أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المسجد الأقصى في العقلية الصهيونية ومسائل الفرص التاريخية (9)

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
تبين الأحداث السياسية الجارية في منطقتنا على صعيد تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية الدور الامريكي الحاسم في إنجاز وتحقيق هذه العلاقات، وذلك ضمن معادلات أمريكية صرفة بدا على ضفافها إمكانية رفع الغطاء عن العلاقات القائمة بين عديد الدول العربية وإسرائيل، حيث أن طبائع هذه العلاقات مبنية أساسا على المستوى الأمني والذي رعته الولايات المتحدة وجعلت الأمر الجامع بين هذه الدول في منطقتنا منذ سنوات، محاربة التيارات الإسلامية، بحجة محاربة التطرف، وقد عملت الولايات المتحدة جاهدة على تربية جيل من العسكريين والأمنيين العرب في مقارها العسكرية والامنية بما يخدم العقيدة الأمريكية، وقد حسم الامر باراك أوباما، باعتبار إسرائيل ضمن مكونات الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة، وهو ما يستغله نتنياهو وفريقه الامني للدفع نحو تعزيز هذه العلاقات التي من تداعياتها التأثير على مجمل القضية الفلسطينية.
من اللافت، أن نتنياهو يصرح أن السلام مع العرب يأتي على قاعدة السلام مقابل السلام، وهذا بالمناسبة طرح رئيس الوزراء السابق إسحاق شامير المحسوب على للتيار اليميني المتشدد داخل الليكود. ويفلسف إقبال هؤلاء العرب أنهم يهرولون إليه، لأن اسرائيل قوية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وهذا كلام غير دقيق وفيه الكثير من الشعبوية، والحقيقة التي لا مراء فيها أساسا أن المهرولين يقدسون الكرسي وما تناسل عنها من مصالح ذاتية للحاكم وحاشيته، وهم كُثُرُّ إذا أضفنا إليهم العسكر والامن وعقليتهم السياسية التي تربوا عليها في تلكم المحاضن.
بين السياسة والعقيدة
أشرت في مقالتي السابقة إلى تحذير فضيلة الشيخ رائد صلاح وتوجيهه الحديث مباشرة الى الاردن باعتباره الوصي على المقدسات في المدينة المقدسة. ومنذ سنوات خلت طرح مركز أبحاث القدس لدراسات إسرائيل-اليوم اسمه معهد القدس لدراسة السياسات-سلسلة من الابحاث والدراسات طالب فيها الاحتلال الاسرائيلي في القدس بالعمل الجاد على تحريك مسألة الوصاية الأردنية، وإدخال دول عربية وإسلامية كالسعودية والمغرب كشركاء مع الاردن في ادارة الاوقاف والمقدسات، وتحديدا المسجد الاقصى المبارك، وذلك تمهيدا لتلين المواقف نحو مزيد من الكسوبات في المصلحة الاسرائيلية المتعلقة بالسيادة ولو الجزئية على المسجد.
التحذير الذي أطلقه فضيلة الشيخ رائد صلاح يجب أن يُحمل محمل الجد لعدة اسباب أشير على عجالة الى بعضها، أولا: التراجع المعلن لمكانة القضية الفلسطينية في الاجندات العربية عموما والمهرولة للتطبيع تحديدا، وثانيا: تراجع مكانة القدس والاقصى لدى هؤلاء المهرولين، ومن تابع ذبابهم الالكتروني وما قالوه وكتبوه عن القدس والاقصى يعلم أن مخططات ترسم لهذه المدينة وللمسجد الأقصى، ثالثا: تتبع شبكات العلاقات الامارتية السعودية مع الجمهوريين المتشددين واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والتفكير بالمنطق الامريكي المؤسس على المصلحة والمنفعة، يجعل إمكانية التضحية بالقضية والقدس والاقصى أمرا يسيرا مقابل تحقيق منافع يظنها المهرولون ومن تربوا في تلكم المحاضن إستراتيجية، رابعا: هذه الدول تتعاطى مع شعوبها ليس كرعايا بل كمجموعات من العبيد، وهي تُزايل بينهم تبعا لمنطقي المصلحة والمنفعة وقد قامت دوائر الإعلام الخاص والرسمي بدور كبير في تهيئة الارضية للّحظة التي نعيش. وأخيرا تقوم هذه الدول وبالتعاون مع الاحتلال الاسرائيلي الذي يمدها بخبرات أمنية هائلة بتتبع الاسلاميين وقتلهم وسحقهم، باعتبارهم المجموعة التي يمكنها أن تُفشل كل مشاريع التطبيع وبيع القدس والتنازل عن المسجد الأقصى، وقد باشرت هذه الدول منذ عدة سنوات بفرض سياسات التطبيع مع الاحتلال عبر فتاوى علمائها المسخرون لتنفيذ أجنداتها وتبريرها شرعا، ومعلوم أن عديد علماء البلاط في هذه الدول جاؤوا الى القدس والاقصى تنفيذا لإرادة أولئك الحكام.
الملاحظات التالية التي يمكن للمراقب العادي أن يلحظها من خلال متابعات بسيطة تؤكد أن الاحتلال الاسرائيلي يتقن فن قنص الفرص لتحقيق مكاسب تصب في مصالحه العليا المرحلية والاستراتيجية، وينطلق في التعاطي مع القدس والاقصى من منطلقات عقدية صرفة.
ملاحظات ولكن..
الملاحظة الاولى: في الوقت الذي تتعامل الدول العربية بما فيها الاردن والسلطة مع ملفي القدس والاقصى على أنه ملف سياسي، يتعامل الاحتلال معه على انه ملف عقدي مرتبط بالهوية والتراث اليهوديين، ويلقى دعما واضحا وصريحا من مختلف مكونات ومركبات المشهد السياسي الاسرائيلي، مع اختلافات في التفاصيل من ثوابت الطروحات السياسية لهذه الاحزاب والحركات وإن لم تعلن ذلك.
الملاحظة الثانية: في الوقت الذي يشجع الاحتلال التيار الصهيوني-الديني والحاريدي-الصهيوني على الاقتحامات اليومية للمسجد الاقصى ويسخر لهم كافة الإمكانيات، فإن الأردن والسلطة الفلسطينية تضيق ذرعا بالمرابطين في المسجد ولا تعمل على تشجيع الناس لشد الرحال الى المسجد الاقصى المبارك، فمنذ أن حُظِرت الحركة الاسلامية تراجع بشكل لافت موضوع شد الرحال وهو ما يستغله الاحتلال لفرض مزيد من المضايقات على المصلين والمصليات.
الملاحظة الثالثة: ثمة متابعة مباشرة من جهاز الامن العام الاسرائيلي لما يدور في المسجد الاقصى المبارك عموما ولمصلى باب الرحمة خصوصا، ومن نافلة القول الاشارة الى أن مستوى تعاطي الاردن والسلطة مع موضوع بهذه الحساسية دون المطلوب بكثير.
حتى لا يتسرب اليأس الى القارئ الكريم والقارئة الكريمة، أؤكد أن قضية القدس والمسجد الاقصى قضية منتصرة في سياق المناكفات مع الاحتلال، وسيصل ذات يوم الى حسم الموضوع بين بقائه والتشبث في القدس والاقصى، ولكن هذا الموضوع يحتاج الى ثلة مخلصة تعمل على قراءات متواصلة ومعمقة للعقل الديني اليهودي وللعقل الصهيوني وتفكيكه من داخله لتحقيق معادلة “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى