العربيّة لغتنا

د. رضا اغبارية- رئيس مبادرة “العربية لغتنا”

(19)

من مترادفات الفعل جاء

وإن ترادفت الكلمات، يبقَ لكلّ كلمة معناها الدقيق الخاصّ، وها هو أمامكم، المعنى العامّ لعمليّة “المجيء والإتيان”، بألفاظ مختلفة، وكلّ لفظة تعطي معنى أدقّ:

وَرَدَ: جاء إلى النهر أو الوادي أو البئر أو النبع؛ لأخذ الماء للشرب أو سقي الأنعام. ومنه قوله تعالى، في قصّة موسى عليه السلام: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ… ﴾ (القصص، 23). ومنه بيت المتنبّي الشهير:

وَرْدٌ إِذَا وَرَدَ الْبُحَيْرَةَ شَارِبًا     وَرَدَ الْفُرَاتَ زَئِيرُهُ والنِّيلَا

أَتَى: جاء من مكان قريب. وتأتي كذلك للإشارة إلى حدث وقع بيسر وسهولة. قال تعالى:” (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى﴾ (طه، 11). وقول البحتريّ:

أَتَاكَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَخْتَالُ ضَاحِكًا     مِنَ الْحُسْنِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا

قَدِمَ: جاء من مكان بعيد. ومنه قوله تعالى في قصّة فرعون: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ.﴾ (هود، 98) ومنه قول الشاعر بهاء الدين زهير:

قَدِمْتَ قُدومَ الغَيْثِ لِلْأَرْضِ إِنَّهَا     بِهِ أَشْرَقَتْ حُسْنًا وَطَابَتْ تَنَفُّسَا

أَقْبَلَ: جاء راغبًا متحمّسًا متعجّبًا. ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ.﴾ (الذاريات، 29) ومنه قول الشاعر المعتصم بالله أحمد:

أَقْبِلْ عَلَيَّ فَإِنَّ وَصْلَكَ يُلْهِمُ     فَإِذَا دَنَوْتَ فَإِنَّ شِعْرِيَ يُكْرَمُ