بعد انطلاق المظاهرات الرافضة للعهدة الخامسة في 22 فبراير (شباط) 2019، شاركت الحركة في الحراك الشعبي وأعلنت مقاطعتها للانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019؛ والتي أسفرت عن فوز الرئيس عبدالمجيد تبّون.
ويرى الملاحظون أن السلطات، بعد استقالة بوتفليقة واستلام الجيش السلطة في البلاد قد حاول التقرّب من التيارات الاسلامية والمحافظة واستعمالها غطاء شعبي لتحرّكاتها.
وقد قرأ الكثير من المراقبين، بالخصوص المقرّبين من «حركة مجتمع السلم» أن تعيين سليمان شنين، القيادي في «حركة البناء الوطني» المنشقّة عن «حركة مجتمع السلم»، رئيسًا للبرلمان (أي الرجل الثالث في النظام رسميًا) خطوة لإضعاف الحركة وشقّ صفوفها واستدراجها نحو المشاركة في السلطة واستعمالها غطاءً سياسيًا للترتيبات الجديدة بعد رحيل بوتفليقة. بالإضافة إلى مغازلة شريحة الاسلاميين خلال الفترة التي شهدت مظاهرات الحراك الشعبي من أجل دعم النظام خلال الفترة العصيبة التي كان يشهدها أثناء الحراك الشعبي.
النظام عازم على تمرير الدستور.. فهل يزعجه رفض الاسلاميين؟
يبدو أن «حركة مجتمع السلم» التي كانت قريبة من النظام في مرحلة سابقة، وشاركت في العديد من الحكومات منذ التسعينات إلى غاية 2012، قد أزعجت النظام السياسي بقرارها بالتصويت بـ«لا» في الاستفتاء الدستوري المزمع إجراءه في الفاتح من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم.
وقد جاءت خطوة النظام الأخيرة باستقدام أحد قيادات الحركة في منصب وزير، لتؤكّد أن النظام عازم على تمرير مشروع الدستور، ولا يريد للأحزاب والحركات السياسيّة أن تشوّش على هذا المشروع، حسب مصادر من الحركة. وقد كان أهم ما جاءت به التعديلات الدستورية، استمرار الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية، والسماح بخروج القوات العسكرية الجزائرية خارج حدود البلاد، بالإضافة إلى تعديلات تخصّ المحكمة الدستورية.
في حديثه إلى «ساسة بوست»، أكّد عضو لجنة العلاقات الخارجية في «حركة مجتمع السلم» محمد وعراب، أن سبب قرار الحركة برفض مشروع الدستور كما وضحها رئيس الحركة الدكتور عبد الرازق مقري: «هي عدم التزام السلطة بوعودها، في تقديم مراجعات حقيقية في دستور 2016، خصوصًا مجال الحريات، وشكل نظام الحكم، وطريقة تشكيل الحكومة، وإيقاف سطوة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وصلاحيات رئيس الجمهورية المضخمة بشكل مبالغ فيه، بالإضافة الى المحددات السبعة التي استندت اليها الحركة للحكم على المشروع والتي شرحتها سابقا في أكثر من مناسبة».
وحول سؤاله عن أن الحركة قد اتجهت إلى إعطاء الرئيس الجديد عبد المجيد تبون فرصة بعد انتخابه رئيسًا، رغم رفض الحراك الشعبي لعملية الانتخابات؛ أجاب: «بكل تأكيد فإن الحركة تبحث عن الحلول السلمية دائمًا لتحقيق التغيير الذي يحلم به الجزائريون، وبعد انتخاب الرئيس تبون حصل لقاء رسمي بينه وبين وفد بقيادة الدكتور مقري ولمسنا تقاربًا كبيرًا في نقاط عديدة، لكن الأداء بعد ذلك ومسودة الدستور التي قدّمها، جعلنا نتخوف من تراجع السلطة عن الإيفاء بالتزاماتها، وما تقوم به الحركة حاليًا هو تعامل طبيعي مع ما يأتي من السلطة».
كيف تقرأ الحركة حيثيات تعيين أحد أعضاء مجلس شورى حزبها؟ أجاب محاورنا بأنّ بيان المكتب الوطني البارحة «وضح هاته النقطة وجاء بنبرة قوية،إذ تأسف ابتداءا لأن الذي حصل من اتصال مباشر بالهاشمي جعبوب جاء بطريقة اتصال نظام بوتفليقة الذي لم يكن يحترم العمل السياسي ولا النضال الحزبي، ومن حقنا أن نعتبره محاولة لإرباكنا بهكذا ممارسات، لكن توقيع العقوبة على السيد جعبوب لم تكن بتلك القوة التي اعتقدها البعض ربما وتم تجميد عضويته وإحالة ملفه للجنة التأديبية للنظر في موضوعه».
وأضاف محاورنا حول أسباب استهداف الحركة: «لأنها دائمًا تزعج النظام، وهذا بسبب قوة تنظيمها وانتشاره وقدرته الكبيرة على الصمود واستقطاب أنصار جدد بشكل مستمر، مثل هكذا أحزاب تكون مرغوبة دائما للمشاركة الضيقة قصد استيعابها، لكن ممانعة الحركة منذ 2012 دفع السلطة إلى استفزازها بشكل مستمر ولدينا تجارب عديدة لمحاولات اختراق من الداخل كما حصل مع عمار غول (وزير سابق وعضو سابق في الحركة) وغيره، لكن حمس أثبتت أنها قوية وأن تصرفات مثل هذه لن يزيدها سوى يقين بصوابية قراراتها وأن النضال السلمي هو الحل الوحيد للتغيير في الجزائر».
المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى