أخبار رئيسيةأخبار عاجلةدين ودنيا

الطلاق في المجتمع العربي.. هل من مخرج لهذا النفق المظلم (2)

ليلى غليون

كنا قد استعرضنا في المقال السابق بعضًا من أسباب ومسببات ازدياد نسبة الطلاق في مجتمعنا والتي وصلت إلى نسبة غير مسبوقة تنذر بخطر محدق على مؤسسة الأسرة، وفي هذا المقال سنجتهد أن نضع أيدينا على الجرح في محاولة للوقوف عند هذه الأسباب وهل من الممكن علاجها أو الحد منها.

لا شك أن الجسم أي جسم، عندما يفقد مناعته أو تضعف عنده هذه المناعة، يصبح عرضة للأمراض على أنواعها وربما يصعب برؤه منها لأن الجهاز المناعي الدفاعي الذي كان يتحصن به ويحتمي به فقد صلاحيته وأهليته، ليصبح هذا الجسم مشاعًا للجراثيم والأوبئة تفتك به بكل سهولة ويسر ودون أدنى مقاومة.

وهكذا هي المجتمعات والتي من المفروض أنها محصنة بمنظومات دفاعية تحافظ على سلامتها وتحميها من العاديات التي من الممكن أن تشكل خطرًا على استقرارها أو تماسكها.

ومن أقوى هذه المنظومات الدفاعية المنظومة الدينية والأخلاقية والتي ليس سواها يشكل حصنًا حصينًا منيعًا لأي مجتمع كان، وتُبقي، بل تحفظ له سلامته وأمنه واستقرار عيشه.

ولكن وعندما تضعف هذه المنظومة في أي مجتمع، فإن هذا المجتمع بلا شك سينحدر إلى الهاوية من حيث يدري أو لا يدري لأنه لا وجود لأي فرامل يمكن أن تكبح سقوطه وانهياره.

لا يمكن أن نخدع أنفسنا أو أن نضحك عليها بأن هناك حلًا سحريًا سيقضي على هذه ظاهرة الطلاق، فالطلاق كحل جذري للأزمات الزوجية، كان وسيبقى بل هو الحل الوحيد في بعض الحالات، وقد نزلت سورة كريمة تحدثت عنه بإسهاب هي سورة الطلاق، ولم تنزل خاصة لعصر من العصور بل هي لكل عصر حتى يرث الله الأرض ومن عليها بمعنى أن الطلاق سيقع إذا احتاج الأمر، ولكن الأمل والمرجو والذي لأجله خصصت هذه المقالة أن هذه الظاهرة في طريقها إلى الاستفحال ويجب العمل بجدية على الأقل لكبح جماحها ومعالجة مسبباتها والحد من منها قدر المستطاع، فهل نستطيع ذلك؟

نعم ممكن ولا شيء مستحيل إذا توفرت الإرادة الجمعية والمسؤولية الجمعية والاهتمام والوعي الجمعي بالمخاطر المحدقة لهذه الظاهرة ومن ثم العمل الجمعي لكبح جماحها وعرقلة تمددها واستفحالها في المجتمع لأن الكل مسؤول.

ولا يمكن أن تكون نهاية لهذا النفق المظلم إلا إذا كانت البداية مشرقة، ولن تكون البداية مشرقة إلا بالعودة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن تعود المنظومة الدينية والأخلاقية هي الميزان الذي يحكم المجتمعات وبها يعمل الأفراد، فتكون مخافة الله وتقوى الله عز وجل فوق كل شيء وفوق كل اعتبار، وعندما تترسخ منظومة القيم هذه في نفوس الأفراد، نكون فعلًا قد وضعنا أيدينا على الجرح لتكون الخطوات القادمة في طريق المخرج أسهل وأيسر.

فالكل مسؤول عن استفحال حالات الطلاق أفرادًا وأهال ومؤسسات وسلطات، والمسؤولية جمعية ولا تقتصر على الزوجين فقط وإن كان لهما حصة الأسد في هذا الشأن.

وتراودني عدة تساؤلات أطرحها على الجميع:

• على أي أساس يتم اختيار الشاب لزوجة المستقبل أو الفتاة لشريك حياتها؟ وما هي المعايير التي يضعها الأهل أو تضعها الفتاة أو يضعها الشاب عند قرار الاختيار؟

• لماذا لا تكون دورات تأهيل للزواج للشباب والفتيات حتى في المدارس أو الكليات والجامعات، من خلالها يتم تثقيفهم وتأهيلهم للحياة المستقبلية وما بها من إشكاليات يمكن أن تواجههم، ومن خلالها يتم تعليمهم مهارات عديدة مثل التواصل، كيفية مواجهة المشاكل وحلها، إدارة الأمور المالية، إدارة الخلافات وغيرها من شؤون الحياة الزوجية العديدة، فكما يتم تأهيل أي شخص لأي مهنة مثل الطبيب المهندس المعلم، قبل أن يتسلم مقاليد مهنته، فالأولى تأهيل المقبلين والمقبلات على الزواج للحياة المستقبلية.

• هل يتم إرشاد الفتاة من قبل أهلها والشاب من قبل أهله لطبيعة الحياة المقبلين عليها، وأنهما أصبحا مسؤولين عن حياة مشتركة لها متطلباتها وإشكالياتها وكيف يتصرفان لتبقى سفينة الزوجية تسير على مياه هادئة.

• هل يتم الترسيخ في وعي الشاب أن هذه الفتاة التي أصبحت حلالًا له دون غيره أنها أمانة بين يديه وعليه أن يتقي الله فيها وأن يحسن عشرتها؟ وهل رُسخ في وعي الفتاة أن زوجها له حقوق عليها وأن طاعته من طاعة الله إلا في معصية؟ وهل رُسخ في وعيهما أن كتاب الزوجية كتاب خاص بهما وحدهما ولا يحق لأحد أن يفتح صفحات هذا الكتاب سواء من أهلها أو من أهله أو غيرهم مهما كانت الظروف إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى؟

• هل زرعنا في وعيهما أن المشاكل في مسيرة حياتهما الزوجية بأن هذا شيء طبيعي، بل وصحي، وأن البيت ممكن أن يتعرض لهزات اقتصادية، صحية، اجتماعية وغيرها، هل علمناهما كيف يتخطيان هذه المشاكل دون المساس بأساسيات الأسرة وأن العاصفة ستمر بهدوء فلا يعملان من الحبة قبة (إلا إذا كانت الإشكالية كبيرة والوضع لا يحتمل).

• هل علمناهما أن الحياة الزوجية تتطلب صبرًا وجهدًا وحكمة وتفاهمًا مستمرًا، وليست كما تروج وسائل الإعلام ومواقع التواصل بأن الزواج فقط حب ورومانسية وحياة مثالية.

• هناك العديد من مراكز الإرشاد والعلاج الأسري في البلاد، لماذا لا تزال ثقافة طلب المساعدة والاستشارات الأسرية أو العلاج الأسري لدى العديد من الأزواج وحتى الأهل، شبه مرفوضة أو على استحياء وكأن الذهاب لمراكز الارشاد النفسي أو الأسري عيب ومنقصة وماذا سيقول عنا الناس؟ فمثلما لا يتردد أحدنا بالذهاب إلى الطبيب عندما يتعرض لأي وعكة صحية، فمن باب أولى ألا يتردد بالبحث عن استشارة أو إرشاد أسري أو زوجي عندما تتعرض الأسرة لوعكة والبيت لهزة عسى الله أن يقضي أمرًا كان مفعولًا.

إن هذه الأسس والتي باعتقادي يغفل عنها الكثير من الأهل حين يقدمون على تزويج أبنائهم وبناتهم، وبالمقابل تراهم يهتمون أشد الاهتمام بإنشاء البيت على أفخم طراز، وتأثيثه بأحدث صيحات الأثاث العالمي، ويقيمون للشاب عرسًا يحضّرون ويستعدون له ربما لأشهر قبل موعده، عرس ذو ليالي أفراح طوال يتحدث عنه القاصي والداني، وقد نسوا أو تناسوا أن العرس يوم وينتهي وسيكون في طي النسيان، والبناء الأسري هو الأصل وهو الذي يجب أن نحافظ على أن يبقى، فهل شيدنا هذا البناء على أسس راسخة قوية لا تهزها رياح المشاكل والخلافات لتعود الأسرة إلى دورها الريادي في نهضة وبناء المجتمع وتوفر الأمان والاستقرار لأفراده، فالأسرة إذا صلحت واستقرت استقر المجتمع وصلح، وإذا تفككت فقل على المجتمع السلام وصلّ عليه أربع تكبيرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى