أخبار وتقاريرمقالاتومضات

أمَّا غزة فهي معذورة في أي اتجاه ذهبت

توفيق محمد

حسب تقارير صحفية أمريكية لم تعلق عليها الخارجية الأمريكية نفيا أو تأكيدا، فإن أمريكا قدَّمت لإسرائيل منذ إعلان الحرب على غزة مساعدات عسكرية بقيمة 21 مليار و700 مليون دولار منها 18 مليار دولار في عهد الرئيس الأمريكي السابق بايدن، عدا عن الدعم السياسي غير المحدود الذي استعملت فيه أمريكا حق النقد (الفيتو) عديد المرات ضد مشاريع قرارات لوقف الحرب على قطاع غزة.

هذه الأسلحة والسياسات قتلت -بأيدٍ إسرائيلية- حتى الآن 67 ألفا من أبناء شعبنا في قطاع غزة فيما دمرت قرابة 80% من المباني في قطاع غزة إما بشكل كامل أو جزئي، وأتاحت لإسرائيل احتلال قطاع غزة، وتدمير المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وخاصة في جنين، وفي طولكرم، ناهيك عن تدمير المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة بالكامل، وهذا التدمير للمخيمات، ليس إلا جزءا من مخطط كبير لإفراغ وتصفية القضية الفلسطينية من أحد أهم أركانها، وهو حق العودة، فتدمير المخيمات وإسكان اللاجئين في شقق سكنية بعد تدمير بيوتهم هو أحد أسس القضاء على حق العودة الذي يعتبر من أهم مركبات الثوابت الفلسطينية المتعارف عليها والذي ضمنته المواثيق والقرارات الدولية المختلفة، ومنها القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1948.

يجري ذلك فيما العالم كله منشغل بحرب الإبادة على قطاع غزة، وهو انشغال صحيح وفي محله.

رغم هذا الدعم الأمريكي العسكري والسياسي الهائل، الذي يجعل من أمريكيا ليست داعمة للحرب على غزة، إنما شريكة فعلية فيها، فلولا سلاحها الفتاك ودعمها اللامحدود لما استمرت حرب الإبادة على غزة سنتين، رغم ذلك فإن الرئيس الأمريكي تمكن من جمع ثمانية رؤساء وملوك عرب ومسلمين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد في 27-29/9/2025 ليوقعوا على ما أُطلق عليه مبادرة ترامب التي هي ليست إلا خطة نتنياهو – درمر لتصفية القضية الفلسطينية، برعاية دول عربية وإسلامية، وأصدر بيانه الذي يحتوي على 21 بندا لم يلتزم في أي منها بجدول زمني لإنهاء حرب الإبادة، ولا بنقاط انسحاب واضحة لجيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، ولا ببند لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، كما هي سيادات الدول المختلفة، بل إن مبادرته لم تسمِّ السلطة الفلسطينية كسلطة إدارية فعلية في قطاع غزة، وهو بهذا يتبنى الرواية الإسرائيلية الكاملة التي تعتبر السلطة الفلسطينية التي أقيمت أصلا على أساس اتفاق فلسطيني –إسرائيلي برعاية أمريكية، سلطة معادية رغم كل التنسيق الأمني المعروف بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي، وغني عن البيان أن ذلك ليس لذات السلطة، إنما لأن المنظومة الاسرائيلية الحاكمة تريد نزع الشرعية عن أي جسم فلسطيني قد يفهم أنه يمثل الشعب الفلسطيني، وبالتالي اعتبار الشعب الفلسطيني رعايا في دولة تسعى للسيطرة على كامل التراب الفلسطيني، حتى لو كانت هذه السلطة من ثمار أوسلو، ومن ثمار اتفاقات سابقة مع إسرائيل، وحتى لو كان تنسيقها الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي في أعلى المستويات رغم ما يعانيه شعبها الفلسطيني من حرب إبادة وتهجير في قطاع غزة وحرب استنزاف وترحيل (المخيمات) ومستوطنات في الضفة الغربية، فالمهم إسرائيليا هنا هو نزع شرعية التمثيل الفلسطيني أيا كان.

لقد تضمنت خطة ترامب – نتنياهو التزاما باستمرار احتلال غزة عبر مسميات جديدة على أن يترأس الاحتلال الجديد لغزة الرئيس الأمريكي ترامب هذه المرة بإدارة سيئ الذكر توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي كان مسؤولا عن تدمير العراق، وهذا وفقا لما جاء في البند الثامن من الخطة وهو: “ستحكم غزة لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط غير السياسيين، وستكون مسؤولة عن الإدارة اليومية للخدمات العامة والشؤون البلدية في غزة.

وستتألف هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين بإشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تسمى “مجلس السلام” وسيرأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أعضاء آخرين ورؤساء دول سيُعلن عنهم، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير”. مما يعني ان لجنة التكنوقراط الفلسطينية المؤقتة ستكون لجنة بصلاحيات مدير بلدية يعمل على تنفيذ سياسيات الرئيس.

وللتأكيد على البند أعلاه جاء البند 13 الذي يُستهل بالقول: “توافق حماس والفصائل الأخرى على ألا يكون لها أي دور في حكم غزة بشكل مباشر أو غير مباشر أو بأي شكل من الأشكال. “، وهذا يعني استبعاد الكلِّ الفلسطيني (جميع الفصائل) من حكم غزة، واستجلاب “الكاوبوي” الأمريكي لإدارة شؤون الناس غير المؤهلين لحكم أنفسهم وفق هذه الرؤية.

وتضمنت الخطة أيضا العمل على تغيير فكر ورؤية الفلسطينيين والإسرائيليين. ولن يكون ذلك إلا في العمل على تغيير المناهج التدريسية في قطاع غزة بشكل يتوافق مع الرؤية الأمريكية والغربية والإسرائيلي، ما يعني العمل على إنشاء جيل جديد بعيد عن الفهم الإسلامي والعربي والفلسطيني، يقدس المفاهيم الغربية والأمريكية والإسرائيلية، ويجعل من قضية الأمة، قضية جياع يبحثون عن لقمة العيش وعن رفاهية الحياة، وذلك وفق البند 18 من خطة ترامب – نتنياهو والذي يقول: “ستُطلق عملية حوار بين الأديان تستند إلى قيم التسامح والتعايش السلمي بهدف تغيير فكر ورؤية الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال التأكيد على الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال السلام”.

أمّا تغيير فكر ورؤية الإسرائيليين، فهذا كلام ديباجات ليس إلا، وأما تغيير فكر ورؤية الفلسطينيين فهو الهدف والمراد.

سبق وأن نقض نتنياهو وترامب تعهدات واتفاقات وتصريحات كثيرة سابقة لهم فيما يتعلق بالذهاب الى صفقة تفضي إلى وقف الحرب على غزة، ولذلك فإنهما غير مضمونين بالاستمرار بأي اتفاق مهما كان مجحفا بالحق الفلسطيني بعد أن يحققوا ما يريدون من المرحلة الأولى وهي إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

أما غزة فهي معذورة في أي اتجاه ذهبت، فهي وحدها التي ما تزال دماء أبنائها تسيل، وهي وحدها التي ما تزال تُجوَّع، وهي وحدها التي ما تزال تُهَدَّمُ، وهي وحدها في هذا العالم التي ما تزال تُباد تحت مرأى ومسمع من كل العالم، قريبه وغريبه، إنما الذي لا يُعذرون هم أولئك من يملكون من أوراق الضغط سواء الاقتصادي أو السياسي الكثير، ولكنهم لم يُحسنوا سوى الموافقة على إعادة تسمية محتلي قطاع غزة بإشراف إسرائيلي كامل (وفق خطة ترامب)، بل وحث أهل غزة على الموافقة على ذلك دون تقديم الدعم السياسي المُستحق.

أما الباقي فهو للتاريخ، والذي نأمله أن يُكتب التاريخ هذه المرة –على الأقل- بأقلام نزيهة ترويه كما كان، لا كما يُراد له أن يكون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى