أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

احتلال القدس والمسجد الأقصى المباركين داء وله دواء

د. أنس سليمان أحمد
إن ظاهرة الإمبريالية – فكراً وخطاباً ومواقف وسلوكاً- ليست حديثة وكأنها ظهرت فقط في هذه المرحلة المعاصرة من عمر البشرية، بل هي ظاهرة قديمة متكررة على مدار التاريخ البشري، وقد تحدث عنها القرآن الكريم بوضوح وحدّد معالمها- بداية ونهاية- في عشرات الآيات، فعن قوتها وكثرة أتباعها وشدة سطوتها يقول الله تعالى (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) وعن تبجحها بعلومها وسخريتها من منهج التوحيد وشريعة الله يقول الله تعالى: (( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)) وعن تبجحها بتقدمها الطبي يقول تعالى: (( وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)) وعن شدة بأسها العسكري يقول الله تعالى: (( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)) وعن خباثة مخططاتها ودهاء أساليبها وقوتها التدميرية يقول الله تعالى: (( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)) وعن دقة أجهزة مخابراتها وسهرها الدائم على الحفاظ على وجودها وقمع أي بديل لها يقول الله تعالى: ((بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) وعن خطابها الرذيل المغرور يقول الله تعالى على لسان قادتها: (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)) وعن إعلامها الساقط الداعي للإنحلال ومناصرة الشذوذ الجنسي يقول الله تعالى على لسان أبواقها (( أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ))، وعن مجاهرتها بالكفر وإشاعة الشبهات حول منهج التوحيد وشريعة الله يقول تعالى: (( لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)) وعن بذخها ولهوها وغرقها في الشهوات يقول الله تعالى: ((ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ)) ولأن ظاهرة الإمبريالية لا تزال تفرض نفسها – قديما وحديثا- ولا يزال هناك تشابه إلى حد التطابق بين كافة الإمبرياليات التي كانت أو لا تزال، وكأنها تواصت فيما بينها على ذات الفكر والخطاب والمواقف والسلوك، لأنها كذلك فإن لها عاقبة ربانية ستقع عليها كما رفعت رأسها، وقد تختلف أساليب هذه العقوبة الربانية ما بين وباء قاتل أو زلزال مدمر أو إصطدام نيزك بها، أو طوفان وأعاصير وريح عقيم أو أن يرسل الله تعالى فئة مؤمنة تجتث هذه الإمبريالية من جذورها أو أن تقع عليها العاقبة الربانية بأسلوب لم يعهده من قبل، وحول حتمية إنهيار هذه الإمبرياليات يقول الله تعالى: (( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا)) وإن الذي يلفت الإنتباه أن القاسم المشترك بين كل الإمبرياليات هو إستباحتها للظلم وممارستها له ومجاهرتها به، ويوم أن تدخل أية إمبريالية في مرحلة الظلم الفاحش الفاجر فهذا يشير إلى إقتراب موعد إهلاكها، وفي ذلك يقول الله تعالى: ((وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا)). ومع وضوح هذه الآيات القرآنية ووضوح دلالتها التي تتحدث عن مآل كل إمبريالية في التاريخ مهما طغت وعربدت وأظهرت في الأرض الفساد، إلا أن بعض النفوس المتلعثمة فينا، قد ظهرت فيما مضى وها هي تعيش بين ظهرانينا اليوم، وها هي تسأل اليوم كما سألت في الماضي زوال هذه الإمبرياليات، فإذ قالت في الماضي: ” إذا سمعت أن التتار قد هُزموا فلا تُصدّق” وإذا قالت في الماضي: (( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده))، وإذا قالت في الماضي: (( أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ))، فها هي تقول اليوم: “أنّى يتحرر العالم من شر الأمبريالية الأمريكية” و “أنّى يتحرر المسجد الأقصى من سطوة الاحتلال الإسرائيلي” و “وأنّى تسترد القدس عافيتها الإسلامية العروبية الفلسطينية” و “وأنّى تنجح الشعوب المقهورة على صعيد الامة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني بإسترداد سيادتها وكرامتها وإستقلالها” و ” أنّى تنجو طبقات البؤساء والكادحين في الأرض من جشع الرأسمالية ووباء الربا ولعنة الاحتكار” و “وأنّى تُملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجورا” و “أنّى لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والمصريين واليمنيين والليبيين أن يعودوا أرضهم وبيوتهم ومقدساتهم” و ” من سينقذ البشرية من ويلات الاستعمار والجوع والبطالة والامراض والتخلف والاضطهاد” و “من سيلبي صوت المظلومين ويكسر عنهم أغلال السجون والتعذيب والزنازين ووحشية أجهزة المخابرات وأساليب تعذيبها” والأسئلة أكثر من ذلك بكثير!! وفي الوقت الذي استفحل فيه داء هذه الأسئلة في ملايين النفوس المتلعثمة فينا، لدرجة أنها استمرأت الهزيمة وشرعنت الخنوع وفلسفت الأذدِناب للإمبريالية وصناديق دعمها، وفي هذا الوقت الذي اجتاح فيه وباء الكورونا كل الأرض، وفي الوقت الذي أدعو فيه بالشفاء العاجل كل أهل الأرض من هذا الوباء العضال فأنني أسجل هذه الملاحظات:
ها هو وباء الكورونا يذل كبرياء الإمبرياليات في الأرض، بداية بالإمبريالية الأمريكية وانتهاء بالمشروع الصهيوني ومروراً بسائر الامبرياليات على صعيد الصين وروسيا وأوروبا الغربية.
ها هو يعصف باقتصاد كل هذه الإمبرياليات كأن لم تغن بالأمس ويطوف على أسواقها المالية ومصانعها العملاقة ومدخراتها الربوية وبنوكها المركزية ويجعلها كالصريم.
ها هو يفرض الحصار على مطاراتها وموانئها البحرية وفنادقها السياحية وشواطئ لهوها وعريّها ونواديها الليلية ومطاعمها الفاخرة ومسارحها ومتاحفها وملاعبها ومتنزهاتها كأنها ما كانت أصلا.
ها هو يقتحم عليها علاقاتها الاجتماعية لدرجة ان رعاياها ما عاد أحدهم يجرؤ على مصافحة الآخر، ولا يجرؤ على عيادة مريضه في المستشفى حتى لو كان أباه أو أمه، ولا يجرؤ على تشييع جنازته بل يكتفي بتشييعه عبر جهاز هاتفه، وهكذا انهارت كل حياة هؤلاء الرعايا وباتوا كالأشباح الذين طالما تحدثت عنهم أفلام الرعب في هوليود وغيرها.
ها هو يحاصر رعاياها في بيوتهم جزاء وفاقا بعد ان كانوا ولا يزالون يحاصرون الشعوب المقهورة أو يتآمرون على حصارها أو يصفقون لحصارها ويبررونه ويفلسفونه، وهاكم الحصار على غزة لم يرتفع منذ عام 2006م، وها كم الحصار على العراق وأفغانستان والسودان من قبل، وهاكم الحصار على القضية الفلسطينية منذ قرن وأكثر.
ها هو يكشف لهذه الإمبريالية المتمردة مدى عجزها بعدما تبجحت بما عندها من العلم والتقدم الطبي والتكنولوجيا ويبين لها وَهَنَ كل هرطقاتها وسفاهة كل غرورها.
لقد دفع وباء الكرونا الرئيس الإيطالي أن يبكي خلال خطابه وأن يقول بلا تردد: لقد بذلنا كل أسباب الأرض لمواجهة وباء الكورونا وبقي الاعتماد على أسباب السماء.
لقد دفع وباء الكورونا ألمانيا أن تسمح برفع الآذان عبر مكبرات الصوت في المساجد بعد أن كان ممنوعاً الجهر به إلا في داخل المساجد فقط.
لقد دفع وباء الكورونا كاتباً أمريكيا أن يكتب مقالة رائعة أكّد فيها أن كل تعليمات الوقاية من الكورونا قد سبقنا بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة عام، وأنصح بالعودة إلى هذه المقالة وقراءتها (مقالة مترجمة).
لقد دفع وباء الكورونا بعض الأوروبيين أن يقفوا خلف المسلمين في صلاتهم وأن يقلدوهم بحركات الصلاة راجين من الله الكريم أن يرحمهم.
لقد دفع وباء الكورونا أصحاب مطاعم إسرائيليين يهود أن يستمعوا في مطاعمهم إلى قراءة سورة الفاتحة بصوت عال عبر مسجلاتهم.
لقد عرّى وباء الكورونا هذه الهيئة المنفوخة المتنفشة التي اسمها هيئة الأمم المتحدة وعرّى عجزها، وبيّن لكل عاقل أنها محط آمال الضعفاء فقط، وكم صدق صحفي أفريقي عندما قال فيها: إذا تنازعت دولة ضعيفة مع دولة ضعيفة تدخلت الأمم المتحدة، وإذا تنازعت دولة ضعيفة مع دولة قوية، ضاعت الدولة الضعيفة، وإذا تنازعت دولة قوية مع دولة قوية ضاعت الأمم المتحدة، وهكذا فإن البشرية اليوم تعيش في مرحلة فوضى وانحطاط وتفتقر إلى قيادة راشدة تنقذها قبل انهيارها.
كل ذلك يؤكد لكل عاقل أن القوي لن يبقى قوياً، وأن الضعيف لن يبقى ضعيفا، والأيام دول، وهي محكومة بقول الله تعالى: ((وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) ولذلك فإن فرصة التغيير موجودة دائما في كل زمان ومكان وظرف وحال، والمطلوب التحقق بسنن التغيير كما قال الله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)).
لذلك فإن إمكانية قيام خلافة إسلامية على منهاج النبوة هو أمر حتمي يقيني كما بشّر بذلك القرآن والسنة، وإن إمكانية تحرير القدس والمسجد الأقصى المباركين من براثن الاحتلال الإسرائيلي هو أمر حق لا ريب فيه ولعله بات على الأبواب كما بشّر بذلك القرآن والسنة.
كما أصاب وباء الكورونا أهل الأرض فقد أصاب الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني كي نراجع أنفسنا، على أمل أن نكفّ عن ذنوبنا وأن نتوب إلى الله تعالى وأن نستيقظ من غفلتنا وأن نأخذ بسنن التغيير متوكلين لا متواكلين، ومتفائلين لا قانتين من رحمة الله تعالى.
نحن مطالبون أن نتحقق اليوم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله فإن لكل داء دواء)، فالكورونا داء ولها دواء، وتخلفنا داء ولو دواء، وانحطاطنا داء وله دواء، واحتلال القدس والمسجد الأقصى داء وله دواء، وفرقتنا وهزائمنا ووهننا داء وله دواء، ولا عذر لليائسين فينا ولا لأبواق ثقافة الهزيمة والأسرلة والامركة والتنكر لذاتنا وهويتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى