أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

على هامش انتخابات ثالثة (4) … نتنياهو على خطى بن تسيون (1)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
ضمن اعلان بدء الحملة الانتخابية لحزب الليكود يوم الثلاثاء المنصرم (21-1-2020)، أعلن نتنياهو من أنه سيضم مناطق “ج” والاغوار وشمال البحر الميت للسيادة والقانون الإسرائيلي، وكشف أنه على استعداد للتراجع عن طلب الحصانة من الكنيست إذا ما وافق غانتس على مشروع ضم الأغوار، وذلك كرد فعل لزيارة الأخير ومعه أركان قائمته للأغوار والاعلان انه سيضمها الى إسرائيل.
نتنياهو إذ يصرح هذه التصريحات المتزامنة مع انتخابات ثالثة تكشف عورات المنظومة الديموقراطية الإسرائيلية، فهو في الحقيقة يقارب أفكار واقوال ومعتقدات يؤمن بها وتربى عليها، فوالده المؤرخ الصهيوني الأكثر تطرفا في أوساط المؤرخين اليهود يؤمن بإسرائيل الكبرى الممتدة من الفرات الى النيل، ويرفض التنازل عن شبر من أرض عادت الى أصحابها، الى “شعب إسرائيل”، ويُكِنُّ احتقارا شديدا للعرب والمسلمين ولا يعترف بالشعب الفلسطيني، ويرى أن الحل الوحيد معنا هو عبر فوهة البندقية والقتل والتشريد وامتلاك القوة، هو السبيل الوحيد لإذعان العرب ويعتقد اننا لا نفهم إلا لغة القوة والبطش.
نتنياهو ماض على خطى والده، ولذلك علينا ان لا نتوقع من عقلية عقائدية وبرجماتية كعقلية نتنياهو أن تتنازل عن شبر من أرض استطاعت السيطرة عليها، خاصة في ظل الظروف الموضوعية والإقليمية التي تمرُّ بها القضية الفلسطينية، وزاد على والده انه جمع إلى جانب العقلية العقائدية المتشددة الغائرة في تضاعيف
(التضاعيف تعني الحواشي وما بين السطور) التاريخ اليهودي والعام، عقلية برجماتية تعتقد أن نجاحها على أرض الواقع هو معيار الحقيقة، ولذلك فكل خطوة يحققها لصالح شعبه على أرض فلسطين، هي الحقيقة المعاصرة، والأخرى المؤكدة للجانب التاريخي/ التوراتي.
نتنياهو يجمع اليوم بين رؤية تاريخانية (التاريخانية معنى يروم وضع الانسان- في حالتنا الصهيونية وضع الصهيوني/ الإسرائيلي/ اليهودي- في قلب العملية التاريخية عبر استحضار ماضيه لتخليق مقولات تؤسس لإحيائية جديدة يتم تغيير الواقع بواسطتها ولذلك تكمن أهمية الوجود اليهودي بنسقه التوراتي والتلمودي هذه الأيام لتخليق الشخصية اليهودية الجديدة) حول أرض إسرائيل، حقق بعضا منها تشريعا عبر قانون القومية، ويستغل قوته وترهل سلطة رام الله وخنوعها للحاكم العسكري الإسرائيلي، بعد نجاحه الباهر في سياسات “العلف”، ونجاحه في مدَّ علاقات تتنامى مع حكام محيط عربي مهترئ يؤمن أن سلامة كرسيه وبقائه على سدة الحكم منوط بولي نعمته القابع في البيت الأبيض، وهذا لا يتم الوصول اليه إلا عبر بوابة تل ابيب، وهذا المنطق الأعوج، يستغله نتنياهو أشد الاستغلال، مضيفا إليه المصير المشترك لهذه الأنظمة مع إسرائيل، فيما يتعلق بحربها الشعواء على المشروع الإسلامي برمته.
لا تزال كلمات نتنياهو الرافض للبقاء في حكومة شارون في أعقاب إعلانه الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 فيما عُرِف إسرائيليا، بخطة فك الارتباط، تعبر عن موقفه الأيديولوجي من مسألتي الأرض والسيطرة عليها، فقد علل نتنياهو انسحابه من حكومة شارون آنذاك بقوله: “أنا كابن مؤرخ، لم أكن أريد أن أُذكر كوزير في حكومة الانسحاب” فهو على خطى والده فيما يتعلق بالسيطرة على أرض يعتقد أنها عادت إليهم.
في عام 1998، نشرت “النيويورك تايمز” تقريرا عن بنيامين نتنياهو، حينها كان رئيسا للحكومة، ومن ضمن ما أشارت إليه الصحيفة أن من يريد فهم نتنياهو وسياساته وفكره ورؤاه، عليه أن يتعرف على والده بن تسيون نتنياهو (1910-2012)، وكشفت الصحيفة عن العقلية الأيديولوجية الحاكمة والمسيرة لذلك المؤرخ الذي آمن أنَّ أرض إسرائيل لا بد من عودتها لأصحابها، وأنه لا يجوز التنازل عن شبر تم “تحريره”، وأن العرب ممن سكنوها هم مجموعات ممن رعت (من رعاية) تلكم الأرض والواجب إعادتها الى أصحابها.
في عام 2009 أجرى موقع NRG مقابلة مع بن تسيون والد نتنياهو، حول رؤيته لابنه ومستقبله السياسي، وقد كان آنذاك رئيسا للوزراء وكان من ضمن ما قاله “… هذه المرة أعتقد أن نتنياهو أهلُّ لأن يكون رئيسا للوزراء، فقد تعلم من اخطائه ومدرك أن عليه الإمساك بالإمكانيات القائمة وليس بالخيال.. أتوقع أن يعمل من أجل اقتصاد قوي وأمن وحدود آمنة.. سيبحث عن الفرص”.
لفهم ما يؤمن به نتنياهو حول السيطرة على هذه الأرض وقناعاته أنّ منطقي الصبر والقوة كفيلان بحسم المعركة على هذه الأرض لصالحهم وجوديا، أذكر ما قاله والده في مقابلة مع الموقع المذكور حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على هذه الأرض- بن تسيون لا يؤمن بوجود شعب فلسطيني، وانا هنا استعمل كلمة فلسطيني مجازا، يقول نتنياهو الوالد: “العرب واليهود في صراعهم على هذه الأرض مثلهم كمثل ماعزين التقيا على جسر ضيق فوق نهر لا يحتمل وجودهما معا، وأحدهما عليه القفز عن الجسر، والقفز معناه الهلاك، لذلك فهما يتناطحان على الجسر ويرفضان إخلاءه وما زالت هذه المناطحة مستمرة. تعتقدان أنَّ أحدهما ستتعب في نهاية المطاف ومن ثم ستقفز الى النهر- الى حتفها.. عندئذ من الطبيعي أن نقرر من هي الأقوى”…بالنسبة لِبِن تسيون قفز اليهود إلى النهر معناه ببساطة ضياع الشعب “اليهودي” فيما القفز من طرف العرب سيؤدي إلى الحاق الأذى بقسم صغير منهم، لأنَّ العرب وفقا لأقواله يسكنون مناطق واسعة وبلدانا مترامية الأطراف، وبالتالي فهو على قناعة أن إرادة الحياة عند اليهود أقوى منها بالجانب العربي، وهذا ما يمنحهم قوة إضافية على الجانب العربي.
واجبنا أن ننتصر في هذه المعركة..
نتنياهو يمضي بقوة على خطى والده ويؤمن أن الحل الوحيد مع الفلسطينيين هو عبر سياسات فرض الأمر الواقع برسم القوة التي يتمتعون بها هذه اللحظات، والمتمثلة بدعم عالمي لهم، لذلك يرى نتنياهو كوالده أنْ لا فائدة من شيء اسمه السلام، وأبو مازن وسلطته بعملهم الدبلوماسي، يعززون المقاومة المسلحة، وحماس لن يأتي ذلك اليوم الذي سيجلسون فيه معهم لأنه كما يقول والده: “يوم تجلس معنا للمفاوضات تكون قد انتهت حماس”، ولكن في ظل الاحتفاء الكوني بإسرائيل وما تتمتع به من علاقات وطيدة مع عديد الأنظمة العربية الطامعة بإنهاء الملف الفلسطيني فإسرائيل تستثمر وتستغل هذه اللحظة التاريخية على أكثر من صعيد وفي مقدمتها فرض سياسات الامر الواقع على القدس والمسجد الأقصى، وشرعنا نسمع عن فرض السيادة على الاغوار ومناطق “ج” في الضفة الغربية.
من المهم أن يعلم القارئ الكريم والقارئة الكريمة، أنّ بن تسيون يؤمن بتدمير الانسان العربي الفلسطيني، بل وانهاء وجوده المادي والمعنوي، ويرى أن حرب عام 2008 على قطاع غزة المعروفة باسم الرصاص المصبوب، لم تكن كافية رغم ما جبته من خراب ودمار وقتل للمدنيين في قطاع غزة، ويرى أن السلام مع العرب، سلام تقني فقط، يخدم المصلحة الإسرائيلية بالكامل، ويجب أن يُحمى بالقوة العسكرية الباطشة التي لا ترحم، بل تجعل العرب أكثر خوفا ورهبة ويحسبون حسابها جيدا في كل خطوة يخطونها فبن تسيون لا يرى من حيث الأصل قيمة للعربي ولا للفلسطيني الذي لا يعترف به برسم احتقار التوراة لهم، وهو إذ يستدعي سفر يرمياهو ليؤكد حقيقة احتقار العربي باعتباره قادم من الصحراء متحلل من القانون والنظام، فهو في حقيقة الأمر يكشف عن بعد استشراقي “أمريكي” أثرَّ فيه، وأُرّض هو عليه وعليه، فالعربي وبالطبع الفلسطيني الجيد في الذهنية الصهيونية عموما والبن تسيونية خصوصا والتي تشربَّ لبانها نتنياهو، هو الانسان الميت وبلغة السياسة هو الانسان المستَلَبْ فكريا وحضاريا وعقائديا أو/و المتماهي مع الاحتلال (هنا نستحضر الحالة الفلسطينية متمثلة بسلطة رام الله وعمق التعاون الأمني).
نتنياهو كوالده لا يؤمن بالسلام من منطلق الندية، بل من منطلق إلزامات الواقع من جهة، والحاجة إليه من جهة أخرى. ومعنى الحاجة في رؤاه الفكرية والاستراتيجية أن العربي والفلسطيني عليه أن يفهم أن معارضة هذا النوع من السلام “سلام الحاجة” الخادم للمصلحة الإسرائيلية فقط، سيؤدي إلى تداعيات ونتائج وخيمة لا يمكن تحملها من طرفهم، خاصة وأن قناعات الوالد تنطلق من منطلق كما ذكرت، أن لا وجود لشيء اسمه الشعب الفلسطيني، وفي هذا يقول “هناك شعب يهودي وسكان عرب توحدهم اللغة والتقاليد والعادات… لا وجود دولة فلسطينية أو شعب فلسطيني ولذلك لا يخلقون دولة لشعب مُتَوَهَمْ ..يدور الحديث عن مجموعة من السكان على قطعة من الأرض أوجدت لنفسها صورة متوهمة لشعب من أجل تبرير حربهم على الدولة اليهودية”.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى