بين الإعدام الميداني والإعدام الإعلامي

الشيخ رائد صلاح
بعض أنظمة الملك الجبري العربي، سواء كانت رئاسية أو ملكية أو أميرية، باتت ساهرة ليلها ونهارها على فرض حكم الإعدام الميداني أو الإعدام الإعلامي على الكثير من أحرارها وحرائرها.
لأن هؤلاء الأحرار والحرائر ملكوا الجرأة والنخوة والكرامة، وقالوا لا في وجه هؤلاء البعض من أنظمة هذا المُلك الجبري، ولم تصدر هذه الأنظمة، التي أهلكت الحرث والنسل، هذه الأحكام ما بين إعدام ميداني أو إعدام إعلامي قبل بضع سنين فقط، بل أصدرت هذه الأنظمة هذه الأحكام واعتادت على مواصلة إصدارها منذ قرابة القرن من الزمان، ولا تزال تصر على إصدارها حتى الآن، ونحن في عام 2025، وقد طالت أحكام الإعدام الميداني أو الإعلامي عشرات الآلاف من أحرار وحرائر العالم العربي.
ولا يزال هذا الرقم يزداد حتى الآن، وعلى سبيل المثال، طالت أحكام الإعدام الميداني الشهيد حسن البنا، والشهيد سيد قطب، والشهيد عبد القادر عودة، والشهيد مروان حديد، والشهيد محمد مرسي، والشهيد عصام العريان، والشهيد محمد مهدي عاكف، ولا تزال مقصلة هذا الإعدام الميداني منصوبة تحصد الكثير من أحرار وحرائر العالم العربي حتى هذه اللحظات.
ولا يزال الذباب الإلكتروني لهذه الأنظمة المتخلفة يفاخر أن هذا النظام المتخلف منها أو ذاك، نجحت مخابراته بمطاردة زيد أو عمرو من هؤلاء الأحرار والحرائر، ثم نجحت بإلقاء القبض عليه، ثم إحضاره إلى طاغية هذا النظام المتخلف، ثم نفذت فيه حكم الإعدام الميداني، مع التأكيد والتذكير أن هذه الأنظمة المتخلفة قد تنفذ حكم الإعدام الميداني في حق فرد من أحرار وحرائر العالم العربي، وقد تنفذ هذا الحكم في حق بضعة أفراد، وقد تنفذه في حق الآلاف، بل عشرات الآلاف.
ولا يزال السؤال مطروحًا، ويبحث عن الجواب الدقيق حول عدد شهداء الإعدام الميداني في كرداسة، وحماة، وتل الزعتر، وميدان رابعة العدوية، وجسر الشغور، وعشرات المواقع الأخرى التي حصدت فيها هذه الأنظمة العربية المتخلفة عشرات الآلاف من أحرارها وحرائرها، وهي تنعت نفسها بالبعثية تارة، والناصرية تارة أخرى، والتصحيحية تارة ثالثة، والاشتراكية تارة رابعة، والدستورية تارة خامسة.
وهي هذه الأسماء التي تعددت، وظل حكم الإعدام الميداني جاثمًا على صدر العالم العربي، حتى بعد أن حاول أن يقف على قدميه في ثورات الربيع العربي، فوجد مقصلة الإعدام الميداني تنتظره في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ويعلم الله تعالى كم بلغ عدد شهداء ثورات الربيع العربي، الذين قالوا كفى لآل زين العابدين وآل مبارك وآل القذافي وآل صالح وآل الأسد.
ولا تزال دماء هؤلاء الشهداء رطبة، لم تجف حتى الآن. ولا يزال المؤرخ ذو الضمير العلمي الحي مطالبًا أن يوثق بطولات شهداء هذا الربيع العربي توثيقًا علميًا، يؤكد أن في بيت العالم العربي عشرات وآلاف الرجال، وليس رجلًا واحدًا.
ويوم أن كانت، ولا تزال، هذه الأنظمة العربية المتخلفة تتقن فن الإعدام الميداني، كانت ولا تزال تتقن فن الإعدام الإعلامي، فهي التي جعلت من القنوات والإذاعات والمجلات والصحف، ثم مواقع التواصل فيما بعد، ملكًا شخصيًا لها، وهي التي أحالت من يعملون في كل هذه المواقع الإعلامية جيشًا إعلاميًا يحارب باسمها على قاعدة: من أراد أن يأكل من خبز السلطان، فليحارب بسيفه. وهي التي كرست كل هذه المواقع الإعلامية ميادين حرب لبطولاتها الوهمية، التي كانت ولا تزال تشن بواسطتها حربًا ضروسًا على أحرار وحرائر العالم العربي.
ولا تزال تطل علينا بين الحين والآخر لتبشر مضطهدي العالم العربي أنها انتصرت على المعارض (س)، أو على الحزب (ص)، أو على الحركة المعارضة (ن)، أو على التنظيم المعارض (د)، أو على المجموعة (م) العابثين وفق حساباتها بأمن الوطن العربي والمواطن العربي والاستقرار العربي والازدهار العربي والمارد العربي، ويا لها من مسميات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
وهكذا أتقنت هذه الأنظمة العربية فن الإعدام الإعلامي، لأنه هو الذي يمهد لها الطريق لمواصلة فن الإعدام الميداني.
وبدافع الإعدام الإعلامي، فقد ألصقت تهمة الخيانة، والعمالة، والرجعية، والأصولية، والارتباط بقوى مشبوهة خارجية، والتآمر على سلامة الوطن بكل معارض أو معارضة، كمشهد لا بد منه في حسابات هذه الأنظمة العربية المتخلفة التي فرضت حكم الإعدام الميداني عليهم.
وهكذا في لحظات عين وانتباهتها، تحول الشهيد حسن البنا وفق بيانات الإعدام الإعلامي لهذه الأنظمة المتخلفة، إلى عميل بريطاني، وتحول الشهيد سيد قطب وفق هذه البيانات الدونية، إلى عميل أمريكي، وتحول الشهيد مروان حديد إلى متخلف رجعي، وتحول الشهيد محمد مرسي إلى عميل لقطر وحماس، وتحول ابن الشهيد محمد مرسي إلى تاجر مخدرات، وتحولت الحرة الأديبة زينب الغزالي إلى المطعونة في شرفها، وتحول شهداء الربيع العربي إلى مأجورين لأمريكا وأوروبا والحركة الصهيونية. وتحولت كل الصحوة الإسلامية إلى تكفيرية.
وهكذا تحول أحرار العالم وحرائر العالم العربي إلى نزلاء إما في سجون العالم العربي في انتظار الإعدام الميداني، أو في شتات الأرض غرباء خارج العالم العربي الذي أصبح محرمًا عليهم دخوله. ويا للمواطن العربي المسكين المضطهد الذي يعيش هذا المشهد المأساوي صباحًا ومساءً، إذا نظر يمينًا تقع عيناه على الإعدام الميداني لأخيه وابنه وجاره، وإذا نظر يسارًا تقع عيناه على الإعدام الإعلامي يخون الأمين ويكذب الصادق ويحرق أعراض الحرائر والأحرار ويسود وجوه الشرفاء، وفي المقابل يرى جزاري هذا الإعدام الإعلامي يؤمنون الخائن ويصدقون الكاذب ويهتفون بأسماء تجار الأعراض ويبيضون وجوه الأراذل.
فيا لهذا المواطن العربي المغلوب على أمره الذي بات يعاني من احتلال داخلي في الوقت الذي لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني فيه من احتلال إسرائيلي أمريكي أوروبي.
وهكذا بات العالم العربي محتلًا احتلالًا داخليًا أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصطلح: (المُلك الجبري) على مدار قرن من الزمان ويزيد. فلا أدري ماذا يمكن للمواطن العربي المسكين أن يقدم لغزة التي تحتضر أمام أعين العالم وهو الذي يحتضر كذلك تحت وطأة الإعدام الميداني أو الإعدام الإعلامي أو لسعات جيوش الذباب الإلكتروني العربي التي باتت تطوف حول عروش رويبضات الملك الجبري وتستميت بالدفاع عنها وتبذل لها الغالي والرخيص، لدرجة أن هذه الجيوش الجرارة من هذا الذباب الإلكتروني قد بذلت ضمائرها وعقولها وجوارحها لهذه الرويبضات، فأصبحت هذه الجيوش الجرارة من هذا الذباب الهجين بلا ضمائر وأصبحت قابلة أن تكذب وتزيف وتشوه، وهل هناك أرخص من تلك الذبابة الإلكترونية التي هانت عليها نفسها وقالت تفتري إن بنت الشيخ كمال خطيب تعمل في محل تدليك، أم هل هناك أرخص من تلك الذبابة الإلكترونية التي سولت لها وضاعتها أن قالت تفتري إن هناك بنتًا للشيخ رائد صلاح تدعى إيلاه وهي إحدى الناطقات الرسميات باسم الجيش الإسرائيلي، علمًا أن كل حرة وحر يعلمون أن الله تعالى رزقني خمس بنات ورزقني ثلاثة أبناء وأسماء بناتي: لبابة وحماس ورقية ومريم وريحانة.
فيا ليت شعري، من أين جاءت هذه الذبابة الإلكترونية باسم إيلاه؟ والعجب كل العجب أن خلية من هذا الذباب الإلكتروني رضيت لها دونيتها أن تختار لي مقطعًا مصورًا تم بثه سابقًا، ثم قامت بحذف صوتي من هذا المقطع المصور، ثم ألصقت بهذا المقطع المصور صوتًا كأنه صوتي، وهو ليس بصوتي، مستعينة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، وقامت بدمج هذا الصوت المزيف الذي يقلد صوتي مع هذا المقطع المصور، وادعت أنني أدعو مجتمعنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني، بواسطة هذا الصوت المزيف المفترى علي، إلى الاستثمار في منصة استثمارية (كابيتال-تريد) بادعاء أن هذه المنصة الاستثمارية، وفق هذا الصوت المزيف المفترى علي، توافق أحكام الشريعة الإسلامية.
ثم تلقفت هذا المقطع المزيف المفترى علي قناة تطلق على نفسها (الغد)، ولا أدري من يقف خلفها، وراحت هذه القناة تروج لهذا المقطع المزيف المفترى علي، وراحت تدعي أنها حاولت أن تحصل على رد مني، ولم تنجح بذلك، ولا أدري هل هناك انحطاط بعد هذا الانحطاط الإعلامي، وهل هناك قذارة بعد قذارة هذه الخلية من هذا الذباب الإلكتروني؟ وهل هناك جيفة قد أكلها الدود أنتن من جيفة هذا المقطع المزيف المفترى علي؟ ويعلم الله تعالى أنني ما سمعت بهذا الاسم (كابيتال-تريد) ولو مرة واحدة في حياتي، ولم أسمع به إلا بعد الترويج لهذا المقطع المزيف المفترى علي.
لذلك، أصارحكم القول إنني بعد أن شاهدت هذا المقطع المزيف المفترى علي يوم الثلاثاء الماضي الموافق 5-8-2025م، رحت أطلب من بعض الإخوة أن يشرحوا لي عن هذا الاسم (كابيتال-تريد)، ورأيت من واجب الوقت الفوري أن أبين حقيقة هذا المقطع المزيف المفترى علي، ونحن في زيارة أحد الأهل الكرام في شفا-عمرو، وقمت على الفور بتصوير مقطع قصير أعلنت فيه براءتي من هذا المقطع المزيف المفترى علي، وأكدت فيه أن هذا المقطع المزيف المفترى علي تقف من ورائه بعض سحرة الإعلام الإسرائيلي، مع لفت انتباه الجميع أنني أدرك سلفًا أن ما أملك من إمكانيات إعلامية هي إمكانيات محدودة جدًا وتكاد أن تختفي إلى جانب ما يملكه الذباب الإلكتروني العربي أو ما يملكه بعض سحرة الإعلام الإسرائيلي، ومع ذلك قمت بواجبي على قاعدة (فسيكفيكهم الله) وعلى قاعدة (إن الله يدافع عن الذين آمنوا).
وسلفًا أؤكد أنه واضح لي أن حملة الترويج لهذا المقطع المزيف المفترى علي لن تتوقف، وسيصر ذباب هذه الحملة على الترويج لهذا المقطع المزيف المفترى علي على قاعدة (أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس) طمعًا من هذا الذباب أن يرسخ هذا المقطع المزيف المفترى علي في أذهان الناس حتى يتعاملوا معه وكأنه حقيقة، بدليل أن هذا الذباب لا يزال يروج حتى الآن لهذا المقطع المزيف المفترى علي بواسطة قنوات فضائية أو عبر بعض مواقع التواصل مجهولة الحسب والنسب، أو بالكتابة عن هذا المقطع المزيف المفترى علي، وباتوا يصدرون أحكامًا استنادًا إليه وكأنه حقيقة. ولكن الحق الذي ملأ صدورنا هو أقوى من باطل كل هذا الذباب الإلكتروني ولو حشدوا له مئات الوسائل الإعلامية، وسيبقى هذا الصراع بين حقنا وباطلهم والنتيجة هي كما قال الله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).



