أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

إصابات الموجة الثانية بأوروبا أعلى من الأولى باستثناء إيطاليا.. ماذا يمكن أن نتعلم من تجربة روما القاسية مع كورونا؟

كانت مورينا كولومبي، من بلدة تروكازانو الصغيرة الواقعة بالقرب من مدينة ميلانو الإيطالية، من بين أوائل الأشخاص الذين تبينت إصابتهم بعدوى فيروس كورونا في إيطاليا، وقد خبرت جيداً معاناة الإصابة بالفيروس وتأثيره، وهي واحدة من الذين مازالوا يدفعون ثمناً باهظاً لأزمة تفشي كورونا في إيطاليا.
السيدة البالغة من العمر 59 عاماً أصيبت في البداية بأعراض مرضية خفيفة، ولكن بعد شهور من إعلان تعافيها، أصبحت من بين الذي يعانون حالة إصابة “طويلة الأمد بفيروس كورونا [حالة يُشار إليها مبدئياً باسم “متلازمة ما بعد الإصابة بكوفيد 19”] في إيطاليا، إذا لا تزال تعاني على نحو يومي آلاماً في العضلات وحالة إرهاق مزمنة وفقدان للذاكرة في بعض الأحيان.
تقول مورينا: “مشكلاتي الحقيقية تتمثل فيما خلفه الفيروس وراءه. وقد كان هذا شيئاً لم يتوقعه أحد”.
ومع ذلك، فإن الآثار طويلة الأمد لقيود الإغلاق القاسية التي استمرت لشهرين والذعر الذي عاشه سكان البلاد في ذروة حالة الطوارئ، عندما كانت البلاد تسجل أحد أعلى معدلات الوفيات في العالم، قد تحمل التفسير للأسباب التي جعلت إيطاليا، وهي الدولة الأوربية الأولى التي عانت انتشاراً واسع النطاق للفيروس بين سكانها، تبدو الآن أكثر نجاحاً من جيرانها فيما يتعلق باحتواء عودة ظهور الجائحة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

موجة ثانية ولكن إيطاليا الأقل
فقد سجلت إيطاليا يوم الثلاثاء 22 سبتمبر/أيلول 1392 حالة إصابة جديدة، فيما وصل عدد الإصابات في إسبانيا إلى 10.799، وفي فرنسا إلى 10.008، وإلى 4926 حالة إصابة في المملكة المتحدة [وهي أرقام تفوق أعداد الإصابة اليومية في ذروة الانتشار الأولى].
لا يزال غالبية الإيطاليين يتبعون قواعد السلامة الصحية بجدية، حتى إنهم يرتدون أقنعة الوجه في الخارج رغم أنها ليست إلزامية. وقد يكون السبب في ذلك أن صور الأشخاص المصابين وهم يتلقون العلاج في وحدات العناية المركزة في المستشفيات المكتظة والتوابيت المتراكمة في الكنائس ومشاهد نقلها في شاحنات عسكرية خارج مدينة بيرغامو، الأشد تضرراً، لا تزال محفورةً بشدة في الذاكرة الوطنية ونفسية مواطني البلاد.
تقول كولومبي: “لا أعرف كيف كان تأثير تفشي المرض على الناس في البلدان الأخرى، لكن تأثيره كان مدمراً في إيطاليا. وصحيح، أن لدينا نحن أيضاً منكرون للفيروس هنا، لكنني أعتقد أن ما حدث هو سبب تمسك معظم الناس بتوخي الحذر، فما عانيناه كان من الشدة لدرجة أن لا أحد يريد أن يشهد شيئاً كهذا مرة أخرى”.

تجربة فيروس كورونا في إيطاليا التي لا تنسى
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة غلوريا تالياني، طبيبة الأمراض المعدية في مدينة بياتشينزا بإقليم إميليا رومانيا شمال إيطاليا، إن سكان البلاد باتوا “متيقظين للغاية” لكل ما يتوفر من معلومات متجددة حول الفيروس وعواقبه، حتى بين أولئك الذي عانوا أعراضاً خفيفة مثل كولومبي.
يسأل العلماء الإيطاليون أنفسهم باستمرار عن الأسباب التي جعلت إيطاليا تبدي أداء أفضل من غيرها من الدول الأوروبية حيال عودة الجائحة، على الأقل في الوقت الحالي. فالإيطاليون، وإن كانوا على دراية بقواعد السلامة، فإنهم اجتماعيون بالقدر ذاته الذي عليه الإسبان، وهم يتجمعون خارج الحانات ويأكلون في المطاعم. كانت الشواطئ مكتظة خلال الصيف، كما تدفق المصطافون على المناطق ذات معدلات الإصابة المنخفضة.
وعلى الرغم من أنه كان هناك بعض التوتر في منتصف أغسطس/آب مع ارتفاع المعدل اليومي المستقر للعدوى، فإن ذلك الارتفاع يرجع في الغالب إلى حالات مستوردة وتفشي العدوى في النوادي الليلية، ومع ذلك فإن الإيطاليين نجحوا في السيطرة على انتشار الفيروس مرة أخرى. وحالياً، يوجد نحو 2300 سلسلة إصابة تراقبها السلطات الصحية في جميع أنحاء البلاد.
وهنا يشير الدكتور أندريا كريسانتي، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة بادوفا الإيطالية، إلى أنه بخلاف التبني الواسع لقواعد السلامة، فإن نظام الاختبار والتعقب الإيطالي يميز البلاد عن غيرها.

ويقول كريسانتي: “هناك كثير من الانتقادات والجدل حول هذه الأنظمة، لكن بدون نظام قوي للحصول على المعلومات، فإن الأمر لا يكون فعالاً بالدرجة الكافية، فالناس لا يتذكرون بالضرورة مكان وجودهم أو الأشخاص الذي التقوا بهم”.

كيف يتم التعامل مع أزمة تفشي كورونا في إيطاليا بعد عودتها مجدداً؟
النهج الذي اتبعته إيطاليا هو اختبار كل شخص داخل الشبكة الاجتماعية للشخص المصاب، أسرته وأصدقائه وزملائه وجيرانه، بغض النظر عما إذا كانوا خالطوه مباشرة أم لا. وقد مكّنت هذه الطريقة إيطاليا من الكشف عن آلاف من الحالات المصابة التي لم يكن يظهر عليها أعراض إصابة.
ويقول كريسانتي: “هذه الطريقة أتاحت لنا تحديد ناقل العدوى وأيضاً المصابين الجدد، وهذا يُحدث فرقاً كبيراً”.
وأضاف كريسانتي أن إجراء الاختبارات في عديد من مراكز قيادة السيارات والمطارات قد ساعد أيضاً، إذ يتعين على جميع القادمين من البلدان المعرضة لخطر التفشي الخضوع لاختبارات الفيروس، في حين شرعت البلاد في تجربة تقتضي أن يقدم مسافرو الرحلات الجوية بين روما وميلانو نتائج سلبية معتمدة لإثبات عدم إصابتهم، ويمكن أن تعمَّم قريباً على جميع الرحلات الجوية الدولية.
ومع ذلك، يقول كريسانتي إنه “ليس متأكداً من مدى استدامة هذه الإجراءات وتطبيقها على نطاق واسع، خاصة مع عودة الرحلات الجوية وزيادتها. لكن أفضل شيء هو الدخول في اتفاقيات متبادلة مع دول مختلفة، وهذا ما سنحتاج إليه في المستقبل”.

الخوف من المدارس
أما الدكتور جوزيبي إيبوليتو، المدير العلمي في مستشفى لازارو سبالانزاني بروما، فيعزو استقرار أعداد حالات الإصابة في إيطاليا إلى نظام المراقبة والاحتواء واسع النطاق، إلا أنه يحذر من أن التأثيرات التي قد تتبع إعادة فتح المدارس في 14 سبتمبر/أيلول وعودة استئناف النشاط الاقتصادي بعد الإجازات لن تكون معروفة قبل أسبوعين آخرين. بالإضافة إلى أن ملاعب كرة القدم سُمح لها منذ يوم الأحد 20 سبتمبر/أيلول باستقبال 1000 متفرج كحد اقصى.
يقول إيبوليتو: “شخصياً، كنت أفضل لو ظلت الملاعب مغلقة لفترة أخرى. لا نعرف ما الذي سيحدث، الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله الآن هو الأمل في الحفاظ على منحنى دخول المستشفيات والخضوع للعناية المركزة في حدِّه الأدنى من الزيادة”.
من الجدير بالذكر أن عدد حالات دخول المستشفيات زاد على نحو مضطرد منذ أواخر أغسطس/آب، فقد خضعت 2604 حالات مصابة للعلاج في جميع أنحاء البلاد، ومنها 239 حالة أدخلت إلى العناية المركزة.
كما نسبت الدكتورة تالياني، طبيبة الأمراض المعدية، بعض الفضل إلى رسائل الحكومة الواضحة والبسيطة والمنظمة للجمهور.
وقالت: “حتى وإن كانت هناك بعض الخلافات، فإن علينا أن نقر بأن الحكومة كانت حازمة، وحافظت على أسلوب عمل ملتزم وصارم حقاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى