همسات في آذان الأمهات
ليلى غليون
قد تعتقدين عزيزتي الأم، بل تفاخرين أحيانا بأنك تؤدين دورك المفترض في تربية الأبناء وحفظهم ورعايتهم وتوفير جميع احتياجاتهم على أكمل وجه، لتقولي باطمئنان قلب إن الأولاد والحمد لله بألف خير ولا ينقصهم من نعيم الدنيا ومتاعها شيء، فأنا ووالدهم لا ندخر في سبيل إسعادهم جهدًا ولا وقتًا حتى يعيشوا وينعموا بالأمن النفسي والاطمئنان الشعوري بنفسيات وشخصيات قوية سوية، وهذا الكلام جميل ولا غبار عليه، فاستقرار الأبناء نفسيًا وعاطفيًا ونجاحهم في الحياة، يعد تجسيدًا وتحقيقًا لآمال الأهل على أرض الواقع بعد جهد وكد سنين طويلة ومشوار تربوي طويل والذي سيؤجرون عليه بإذن الله، ولكن عزيزتي الأم، هل هذا هو كل ما يحتاجه منك أطفالك؟ هل كثرة الألعاب والرحلات والحياة المرفهة هي التي ستصقل شخصية الطفل السوية؟ أين الاهتمام بالتغذية الروحية؟ أين الاهتمام بتنمية المواهب والمهارات؟ أين المسعى لربط الأطفال بالواقع الذي يعيشون فيه، وما يدور فيه من أحداث وما أكثرها بل ما أشدها؟
فإنك وأنت تحرصين على توفير حاجيات أبنائك المادية، وتواكبين آخر تطورات العصر من تكنولوجيا وماركات عالمية لأزياء وأجهزة حديثة تزودينهم بها، احرصي أيضا على تغذية أرواحهم حتى لا تكون عرضة للهزال أو الكساح، ازرعي في قلوبهم الصغيرة حب الله جل جلاله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم واربطيهم بالقرآن، من خلال تصرفات وأقوال وسلوكيات تصدر منك يشاهدونها ويسمعونها يوميًا، فهم بين يديك كالعجينة الطرية تستطيعين أن تشكلي منها أشكالًا مختلفة، فاحذري وانتبهي ماذا تشكلين، فأنت القدوة والمثل الأعلى بالنسبة لهم ولا يستطيعون بعد التمييز بين الصح والخطأ، فهم يقلدونك في أفعالك وأقوالك ويأخذون منك الكثير من الصفات لتنعكس بالتالي على شخصيتهم وسلوكهم المستقبلي، احرصي بل اجتهدي على زرع المبادئ الاسلامية من خلال سلوك بسيط معهم، فعندما تطلبين من أحدهم مثلًا أن يقوم بغسل يديه قبل وبعد الأكل، اغرسي في عقليته أن النظافة والطهارة من أسس ديننا الحنيف، وأن الإسلام حثَّ عليها، وأن معظم العبادات التي أمرنا الله تعالى بها لا تصح إلا بالنظافة والطهارة.
كذلك، وأنت تشجعينه على مساعدة أخيه أو أخته في أي عمل يستطيع فيه تقديم المساعدة، ازرعي فيه حب التعاون وحب فعل الخير وقولي له بأسلوب جميل بسيط، إن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يحبان المسلم الذي يفعل الخير لإخوانه وأصدقائه وأنه سبحانه سوف يدخل المحسنين الجنة جزاء مساعدتهم للناس، كذلك وأنت تساعدين محتاجًا وتقدمين له المال أو الطعام، دعيه يشاركك في العمل أو على الأقل الفتي انتباهه وأثيري اهتمامه لهذا العمل الطيب بأن مساعدة المحتاج والمسكين واجب علينا نحن المسلمين بل هو من أعظم القربات، وأن الله تعالى أمر بإغاثة المساكين والمحتاجين وإكرامهم بغض النظر إن كانوا مسلمين أو غير مسلمين فهم إخوة في الإنسانية، وسيثيب الله تعالى من يفعل ذلك الأجر والثواب العظيم، لينشأ طفلك عزيزتي الأم ليس فقط مهيئًا نفسيًا لفعل الخير بإذن الله، بل قلبه مرتبط بهذا الدين العظيم الذي سيشعر بالفخر والعزة بالانتماء إليه.
ولا تنسي عزيزتي الأم ونحن في معمعة الأحداث الدامية وزحمة المصائب والويلات التي صبت على المسلمين صبًا من قبل قوى الشر العالمية التي تمارس الارهاب العالمي بأبشع صورة وبأفظع الأساليب، لا تنسي في زخم هذا كله توعية الأبناء بما يدور في بلاد المسلمين، بل اجعليهم يشعرون بانتمائهم إلى المسلمين في كل مكان على وجه الأرض ويحملون جزءًا ولو يسيرًا من هموم الإسلام والمسلمين (طبعًا حسب جيلهم ومدى إدراكهم للأمور) وذلك بأن تلفتي نظرهم بأن هناك أطفالًا مسلمين في مثل أعمارهم، أو أصغر أو أكبر منهم، حصدت آلة الشر آمالهم وطفولتهم وتركتهم أيتامًا مشردين لا مأوى لهم ولا طعام ولا شراب ولا ألعاب، وبذلك تزرعين فيهم حب الإيثار وتستنفرين في داخلهم مشاعر الأخوة في الدين بأن يدخروا مثلًا من مصروفهم اليومي من أجل الأطفال المنكوبين، وإن تعذر الأمر ولم يستطيعوا تقديم المساعدة المالية، فعلّميهم كيف يدعون لإخوانهم في ظهر الغيب، وهذا أقل الواجب، وأنهم مطالبون بذلك لأنهم مسلمون، وعلميهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل احفري هذا الحديث في قلوبهم ووجدانهم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة).
علميهم أن المسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها، ونحن المسلمين مثل الجسد الواحد أو هكذا يجب أن نكون، فينشأ الأطفال غير بعيدين عن دوائر الحدث، نعم يفرحون ويمرحون ويعيشون طفولتهم بطولها وعرضها وهذا حقهم الطبيعي والضروري ،ولكنهم في نفس الوقت غير متجاهلين ولا متناسين أن هناك أطفالا في مثل أعمارهم يشتهون البسمة على شفاههم ولكنها غابت كما الشمس تغيب، ويتمنون اللقمة وشربة الماء فلا يجدونها وكأنها صارت من المستحيل، يتمنون لعبة أطفال ولو بسيطة مثل كل أطفال هذا العالم، ولكنها دُفنت تحت الأنقاض وبين الدمار كما الأحلام والأمنيات كلها بات تحت الدمار.


