برد الشتاء يهدد حياة النازحين في غزة.. تحذيرات من كارثة إنسانية ونداءات عاجلة للإنقاذ

بين خيامٍ مهترئة وبردٍ يلسع العظام، يعيش مئات آلاف النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة فصول مأساة جديدة، فيما تتصاعد المخاوف مع اقتراب الشتاء من كارثة إنسانية وشيكة تطال الأطفال والنساء والمسنين الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى ولا دفء.
وقال مركز غزة لحقوق الإنسان في بيان له إن نحو مليوني فلسطيني يواجهون “كارثة إنسانية متصاعدة”، مشيرًا إلى أن عشرات آلاف الأسر ما تزال تقيم في خيام بالية لا تقيهم برد الليل ولا أمطار الشتاء، في ظل نقص المساعدات واستمرار القيود المفروضة على دخول مواد الإغاثة.
وأوضح المتحدث باسم المركز محمد خيري أن “الوضع الإنساني بلغ مستويات غير مسبوقة من القسوة، خاصة في مناطق الجنوب والساحل التي تؤوي مئات آلاف النازحين”، مضيفًا أن الظروف الحالية تفتقر إلى أي مقومات للحماية من البرد والمطر، مع انعدام شبه تام لمواد التدفئة وغياب شبكات تصريف المياه.
وبيّن خيري أن نسبة تلبية احتياجات الإيواء الشتوي لم تتجاوز 23% فقط، ما يعني أن نحو 945 ألف شخص يعيشون دون أي حماية حقيقية، محذرًا من أن أي موجة مطر قوية قد تؤدي إلى غرق عشرات المخيمات.
أصوات من قلب المعاناة
في أحد المخيمات المؤقتة بدير البلح، تجلس أم أحمد (45 عامًا) أمام خيمتها الممزقة، تحاول سد ثقوبها بقطع من النايلون. تقول بصوت مبحوح:
“كل ليلة أسمع صوت الريح وهي تقتلع أطراف الخيمة، أطفالي يرتجفون من البرد، ولا نملك سوى بطانيتين نتقاسمهما بين سبعة… الشتاء صار كابوسًا بالنسبة لنا”.
أما الطفل محمود (10 أعوام)، فكان يحاول إشعال نار صغيرة من الخشب المبتل إلى جانب والده قائلاً بخجل:
“نفسي أرجع على بيتي وأنام على سريري… ما بحب الخيمة، دايمًا بردانة وبتبللنا المي”.
وفي خيمة مجاورة، يقول الحاج أبو ناصر (68 عامًا) وهو يلتف بعباءة قديمة:
“عشت كل الحروب، لكن ما رأيت مثل هذا. كنا نظن أننا سنعود بعد أسبوع أو اثنين، وها نحن هنا منذ شهور بلا كهرباء ولا ماء ولا دفء. البرد قاتل، خصوصًا للمرضى مثلي”.
أمل صغير في العطاء
رغم القسوة، يحاول بعض الشبان التخفيف من معاناة الناس. يقول رامي الحداد (27 عامًا)، وهو متطوع في مبادرة محلية:
“نجمع البطانيات والملابس من أهل الخير لتوزيعها على العائلات، لكن الاحتياجات تفوق إمكاناتنا بكثير. الناس لا تطلب رفاهية… فقط وسيلة للبقاء على قيد الحياة”.
وفي عيادة ميدانية قرب دير البلح، يحذر الطبيب محمود جحجوح من تزايد الإصابات بنزلات البرد والالتهابات الرئوية بين الأطفال، بسبب الرطوبة وانعدام التدفئة، مشيرًا إلى أن الوضع “مقلق جدًا، وأي هطول غزير للأمطار قد يؤدي إلى انتشار الأمراض بسرعة”.
نداء مفتوح إلى العالم
حذر مركز غزة لحقوق الإنسان من أن “الشتاء في غزة لا يعني مجرد انخفاض في درجات الحرارة، بل يعني حياة أو موتًا لآلاف الأسر”، مؤكدًا أن تأخير دخول مواد الإيواء سيضاعف المأساة.
ودعا المركز المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى تحرك عاجل لتأمين الخيام السليمة، البطانيات، والملابس الشتوية قبل فوات الأوان.
وقال خيري في ختام بيانه:
“إنقاذ الأرواح وتوفير الكرامة الإنسانية مسؤولية جماعية. ما يجري في غزة ليس أزمة عابرة، بل اختبار حقيقي لإنسانيتنا جميعًا”.



