في مؤتمر “القرى المهجّرة بين التوثيق والمرافعة”… 93% من أراضي القرى المهجرة في الداخل الفلسطيني خالية
عمر خمايسي يستعرض مرافعات “ميزان” القضائية ضد سرقة وانتهاكات المؤسسة الإسرائيلية للمقدسات
زكي اغبارية تطرق إلى دور مؤسسة الأقصى المحظورة إسرائيليا في مواكبة ملف المقدسات الإسلامية والمسيحية
طه اغبارية
عرض مؤتمر “القرى المهجرة بين التوثيق والمرافعة” في مدينة الناصرة، الثلاثاء، الخريطة الرقمية للقرى المهجرة في الداخل الفلسطيني، بالإضافة إلى فيلم قصير حول خريطة فلسطين التاريخية الرقمية، وناقش موضوع الأوقاف الإسلامية والمسيحية بين التوثيق والمتابعة ومسارات العمل.
ونظّم المؤتمر، المركز العربي للتخطيط البديل بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية وجمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين.
وفي الجلسة الافتتاحية والجلسة الأولى، بيّن المتحدثون، من المتابعة والقطرية وجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، أهمية مشروع رسم خرائط مئات القرى المهجرة قبل النكبة لدوره في تحديد أملاك اللاجئين والمهجرين، البالغ عددهم 450 ألف نسمة في الداخل الفلسطيني، ولفتوا إلى أن “التهجير تم أيضا في قرى عربية فلسطينية لا تزال قائمة حتى اليوم، مثل ترشيحا، وشعب، ومجد الكروم”، ودعوا المهجرين إلى التمسك بحق العودة إلى قراهم التي يبلغ عددها 531 قرية.
ووفق ما جاء على لسان المتداخلين في الجلسة الأولى، فإن توثيق القرى المهجّرة يكشف “أن أكثر من 93 في المائة منها ما زالت غير مستعملة، ما يؤكد أن العودة هي حق، ولكي يتسنى لنا تحقيقها يجب أن نوثق تاريخنا بمستندات واضحة وقانونية ترفع اللبس في وجه الادعاءات الإسرائيلية”.
دور مؤسسة “ميزان”
في الجلسة الثانية من المؤتمر، أوضح مدير مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان، المحامي عمر خمايسي، أنّ مؤسسته تتابع ملف الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية، منذ سنوات، وأنها تصدت للعديد من الملفات أمام المحاكم الإسرائيلية منها ما زال يتداول إلى اليوم كما في ملف “مقبرة القسام”.
وسلّط خمايسي الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأوقاف العربية، والإسلامية بشكل خاص مشيرا إلى أن “المؤسسة الإسرائيلية سنّت جملة من القوانين بهدف سرقة الأوقاف ومصادرة الأراضي مثل ما يسمى “قانون الغائب” و”قانون شراء الأراضي والتعويض وغيرها من القوانين العنصرية”.
وأضاف: “كان قسم كبير من الأوقاف الإسلامية في البلاد مسجل على اسم المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، وبعد النكبة أعلنت إسرائيل عن كون أعضاء المجلس الإسلامي “غائبين” وبهذا وضعت يدها باستخدام قوانينها على الأراضي والأوقاف وقامت بسرقتها، وعندما اكتشفت إسرائيل أن هناك أراض مسجلة على متولين محليين للأوقاف في البلدات العربية مثل اللد والرملة وعكا ويافا وحيفا، سنت عام 1954 قانون مجحفا آخر، صادرت بموجبه أكثر من مليون و200 ألف دونم من الأوقاف والمقدسات الإسلامية في هذه البلدان”.
ولفت إلى الوسائل الإسرائيلية الخبيثة للسيطرة على المقدسات والأوقاف وكيف عمدت في الستينات إلى “تعيين متولين للأوقاف” في عدد من المناطق مثل: عكا ويافا والرملة والناصرة وشفاعمرو، ووضعت إسرائيل في هذه اللجان أزلامها لـ “رعاية الأوقاف” وكانت هذه اللجان المسبب الأول في تسريب ما تبقى من أوقاف ومقدسات إسلامية إلى ما يسمى “سلطة التطوير” و”دائرة أراضي إسرائيل” وشركات خاصة.
وبيّن خمايسي كيف اكتشفت مؤسسة “ميزان” التلاعب في ملف “مقبرة القسام” عبر مواكبتها لهذه الملف، وقال: “تقوم مقبرة القسام على 42 من الدونمات، عام 1954 صادرت إسرائيل 15 دونما منها وعام 1955 عقدت اتفاقية مع شركة ربحية خاصة تدعى “كرور احزكوت” لتأجير الـ 15 دونما، وفي عام 1965 كانت هناك اتفاقية “بيع وشراء” وبموازاة ذلك كان هناك توجه للمحاكم الشرعية في عكا وحيفا لأخذ فتوى بجواز صفقة “البيع والشراء” وتبديل الأراضي بين المتولي على الوقف في مقبرة القسام حينها وبين سلطة دائرة أراضي إسرائيل، بهدف سرقة مقبرة القسام، لقد كان المتولي المعين من الدولة حينها متآمرا في هذه الصفقة، واليوم نحن لا زلنا في “ميزان” نتابع هذه الملف في المحاكم الإسرائيلية بالتعاون مع اللجنة الحالية لمتولي الوقف في حيفا وهي لجنة شريفة غيورة على المقدسات وقامت بكشف الصفقة وغيرها من الألاعيب الإسرائيلية للسطور على ما تبقى من مقدسات وأوقاف لأهلنا في حيفا”.
في نهاية مداخلته للمؤتمر، قال المحامي عمر خمايسي: “تقوم مؤسسة ميزان بالمتابعة القانونية والاعتراض على المخططات التي تقدم في البلدات اليهودية التي قامت على أراضي القرى المهجرة، ومنها على سبيل المثال: البصة والعباسية ومخططات بلدية “شلومي” وفي “الزرنوقة”، قدّمنا التماسات واعتراضات، لكننا لا نؤمن بأن الجانب القانوني هو الحل الوحيد للدفاع عن مقدساتنا، وعليه يجب أن يعزز المسار القانوني دائما بحراك شعبي داعم وضاغط، فإسرائيل قامت بأكبر سرقة للأوقاف تحت سقف القانون والمشرع الإسرائيلي، الكنيست وقرارات المحكمة العليا، لكننا مع ذلك لن نرفع الراية البيضاء وسنواصل حراكنا القانوني للدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في وطننا”.
استعراض دور مؤسسة الأقصى
المحظورة إسرائيليا
المهندس زكي محمد اغبارية، القائم بأعمال رئيس بلدية أم الفحم، تحدث في المؤتمر، عن دور “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث”، المحظورة إسرائيليا، في مواكبة ملف المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية على مستوى البلدات العربية في طول البلاد وعرضها من رأس الناقورة حتى إيلات.
كما تطرق اغبارية إلى موسوعة “المقدسات في فلسطين” والتي أعدّتها مؤسسة “الأقصى للوقف والتراث” عبر عمل بحثي وميداني، في طول البلاد وعرضها، استمر على مدار سنوات، من خلال مهندسين ومسّاحين ومعماريين.
وأكد اغبارية أن الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية، بدأ منذ اليوم الأول بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، وأنها كانت تهدف إلى طمس الوجود والرواية الفلسطينية في هذه البلاد، مذكّرا بما صرّح به سياسيون إسرائيليون حول ندمهم أنه لم يجر طمس وتدمير كل المقدسات والأوقاف وآثار القرى الفلسطينية زمن النكبة.
وأشار المهندس زكي اغبارية إلى أن “الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا برئاسة الشيخ رائد صلاح، تنبهت في فترة مبكرة إلى المخططات الإسرائيلية وقامت بمأسسة عملية الحفاظ على الأوقاف والمقدسات والدفاع عنها وفي مقدمتها المسجد الأقصى، من خلال مؤسسة الأقصى، وتنفيذ مئات المشاريع الجبارة التي أنجزت في هذا الخصوص، عبر معالجات تطوعية أو عبر مقاولين وخبراء ونشاطات شعبية واجهت الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في مختلف البلدات العربية والقرى المهجّرة في الداخل الفلسطيني.
واستعرض اغبارية، المنجز الكبير لمؤسسة الأقصى المحظورة إسرائيليا والمتمثل بموسوعة “المقدسات في فلسطين” تتويجًا لمشروع الخارطة التفصيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وقال إن العمل في إعداد الموسوعة استمر طيلة 13 عاما، جرى خلالها توثيق ومسح شامل للمقدسات الإسلامية والمسيحية في البلدان المهجرة من أقصى الجنوب إلى أقصى شمال البلاد.
وأشار إلى أنّ “الموسوعة أحصت أعداد وأسماء المعالم الدينية الإسلامية والمسيحية، وخصوصاً المساجد، والكنائس، والمقامات، والمقابر خوفا من ضياعها من ذاكرة الزمان والمكان”.
كما وصفت الموسوعة وعرضت الحالة الإنشائية الراهنة لكل من هذه المعالم بشكل موضوعي.
وأوضح اغبارية أن “الموسوعة كتبت كذلك وبوصف دقيق أسس من المنهجية والمعايير الواضحة والمحددة، وقد بُذلت في إنجاز هذا المشروع جهود جبارة ومباركة، وصرفت من أجله أموالا طائلة، وجندت فيه اختصاصات مختلفة من مهندسين ومعماريين ومساحين ومؤرخين ومصورين ومحررين وعلماء آثار ذوي خبرة ومعرفة في تاريخ قرى ومدن فلسطين”.
يشار إلى أن الموسوعة قامت بإحصاء ما يزيد عن 1009 مواقع في 243 مدينة وقرية مهجرة، من بينها 161 مسجدا، 33 منها ما زال قائما، و11 مسجدا ما زالت تستعمل للصلاة في مدينتي عكا وحيفا والـ22 الأخرى، أما مغلقة (7)، أو تستعمل في غير أهدافها كمخازن (5) أو كمتاحف (2)، أو حولت إلى كنس يهودية (5) أو إلى مطاعم (2) أو قاعة أفراح (1) و10 مساجد هدمت جزئيا ولا تصلح للاستعمال، و118 مسجدا هدمت كليا ولم يبق لها أي أثر يذكر.
كما أحصيت 41 كنيسة، 35 منها ما زالت قائمة، وكنيسة واحدة هدمت جزئيا ولا تصلح للاستعمال، و5 كنائس هدمت كليا.
كما جرى إحصاء 411 مقاما، 46 منها ما زال قائما، و(2) مغلقة، و(4) حولت إلى كنس يهودية، و(3) حولت إلى مزارات يهودية و(2) مزارات للدروز و(1) يستعمل كمخزن، و(2) تستخدم للسكن و14 مقاما هدمت جزئيا، و351 مقاما هدمت كليا ولم يبق لها أثر.
وبخصوص المقابر، تمّ إحصاء 383 مقبرة إسلامية، 53 منها قائمة و109 منتهكة جزئيا، و221 مقبرة طمست تماما، ولم يبق لها أثر يذكر، وقد جرفت كليا أو أقيمت عليها المباني أو شقت فيها الشوارع، كما أحصيت 13 مقبرة مسيحية، 9 منها قائمة و3 منتهكة جزئيا، ومقبرة واحدة طمست تماما.
الأوقاف المسيحية
أما عن الأوقاف المسيحية في الداخل الفلسطيني، فقال المؤرخ والباحث جوني منصور خلال المؤتمر: ” إن الأوقاف المسيحية بيد الإدارت المسيحية والأديرة، سواء كانت في مناطق سكنية قروية منتشرة في طول البلاد، أو في مناطق لا يسكنها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر أو خارجه، وهذه الأوقاف تدار من قبل هيئات مسيحية كنسية من دون وجود شراكة لأبناء الطوائف أو حتى لجان تشرف على هذه الإدارات.
وأضاف: “على سبيل المثال فحارس الأراضي المقدسة المسؤول عن الأراضي والعقارات والأوقاف التابعة للرهبنة الفرنسيكانية هو الذي يشرف على هذه الأراضي، ولا دخل للناس الذين يسكنون هناك ولا يوجد أي تخطيط مستقبلي لإشراكهم فيه”.






