مقالات

الرجوب و”הכותל המערבי”,الاقصى والاعلام

عبد الحكيم مفيد

لم تكن هذه المرة الاولى التي يدلي بها القيادي في السلطة الفلسطينية جبريل رجوب بتصريحات “مثيرة” للإعلام الاسرائيلي.
وليس من المؤكد انه “تورط” في تصريحاته حول الاقصى في المقابلة التي اجرته معه الصحفية الاسرائيلية رينا متسليح في برنامج “ملف اعلام”، وان كنت لا انصح من لا يجيد العبرية اجراء مقابلة بالعبرية، كما يفعل الرجوب، فان هذا لا يعفيه من كلام، هو في غاية الخطورة، قاله حول حائط البراق الذي اسماه كما يسميه الاسرائيليون “הכותל המערבי”.
ليس من المفضل في حالة رجوب الحديث عن تصريحات شخصية وزلات لسانية في الاعلام، وان الرجل تجاوز “الاجماع الفلسطيني”،لان الحقيقة ليست على هذا النحو، ولان تصريحات تتفلت هنا وهناك بشأن القدس والاقصى مؤخرا، تؤكد ان الرجوب يمثل حالة، فلسطينية وعربية واسلامية كذلك، والامور لا تحدث عفوا، بالضبط مثل جلسة الحكومة الاسرائيلية في الانفاق، ولا تفصل هذه عن التسريبات بشأن اجتماعات تعقدها شخصيات من منظمة المؤتمر الاسلامي مع شخصيات اسرائيلية، وهي تتشابك في العمق مع زيارات التطبيع التي اجرتها شخصيات اسلامية امثال الدكتور علي جمعة والحبيب الجفري، والان بالذات يمكن فهم “حوار الاديان” الجاري في السنوات الاخيرة عبر مؤسسات في الداخل والضفة الغربية وقطاع غزة، ويمتد الى عواصم عربية واسلامية، سرا وعلنا، لنرى “ثماره” تنضج، عندما تصبح القدس مدينة “الديانات الثلاث” بتسمية مليئة بالخبث، يصبح من السهل للغاية اعتبار “حائط البراق” الى “כותל מערבי”، بحسب جبريل الرجوب.

في الحرب على الاسماء

لا تنكر المؤسسة الاسرائيلية الرسمية اهدافها، ما كان يتم تمريره في السابق بواسطة جمعيات يهودية كانت تتهم ب”التطرف”، صار الان خطابا اسرائيليا رسميا توج باجتماع للحكومة الاسرائيلية، وهذا الوضوح التام يقابل بعملية تشكيك او اثارة شبهة او اعادة صياغة مفاهيم واسماء وثوابت من جهة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، مدهش للغاية.
لم تكن جلسة الحكومة الاسرائيلية في الانفاق تحت المسجد الاقصى المبارك الا تتويجا لنقطة بداية لبدايات كثيرة، انتفاضة النفق، في حقبة بنيامين نتنياهو الاولى عام 1996، عندما تم افتتاح نفق طريق المجاهدين، الان جاء بحكومته ليدمغ المكان بالسيادة، مدهش.
لكن الدهشة تزول حين نذكر، ان نتنياهو افتتح النفق، فيما رفض عرب ومسلمون وفلسطينيون في ذات الايام ،1996، قبول مقولة “الاقصى في خطر”، اعتبرها البعض مبالغة، فيما رأى بها اخرون طريقا لتغيير الصراع الى “ديني”، اما “الطف” ما قيل في حينه فهو “اننا نخشى ان يحصل معنا ما حصل مع الراعي والذيب”،رحم الله التاريخ.

التاريخ مهم

اذا هربت من التاريخ فانه يصمم البقاء معك، قريب منك، السنين قد تمحو بعض التفاصيل لكن جبريل رجوب الذي تنكر لتصريحاته الواضحة للغاية، كما سمعناها، يعلم ان هناك من لم يرفض اقواله، مع انه من المفروض ان يرفض، محمود الهباش مثلا.
الهباش كان أكد في السابق انه يجب تحرير الاقصى من اثنين،الاحتلال الاسرائيلي والحركة الاسلامية،الاخيرة حظرت وأصبحت كما يريد الهباش، والاول، اي الاحتلال ما زال هناك، والناس بانتظار شيء يقوله الهباش.
اللحظة الحالية هي مجمل تراكمات التاريخ، “الاقصى في خطر” ليست مقولة دينية فحسب، والمدينة التي تكتسب قيمتها بالأساس من الاقصى، تضيع، ومن صمم على الفصل بين الاثنين يجد نفسه الان بدونهما.
لا تتحول القدس الى “مكان عبادة” عندما ترتبط بالاقصى،الاقصى يمنح المدينة مكانتها الروحية، التي تتجاوز المكانة الوطنية،التي تمنح هذه المكانة قوة وحضورا، فهل كان من المفروض ان يفصل الاقصى عن المدينة، حتى لا نقع في شرك “الصراع الديني”، هذا الفصل هو الذي دفع الرجوب لان يقول ما قال، وهو بخلاف ما يظن البعض لم يقل هذا الكلام على عاتقه الشخصي.
في القدس حصلت عملية مدهشة، طولب الفلسطينيون والمسلمون بإجراء فصل بين المدينة والاقصى، مع ان مكانة المدينة نابعة من الاقصى ،فيما تم على الجهة المقابلة بناء رواية بديلة توجها نتنياهو مع الحكومة الاسرائيلية بجلسة تحت الاقصى، داخل الانفاق، بعد ان زار الرئيس الامريكي دونلاد ترامب حائط البراق ومنحه كل المعاني التي تحتاجها اسرائيل، كلام الرجوب جاء في ذات السياق، بالذات الرجوب المشغول في “كرة القدم” و”الاتحاد العالمي لكرة القدم”، كلاهما لعبة، تم القبض عليه في “منطقة التسلل” بلغة كرة القدم والسياسة كذلك.
“تسلل” الرجوب الى منطقة منتظرا صفارة الحكم، ورغم انكاره لما قال أو “مقصده” الذي لم يفس على نحو صحيح، فإن المقابلة تؤكد انه كان واعيا لما يقول، فقد كررت رينا متسليح السؤال مرتين،حتى انها بدت مستغربة عندما سالت في المرة الثانية.
الذي صمم على فصل المدينة عن روحها، يجد مدينة محاصرة ومحتلة ومصادرة، بلا أي روح سياسية، ويجد نفسه منشغل كل الوقت في الترويج لرواية بديلة، ليس فقط انه اخرج الاقصى من المعادلة “المحرجة” وليس انه لم يربح السيادة ولا “العبادة”،لقد قبل برواية مفبركة، فكك المدينة وروحها، ومنح لآخرين رواية بديلة،”הכותל המערבי” بحسب تعبير الرجوب هو ليس خطأ في التعبير،انه الانتصار الذي حققته رواية “الهيكل”، واحد من انتصارات اوسلو العظيمة.
هذه هي نتائج “سياسة الواقع”و”الامر الواقع”.

اذكر جيدا

كان ذلك يوم مهرجان الاقصى في خطر الثاني، وقبل انطلاق المهرجان بدقائق اجرت القناة الاسرائيلية بالعربية الاولى مقابلة ببث مباشر مع الشيخ رائد صلاح حول المهرجان، ومن الجهة الثانية استضافت عضو الكنيست من القائمة الموحدة توفيق الخطيب، وفي سياق الكلام حول ما اذا كان “الاقصى في الخطر”، أكد الخطيب ان “الاقصى ليس في خطر” ودعا الجماهير بـ “عدم المشاركة “في المهرجان، رحم الله التاريخ.
لحظة الهجوم على الاقصى تتم الان بشكل منظم، مدينة الديانات، كما يتم تسويقها بهدف انتزاع روحها الاسلامية، وتحويلها الى مكان محايد، وبعدها الانقضاض عليها كما يحدث الان، ومدينة الديانات التي حررها الهباش بالشراكة مع اخرين من “الحركة الاسلامية”، هي مدينة اوسلو، المكان الذي رسمته اوسلو حتى وصل الى اللحظة الحالية، اسماء جديدة ومعتقدات جديدة، ليس قبل ان يتم مسح اثار الرواية، من ضحك على “الاقصى في خطر” سيجد نفسه مرغما على صياغة الرواية من جديد، مع محمود الهباش وحوار الاديان.

الاقصى والاعلام

قد تكون ازمة الخليج هي التي تشغل الاعلام حاليا، وقد نكون ما بعد الازمه، بعد ان تبرع “الوالد”، دونالد ترامب، بالتوسط بين “ابنائه”، أنظمة هي اخوة في الرضاعة من امريكا،القصة الحقيقية تجري في القدس، في المسجد الاقصى، بهدوء وبدعم مباشر من العرب والمسلمين والفلسطينيبن كذلك، تقترب المؤسسة الاسرائيلية من فرض امر واقع جديد في المدينة، وفي الاقصى كذلك، هذه هي القصة الحقيقية للمرحلة، لا قطر ولا آلـ سعود.
من المهم دائما الالتفات لما يحصل في العالم العربي كأمر له علاقة بما يحدث هنا، الصراع الاهم يحدث في القدس، وتحديدا في محيط المسجد الاقصى، تمرير المرحلة القادمة يحتاج لشروط، لبيئة “حاضنة”، لترويج، لإشغال، اهم هذه الشروط هي التقليل اعلاميا بما تقوم به المؤسسة الاسرائيلية في القدس، المسجد الاقصى ومحيطه، جلسة الحكومة الإسرائيلية مثلا، التي من المفروض ان تقلب امورا رأسا على عقب، لأنها تخص السيادة بالأساس، هذه لم تحتل حيزا في الاعلام، كان شبه خبر، اشبه بتغريدة.
في ذات الاسبوع الذي غرد به جبريل الرجوب، في ذات الاسبوع الذي تحدث به الشيخ عزام الخطيب عن “عاصمة الاديان”، وليس هذا فحسب.
يلعب الاعلام العربي من الجهة المقابلة لعبة مثيرة للغاية، نقل الاخبار عن صلوات الجمعة والتي اصبحت ثابته تقريبا، ويلاحظ ان هناك منهجية في نقلها، تخلق انطباعا للخارج ان الامور على ما يرام، اعداد المصلين التي تقدر بالالاف دائما(اقصد في ايام الجمعة)، وتكاد الاخبار السيئة تختفي، الحصار وممارسات المستوطنين والاقتحامات والاعتقالات، الابعادات واحكام السجن، وكل اشكال التقييدات، وتبدو الحياة في الاقصى على ما يرام، ناهيك عن اختفاء الاخبار بشأن الحفريات تحت المسجد، المختفية كليا.
يضاف الى هذا المشهد الزيارات التي يقوم بها مسلمون الى المسجد الاقصى من الدول الاسلامية، الزيارات السياحية المنظمة، والتي تضاف الى الجهود الاسرائيلية لخلق “اجواء ايجابية” عن الاقصى.
هذه الزيارات هي مصلحة اسرائيلية بالأساس، والفتاوى التي صدرت بهذا الشأن لدعم هذه الزيارات، والتي قادها علي جمعة والحبيب الجفري ومحمود الهباش، يتبين الان كم كانت المؤسسة الاسرائيلية معنية بها.
أصحاب الفتاوى هؤلاء، لم يجدوا من المناسب ولو مرة واحدة استنكار ورفض الحفريات تحت الاقصى، وفرض اسرائيل سيادتها فعليا وعمليا على الاقصى، لأسباب يعرفها التطبيع تحديدا وحوار الاديان بشكل اخص،وان غدا لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى