أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وَطّنوا أنفسكم على الصبر الجميل يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
إحذروا من رق الهوى والشهوات يا جيل التغيير واعلموا (أن الله تعالى خلق الخلق على أربعة أنحاء: ملائكة، وآدميين، وشياطين وبهائم، فأما الملائكة فعقول بلا شهوات ولا هوى يقارنه، وأما البهائم فشهوات بلا عقول، وأما الشياطين والجنّ فركب الله فيها العقول والشهوات والهوى، وهكذا ركب في بني آدم العقل والهوى والشهوة فغلبت شهوات الشياطين وهواهم عقولهم، فقطعوا أوقاتهم بالأخلاق المذمومة، بالكبر والعجب والمقت والفخر والدعوى، والحسد والأذية، وسائر الاخلاق المهلكة، وأما البهائم فتقضي أوقاتها في شهوات البطن والفرج، وأما الادميون فركب فيهم عقول الملائكة وأخلاق الشياطين وشهوات البهائم، فمن غلب عقله هواه منهم، فكأنه من عالم الملائكة كالأنبياء والرسل عليهم السلام، والأولياء والأصفياء، وقليل ما هم.
وأما من كان عقله مغلوبا بهواه وشهواته، فإن كان ذلك من المباحات، من المطاعم والملابس والمراكب والنساء والخيل المسومة والأنعام والحرث، فأكل وتمتع بعد ان كسبه من حله، لا حرج في الاستمتاع بها بعد أن يكون كسبها من حله. وإن كان الغالب عليه أخلاق الشياطين، من الكبر والعجب والحسد والغش الى سائر الاخلاق المذمومة، فهذا من عالم الشياطين، وإذا اجتمع في الشخص إفراط الشهوات، واتباع الهوى، والأخلاق المذمومة، فيكون آدميا في صورته، شيطانا في خلقه، بهيمة في شهواته، فلا يصلح للصحبة…) وعلى أساس هذه الفقرة الجامعة التي أوردها الطرطوشي في كتابه (سراج الملوك)، فإن الناس أجناس وإنهم معادن مختلفة كاختلاف معادن الذهب والفضة، فمنهم من يكون الى منزلة الأنبياء والرسل أقرب كأنه من عالم الملائكة، ومنهم من يكون من أهل الصراط المستقيم المكرمين بنعمة الإيمان الذين يجمعون بين نور العقل ودوافع الهوى والشهوات المضبوطة بميزان الحلال، فمنهم يعبدون الله تعالى طامعين بالإخلاص في العبادة وفي نفس الوقت لا يجدون حرجا بالاستمتاع بكل الشهوات ما دامت مضبوطة بالحلال، ومنهم من يبحث لنفسه عن أطيب الطعام، ومنهم من يتأنق بملابسه، ومنهم من يقتني خير المراكب، ومنهم من يصرف الكثير من وقته مع النساء، ومنهم من يخرج على الناس بالخيل المسومة، ومنهم من يجمع لنفسه الحرث والأنعام، ولا حرج في كل ذلك شرعا ما دام مضبوطا بميزان الحلال.
ومن الناس من يكون إلى منزلة الشياطين أقرب، ولا يجد حرجا أن يباهي بالكبر والعجب والحسد والغش والأذية وسائر الاخلاق المهلكة وهو يحسب أنه يحسن صنعا، بل قد يتباهى بذلك ويفاخر على غيره بهذه المهلكات المقيتة، ولأنكم يا جيل التغيير قد صحوتم من رقدتكم وان ظل غارقا فيها غيركم، ولأنكم شددتم مئزركم وشمرتم عن ساعد الجد، وان ظل غيركم طريح الغفلة وأنيس القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، ولأنكم اجتمعتم على تغيير ما بأنفسكم طامعين أن يجري الله تعالى على أيديكم تغيير، ما في أمتكم، لأنكم كذلك، فأنتم مطالبون أكثر من غيركم أن تفقهوا أبعاد هذا التوجيه السديد الذي أدلى به الطرطوشي بين سطور تلك الفقرة الجامعة، وعندها ستكونون محصنين من أية صدمة قد تبرز في طريق مشروعكم التغييري، حيث أنه قد يتعثر أحدكم ويكبو خلال سيركم، فلا يصدمكم ذلك، واعلموا أنه قد ضعف ومال به حاله من مجاورة منزلة الملائكة الى مجاورة منزلة الشياطين فأرفقوا به، ومدوا له حبل الانقاذ، وكونوا عونا له، ولا تكونوا عونا عليه، واحذروا أن تشمتوا بعثرته، والا سيقع عليكم جزاء قول رسول الله: (لا تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك)، وقد تبرز لكم قي طريق مشروعكم التغييري أصناف من الناس يشيب لهولها الطفل في مهده، فلا يصدمكم ذلك، بل استعدوا سلفا للمرور على صنف من الناس قد يسيء إليكم وأنتم تحسنون اليه، وقد يزيد بالإساءة إليكم كلما ازددتم بالإحسان اليه، وقد تمرون على صنف من الناس يسعى الى هتك أعراضكم و أنتم تحرصون على ستر عرضه، وقد تمرون على صنف من الناس لولا بقية حياء فيهم بمثقال ذرة لأنكر وجودكم أصلا، ولقال عنكم إنكم مجرد وهم وأشباح وخيالات لا حقيقه لها، فإن عملتم متأدبين بقول الله تعالى (وقل اعملوا..)، لقال عنكم إنكم مجرد ثرثارين. وإن ذكرتم الناس بعيوبهم متأدبين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) لقال عنكم إنكم جعلتم من أنفسكم أوصياء على الإسلام، وإن جمع الله تعالى قلوب الخلق من حولكم وكانوا بالآلاف المؤلفة لقال عنكم إنكم مجرد نفر محدود لا يتجاوز عدد أصابع اليد، وان انتصرتم للحق وقدمتم مرضاة الله تعالى على مرضاة الخلق لقال عنكم إنكم دعاة انشقاق، وإن واجهتم الباطل وتحديتم الظلم ووقفتم في وجه المحتل، وانتصرتم لثوابتنا الاسلامية العروبية الفلسطينية، وحفظتم حسن العهد مع القدس والمسجد الأقصى المباركين، وصممتم على دوام التواصل مع امتنا المسلمة وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني، واحتضنتم المشروع الإسلامي بقلوبكم وعقولكم وواصلتم حمايته من خطر الأسرلة والأمركة والتدجين، وصبرتم على طول الطريق ودفع التضحيات والثبات في المحن، وإن ابتسمتم للسجون، واستعليتم على الأذى. إن قبضتم على هذا الموقف بكل تبعاته واستحقاقاته كالقابضين على الجمر لعاب عليكم كل ذلك، وسلقكم بألسنة حداد، وأقلام حداد وتغريدات حداد!!
فيا جيل التغيير، وطّنوا أنفسكم على الصبر الجميل، وعلى الأذى الجميل وعلى الخطاب الجميل، فإن مررتم على جوقة الحاسدين، فقولوا لهم قولا ليّنا، وإن مررتم على جوقة الشامتين فقولوا لهم: سامحكم الله تعالى، وإن مررتم على جوقة الشتامين فقولوا لهم: سلام عليكم، وإن مررتم على جوقة المشككين فقولوا لهم: أفي الله شك فاطر السماوات والأرض، ثم قبل كل ذلك وبعد كل ذلك ظلوا متوكلين على الله تعالى وتأدبوا بقول الله تعالى: (قل آمنت بالله ثم استقم).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى