أخبار رئيسيةأخبار وتقاريردين ودنيا

حالات الطلاق.. والنسبة المرعبة

ليلى غليون

المعطيات الأخيرة المقلقة، بل المرعبة حول نسبة الطلاق غير المسبوقة في مجتمعنا العربي، لتضع ألف علامة استفهام وتساؤل حول أسباب ومسببات ازدياد هذه الظاهرة التي لم تعد قاصرة على الشباب فقط، بل على كبار السن أيضًا، لتنذر بما لا يدعو مجالًا للشك، بمخاطر جمّة تدك حصون الأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، وهل بقي في مجتمعنا حصون لم تُدك؟ وهل بقي لنا غير الأسرة يحتم علينا واجب الزمان والمكان أن نعض عليها بالنواجذ لنحافظ على تماسكها وصلابتها ودورها في قوة وتماسك المجتمع قبل أن تنهار كل الحصون؟!

تصدمنا الأرقام والحقائق، ونضرب كفًا بكف على هذا الواقع المر، ونعدد الأسباب والمسببات لهذه المعطيات، وقد يطغى على جلساتنا وأحاديثنا موضوعات اجتماعية متشابكة أرهقت واستنفدت أعصابنا حتى إذا خفت الحديث عنها أصبحت نسيًا منسيًا، لنعود لنفس الكلام ونجتر نفس الأحاديث كلما ظهرت على السطح من جديد، ولا جديد نفعله في مجابهة ما نعانيه.

فما الذي يحدث؟ ولماذا أصبح بناء الأسرة هشًا بهذا الشكل؟ بحيث أصبحت أقل هزة أو ريح خفيفة من شأنها أن تهز أركانه.

لقد شُرع الطلاق ليكون المحطة الأخيرة في مشوار سفينة الحياة الزوجية، وذلك عندما تستحيل هذه الحياة وقد تعثرت كل السبل أمامها لترسو على برّ الأمان، ليكون الطلاق في هذه الظروف هو بر الأمان لكلا الزوجين والأولاد، والمنقذ الوحيد لحياة زوجية متعثرة باستمرارها سيلحق الأذى والتعاسة بكل أفرادها، ولكن ما يشعل ألف ضوء أحمر أن يكون الطلاق أول ما يفكر به الزوجان حين نشوب الخلافات والمشاكل، وهل تسير حياة زوجية بلا مشاكل، فهذا طبيعي وصحي، وهناك سبل عديدة لحل المشاكل، ليبقى البيت معافًى سليمًا، والطلاق يكون عندما تُستنفد هذه السبل، لا أن يكون أول الحلول، مما يشير إلى مدى الاستهتار بقدسية عقد الزوجية والعلاقة التي تربط بين الزوجين.

نعم تعددت الأسباب لظاهرة الطلاق في مجتمعنا، وهل يكون طلاق بلا سبب!!، وتعددت العوامل والنتيجة واحدة وهي انهيار البنية الأساسية لتماسك واستقرار المجتمع وهي الأسرة، وكيف يكون مجتمع بلا أسر، فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة؟ وهل أصبح كل سبب يستحق أن يؤخذ به ليكون معولًا يقوض أركان الأسرة؟
لظاهرة ازدياد نسبة الطلاق في مجتمعاتنا أسباب متشابكة كثيرة لا يمكن حصرها في مقال واحد، ولكل حالة طلاق ظروفها وحيثياتها، وقد تكون لأسباب تراكمت بصمت دون العمل على إيجاد حل لها حتى وصلت بالعلاقة الزوجية إلى مرحلة الانهيار، ولكنها في الغالب تعود لمتغيرات جمة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، ساهمت إلى حد ما في اهتزاز أركان الأسرة، مثلًا الظروف الاقتصادية الصعبة التي تخيم على كثير من البيوت وتكتوي بنيرانها العديد من الأسر، تشكل ضغوطًا يومية على الأسرة، والذي يزيد الطين بلة، أنه رغم صعوبة هذه الظروف ومحدودية الامكانيات المادية عند أغلب الناس، إلا أن الوجاهة الاجتماعية وحب الظهور بالمظاهر الكاذبة تسيطر على العديد من الأفراد، فهناك من يريد أن يعيش بمستويات معيشية عالية يعلم علم اليقين أنه لا يقدر عليها ماديًا، ولكنه يريد أن يحاكي الأسر الغنية بمعيشتها ولو على حساب الديون والقروض وخراب البيت، فليس أحد أحسن من أحد!! ليزداد الضغط والتوتر في العلاقات الأسرية والذي حتما سيؤول إلى النزاعات والخلافات ثم إلى طريق معروفة نهايته وهو الطلاق.

وفي هذا الحال لا يمكننا التغاضي عن دور الأهل السلبي في حياة الزوجين وتدخلهم العاطفي غير العقلاني والحكيم في حياتهما الخاصة، بأن يركب كل رأسه كما يقولون، وذلك بانحياز أهل الزوج لابنهم وانحياز أهل الزوجة لابنتهم، وكل يريد الانتصار لذاته، وما علموا أن الانتصار في هذا الموقف هو للبيت والأسرة والأولاد والحفاظ عليهم من الضياع وليس الانتصار للأشخاص.

وبدل أن يكونوا حبل وصل بين الزوجين، يساهموا في تجفيف منابع الأمل للوصول بهما إلى الصلح وإلى حل يرضي الطرفين، فيكونون سببًا مباشرًا في انهيار الأسرة التي ربما لم يمرّ على إنشائها أشهر معدودة.

كذلك الأمر لا يمكننا ونحن نستعرض بعض أسباب ازدياد حالات الطلاق في مجتمعنا إلا أن نذكر وبقوة وسائل التواصل الاجتماعي وما أدراك ما وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تكون من الأسباب المباشرة للعديد من حالات الطلاق، حيث سهلت طريق التواصل بين الأزواج وبين أشخاص غرباء، لتتحطم بينهم الحواجز وتنكشف الخصوصيات وتتقارب القلوب وتتبادل المشاعر وتتولد المقارنات، ثم الانفصال العاطفي التدريجي بين الزوجين ثم انهيار جدار الثقة بينهما ثمَّ النهاية معروفة.

فمع كثرة المقارنات من قبل الزوجين مع الحياة المثالية الافتراضية التي يعرضها الكثير من خلال هذه الوسائل، فهذه المقارنات بالطبع تؤدي لتوقعات غير واقعية والتي نتيجتها الحتمية شعور الزوج بعدم الرضا عن زوجته لأنه وجد في هذا العالم الوهمي من هي أفضل منها، وشعور الزوجة بعدم الرضا عن زوجها لأنها وجدت كذلك من هو أفضل منه، ليكون القرار السريع وبدون تفكير في عاقبة الأمور، الطلاق والانطلاق بحثًا عن تلك الحياة المثالية التي رسمها له ولها ذاك العالم الافتراضي والذي بالطبع لن يجدها ولن تجده، بل سيجدان الوهم والسراب ثم الحسرة والندامة بعد خراب البيت. فضعف الوازع الديني والأخلاقي عند الزوجين وضعف منظومة القيم المجتمعية، يشكَل حتمًا ضربة قاسمة على سيرورة العلاقة الزوجية، فلا يتقي الزوجان الله في بعضهما، والزواج الذي لا يبنى على تقوى الله والاحترام والأخلاق والثقة المتبادلة، فمن الطبيعي والبديهي أن يكون عرضة للتفكك والانهيار.

كذلك فإن الاستقلال المادي للمرأة واعتمادها على نفسها والتقليل من تبعيتها ماديًا للزوج له أثر كبير في سرعة اتخاذ قرار الطلاق عند نشوب المشاكل خاصة عندما تكون الحياة الزوجية مضطربة، وهنا قد يسأل سائل: وما الذي يجبر المرأة على العيش في حياة مضطربة، مع توفر القدرة على إعالة نفسها؟ والجواب لا أحد يجبرها، ولكن أن يكون القرار بالانفصال بهذه السرعة وإغفال الجانب الاصلاحي لإصلاح ما يمكن إصلاحه، فهذا الذي أعنيه، وهنا تكمن الطامة.
ولا زلتُ استعرض مسببات قاتلة للحياة الزوجية، إلا أنني أعود لنفس السؤال الذي استعرضته في بداية هذا المقال وهو لماذا ازدادت نسبة الطلاق بهذا الشكل المرعب وما الذي يجعله أول الحلول عند نشوب أول مشكلة؟

حسب اعتقادي بالإضافة للأسباب المذكورة سابقًا، هناك سبب جوهري أخل بالحياة الزوجية وهو قلة الوعي، أو بالأحرى الاستهانة بقدسية الحياة الزوجية وبأهمية مؤسسة الأسرة، فلم تعد لها تلك المكانة والأهمية التي كانت تحظى بها عند الجيل السابق، حيث كان الزوجان جلّ همهما واهتمامهما البيت والأولاد بالدرجة الأولى، وتصبر هي ويصبر هو ويتحملان الصعاب من أجل حماية البيت واستقرار الأسرة، حتى مع وجود مشاكل وخلافات بينهما لأن الخلافات شيء طبيعي كما أسلفنا بل هو من غير الطبيعي عدم وجود خلافات زوجية، فلم يكن التسرع باتخاذ قرار الطلاق ليتم بهذه السهولة كما هو حاصل اليوم، ولم يكن التفريط بالأسرة والأولاد كما هو الحال اليوم، وكان الطلاق يقع كالصاعقة إذا حصل خاصة على المرأة.

فما نجده اليوم من الأزواج خاصة صغار السن، يدخلون عش الزوجية دون استعداد مسبق لمواجهة التحديات التي ممكن أن يواجهوها أثناء مشوارهم الزوجي، ودون إدراك ووعي مسبق لمسؤوليات هذه الحياة، وأنها ليس نزهة ولا حب ولا رومانسية فقط، لتكون الصدمة عند أول اختبار لهم، فتكون القرارات المتسرعة غير المسؤولة وغير المدروسة وأخطرها القرار بالطلاق، وكأن الحياة الزوجية لعبة أطفال إذا مل الطفل منها أو لم تعجبه ألقاها جانبًا واستبدلها بلعبة أخرى وهكذا.

فهل يمكن الحدّ من هذه الظاهرة بمعالجة أسبابها ومسبباتها وسبر أغوارها؟
وهل من حلول لمواجهة معارك الانفصال وما أكثرها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى