أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“أوسلو”.. مشروع مأزوم وطريق مسدود (2).. نتائج تداعيات أوسلو

ساهر غزاوي
كنا قد وقفنا في المقالة الأولى على توقيع اتفاق “أوسلو” الذي يُعرف رسميا باسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، عند تأثير “أوسلو” على المشروع التحرري الفلسطيني بحيث كان هذه الاتفاق باكورة انفراط عقد بعض الأنظمة العربية ومجاهرتهم بالتطبيع والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وفتح الاتفاقيات معه. وبيّنا كيف أن هذا الاتفاق أدى إلى تحولات واسعة في الحقل السياسي الفلسطيني، كان من أبرزها تهميش دور منظمة التحرير الفلسطينية سياسياً، وترهّل مؤسساتها الجماهيرية، وتولي السلطة الوطنية الفلسطينية بدلاً منها الدور الأساس في تنظيم الشؤون السياسية والمَدَنية لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن إحدى أهم تبعات التي شكلها هذا الاتفاق، هو تفكيك الكيان السياسي الأبرز للشعب الفلسطيني والعنوان الجامع الذي كان يرسخ ببرامجه وميثاقه الوطني وبمؤسساته وفصائله، وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وما كان يُعتبر أحد أهم مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية.
وفي هذه المقالة ننتقل بالحديث عن نتائج تداعيات اتفاق “أوسلو” التي أثقلت على القضية الفلسطينية ومشروعها التحرري برمته نقاط خمس المتمثلة فيما يلي:
أولا: أدت إلى تكريس واقع سلطة وهمية تحمي الاحتلال، حيث نجحت إسرائيل بامتياز في تطوير احتلالها المناطق الفلسطينية لتحوله إلى احتلال “ناعم” من دون أن تتحمل إسرائيل أي تكاليف وتحسن صورتها أمام العالم بعيداً عن المس بجوهر الاحتلال.
ثانيا: انقسام سياسي ثم الانقسام الجغرافي، حيث أن الانقسام الجغرافي بين غزة والضفة عام 2007 لم يكن إلا نتيجة منطقية لحالة الانقسام السياسي الذي تبلور مع توقيع اتفاق “أوسلو”، فقد جسد الاتفاق منهجين مختلفين؛ الأول الذي انخرط في مشروع التسوية بالاستناد إلى البعد الإقليمي والدولي على أرضية الشرعية الدولية، والثاني مشروع المقاومة والتمسك بالثوابت ورفض الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية، ومع الوقت تحول الانقسام السياسي إلى انقسام وشرخ أفقي على المستوى الجماهيري وعمودي على مستوى النخب السياسية والثقافية.
ثالثا: تتمثل في توفير بيئة آمنة للمستوطنين في الضفة الغربية، حيث يعتبر التنسيق الأمني جوهر اتفاق “أوسلو” ساهم ليس في تقليص المقاومة فحسب، بل نجح في منعها كاملاً لعدة سنوات متواصلة وباستثناء مرحلة انتفاضة الأقصى عام 2000 حتى اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، والتي تراجع فيها التنسيق الأمني بشكل كبير، فإن هذا التنسيق أوجد بيئة مريحة للاحتلال والمستوطنين خاصة بعد عام 2005، وإعادة تأهيل الأجهزة الأمنية بإشراف الجنرال الأميركي كيث دايتون في الضفة الغربية وإعادة تشكيل قيادة السلطة بما يخدم الهدف الإسرائيلي وإدامة وتعميق التنسيق الأمني، وتراجع المقاومة وغيابها بالكامل ولفترات طويلة، شجع المستوطنين وبدعم من حكومات اليمين المتطرف على الاستيطان في الضفة الغربية وزيادة ما يسمى بالبؤر الاستيطانية العشوائية، فلم يكن يتجاوز عدد المستوطنين عام 1993 في الضفة الغربية 116 ألف مستوطن، وفي القدس 144 ألفاً، أما في عام 2016 فقد وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى 420 ألف مستوطن، و240 ألف مستوطن في القدس، أي زيادة بحوالي 300% منذ اتفاق “أوسلو” حتى اليوم، وهو ما أدى إلى سيطرة المستوطنات التي يبلغ عددها الآن 128 مستوطنة، 116 بؤرة استيطانية على حوالى 60% من مساحة الضفة الغربية وخلق واقعاً يستحيل معه قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي وسكاني.
رابعاً: إضعاف الموقف الفلسطيني وتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، فذهاب منظمة التحرير إلى “أوسلو” منفردة وإجراء مفاوضات سرية ساهم في إبعاد القضية الفلسطينية عن عمقها العربي والإسلامي، وتوفير الذريعة للمهرولين من الدول العربية والإسلامية لنسج علاقات سرية وعلنية مع إسرائيل، وتشجيع التطبيع معها على أرضية أن الفلسطينيين لهم سلطة ويفاوضون نيابة عن أنفسهم وهم أعرف بمصلحتهم “وهم ليسوا بملكيين أكثر من الملك”، كما وظفت إسرائيل اتفاق “أوسلو” والسلطة الفلسطينية الناتجة عنه في تحسين صورتها أمام العالم وتوسيع مساحة علاقاتها الدولية، ومواجهة حملات المقاطعة الدولية من منطلق وجود مسيرة سلمية ومفاوضات مع السلطة الفلسطينية وغير المتحمسة لمواجهة إسرائيل على الساحة الدولية.
خامسا: تشكيل سلطة خاضعة للابتزاز الإسرائيلي وفاقدة لروح المبادرة الوطنية، حيث أن التفصيلات في اتفاق “أوسلو”، والتي رسخها المفاوض الإسرائيلي في الاتفاق بعد عمق دراسة وتوجيهات من المؤسسات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وضعت قيوداً حقيقية على السلطة الفلسطينية وحوّلتها إلى أشبه بسلطة تابعة للاحتلال، فالمال السياسي والاتفاقيات الاقتصادية والملاحق الأمنية لم تترك هامش مناورة لقيادة السلطة للقيام بمبادرات سياسية لصالح القضية أو التحرك النشط على الساحة الدولية ومخاطبة العالم بما يخدم الشعب الفلسطيني، كما أفسح ذلك المجال لإسرائيل لمحاسبة السلطة على كل كبيرة وصغيرة وفي جعبتها حزمة متنوعة من أدوات الضغط لا تقوى السلطة على مواجهتها، وهذا بالإضافة إلى استناد السلطة في شرعيتها ووجودها إلى النظام الدولي القائم والمستند إلى محورية الدور الأميركي والأوروبي والذي لا يتوقع منه إنصاف الشعب الفلسطيني والتخلي عن انحيازه لإسرائيل، وهو ما يعرضه أيضاً للضغط والابتزاز على الدوام وسلوكيات الولايات المتحدة مع السلطة أكثر من أن يتم ذكرها.
يتبع……

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى