أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

المستحيل.. حكايات مزورة (2)

الشيخ أمير نفار – عضو حركة الدعوة والإصلاح

تمشَّى الباطل يومًا مع الحق فقال الباطل: أنا أعلى منك رأسًا. قال الحق: أنا أثبت منك قدمًا. قال الباطل: أنا أقوى منك. قال الحق: أنا أبقى منك. قال الباطل: أنا معي الأقوياء والمترفون. قال الحق: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖوَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}. قال الباطل: أنا أكثر منك عددًا. قال الحق:

تُعيّرنا أنّا قليلٌ عَديدُنا
فقلت لها: إن الكرام قليلُ
وما قلّ من كانت بقاياهُ مثلَنا
شبابٌ تسامى للعُلا وكهولُ

قال الباطل: أستطيع أن أقتلك الآن. قال الحق: حبوب سُنبلة تجفّ ستملأ الوادي سنابل.

هكذا هو الحق وأهله على الدوام، لا يعرفون للمستحيل سبيلاً، لا يُستأصلون، ولا يُكبّلون.. ثابتون في المحن والمنح في الشدة والرخاء، عند الترهيب والترغيب، والبأساء والضراء. تراهم لا يُفتنون بتغرير ولا ينقصون بتحذير.لا تُرهبهم سياط الجلّادين اللاذعة ولا تغريهم سبائك الذهب اللامعة، يتعلق أحدهم بالباقية فينطلق في طريق الحق واثق الخطى، رافع الرأس، ثابت القلب، قوي الجنان، راضي النفس، مطمئن الفؤاد، شعاره
قول الشاعر:

ولا أبالي بأشواكٍ ولا محنٍ
على طريقي وبي عزمي ولي شغفي
أنا الحسام، بريق الشمس في طرفٍ مني
وشفرة سيف الهند في طرف
والناس تصرخ أحجم
والوغى نشبت والله يهتف
بي: أقدم ولا تخف
ماضٍ، فلو كنت وحدي
والدُّنا صرخت بي قف
لسرتُ فلم أبطئ ولم أقف

فالحق منتصر ولو ضعف أهله، والباطل زاهق ولو تسلّط أهله، وذلك لما يحمل في أعماقه -أي الحق- من مقومات البقاء، ولما يحمل أهله من سمات الصفاء، التي تتصل جميعًا بشرعة السماء، ومنها:

1- أمنية ورقة بن نوفل حينما قال: “ليتني أكون فيها جذعًا.. وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا”.

2- همة الصديق رضي الله عنه وإدراكه للمسؤولية حينما قال: “أينقص الدين وأنا حيّ؟!”.

3- صيحة الحرية العمرية حينما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”.

وقد ربط الشيخ محمد أحمد الراشد -رحمه الله- بينها برباطٍ من ذهب حيث قال في (المنطلق): “حقيقتان بازغتان تصفان الداعية المسلم دومًا، وفي ظلالهما يعيش سعيدًا. أنه: لا الأرض تحدّه ولا العذاب يُرهبه. وكل واحدة من هاتين الحقيقتين هي الوجه الآخر للحرية والأمل. الحرية التي ترفع الدعاة عن ثقل المطامع، والأمل الذي يدفعهم إلى البذل”.

أما من حُرم السقاية من هذا النبع الصافي، فهو على شفا جرفٍ هار، مثله كشجرة لا أصل لها ولا جذور ولا ثمار، لا تصمد أمام إعصار، ولا تقوى على مُغالبة الآفات والأضرار.. يُفزعه الخبر، ويذهب بقلبه… لا يثبت على فكرة، ولا يصلح لقيادة، ولا يُرشح لسيادة.

ختامًا: سطّر الشيخ الراشد رحمه الله في (العوائق) حكمة تضع نفسها أمامنا مع انتهاء جولة المستحيل واليأس، فقال: “بلغنا أن زاهدًا كان كثير الوصية والنصح لأصحابه، يروي لهم كل يوم طرفًا من تجاربه في الحياة، وتأملاته في طبائع النفوس، فلما أنهى حديثه ذات يوم قال له مُقدّم أصحابه: لو أوجزت أيها الشيخ معناك في جملة تكون لنا شعار! فقال الشيخ: نعم، أفعل.

فقام، وكتب على الجدار الذي يجلسون عنده، بخط كبير: (لا تمضوا في طريق اليأس، ففي الكون آمال.

ولا تتجهوا نحو الظلمات، ففي الكون شموس). ثم انصرف. فكانت الشعار”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى