أخبار وتقاريرعرب ودوليمقالاتومضات

معركة الوعي (242) إرهاصات المرحلة القادمة غزة، سوريا الشام وما بعدهما

حامد اغبارية

(1)

قلنا في مقال سابق إن الحدث الذي وقع يوم السابع من تشرين الأول 20123 قد أحدث نَقْبًا في السدّ، وأن هذا النَّقْب يستحيل سدُّه، بل سيتسع ويتسع حتى ينهار السد. وكان السؤال: على رأس من سينهار السدّ؟!

والجواب البسيط: سينهار السدّ على رأس صُناع الخراب فوق كوكب الأرض؛ أولئك الذين يكرهون كلَّ من له علاقة بصناعة الحياة. وأول ما سينهار سيكون فوق رؤوس الذين يعيثون في الأرض فسادا. وأظنّ أهلَ الكوكب يعرفونهم بالاسم والصفة والهيئة والسلوك والتّاريخ.

وقبل أن ينهار السدّ فوق الرؤوس الخرِبة المخرّبِة ستقع أحداثٌ جسام، ستَقلبُ الموازين انقلابا مدهشا، لا يمكن لحمقى الأرض أن يتخيّلوه، لكننا نتخيله كأنَّنا نراه عَيانا. فقد حُدِّثنا به من قرون، ونحن نصدّقه تصديقنا أنّ السماء فوقنا وأنّ الأرض تحتنا، ولا نصدّق، ولا نميل حتى مَيْلة الأنملة إلى تصديق غيره مما يتردد على ألسنة السّحَرة الكذَبة.

(2)

إن ما يحدث في سوريا الشام في الأيام الأخيرة، إنما هو حلقة من حلقات انهيار السدّ، ويحمل إرهاصات لما سيأتي بعدُ. فالمسألة دخلت مرحلة اللارجوع، وما بعدها أشدّ حلكة، لكنّه يحمل بشائرَ خيرٍ عظيم.

لا رجوع ولا توقف. فقد غرّت الحمقى قوّتهم وجبروتهم واصطفاف أغبياء الكوكب خلفهم، كما غرّهم سكونُ العاصفة، وهم لا يعلمون أنهم إنّما يُستدرجون، وعندها لات حين مناص!!

(3)

إن من أخطر وأصعب وأثقل الأمور على النّفس أن تتعلّق الآمال بأشخاص معيّنين، حتى إذا لم يتحقق ذلك أصيب الناس بصدمة تبعدهم سنوات ضوئية عما يبحثون عنه…! لكن من الخطر والخطأ أيضا أن يقع المرء ضحية للإعلام المضلِّل الذي أغرق الناس في الأسابيع الماضية، إلى ما قبل العدوان على سوريا بـ “مفاوضات ولقاءات واتفاقات” يجري نسج خيوطها بين سوريا الشام وبين تل أبيب!

كيف يقع المرء في هذا الفخ وهو يعلم علم اليقين أنه إعلام مهنته الكذب؛ يتغذى بالكذب ويتنفس من الكذب، بدءا من الإعلام العبري إلى قنوات العار، مثل “العربية” و “سكاي نيوز” و “الميادين” و “سيسي ميديا” وغيرها؟ كيف يصدّقُ ذو الحجى كذابًا؟!!

إن الأنظار يجب أن تتجه إلى سوريا الشام، بغضّ النظر عن الأسماء والأشخاص. فقد يكون الرئيس السوري أحمد الشرع صاحب دور مهم وتاريخي قادم، وقد لا يكون. وقد يكون ممهِّدا لمرحلة قادمة وقد لا يكون، وقد يعيش طويلا، وقد تغتاله يدر غادرة اعتادت ذلك وورثته أبا عن جد. وإن كنتُ أظنّ بالرجل وبمن معه خيرا.

ويكفيني من هذا أن أعرف من أين تُطلق السهام المسمومة التي طالت الرجل وألصقت به تُهمًا خبيثة تنم عن نفوس مريضة، حتى صوّرته مجرد مليشيا دموية تارة، وصنيعة أمريكية- إسرائيلية تارة أخرى، هكذا بجرة قلم، وهي ذات السهام التي وُجّهت ذات يوم إلى الإخوان المسلمين يوم رمتهم بالعمالة لبريطانيا، وهي ذات السهام التي طالت ذات يوم المشروع الإسلامي في الداخل واتهمته بالطائفية تارة وبالعمالة تارة أخرى، وهي ذات السهام التي وُجهت ذات يوم إلى ثورة الشعب المصري ورئيسه المنتخب، وساندت الانقلابيين الدمويين وشمتت بدماء ضحاياهم.

يكفيك من شأنِ الشريف بأنّه يَلقى الأذى من حاقدٍ متربّصِ

وأيَّا كان شأن الأشخاص وأدوارهم، فإنّ هذا لا يغير من الأمر شيئا، فكُرةُ الثلج بدأت تتدحرج، ولن تتوقف. قد تُبطئ سنوات، لكنها ستواصل السير في المنحدر حتى تستقر في الوادي. إن اهتمامك بالحدث دون الاهتمام بالأشخاص هو الأهمّ وهو الصواب، حتى لا يقودك عجزُك البشري عن إدراك المعاني إلى طرح أسئلة تشكّك بالمعاني. ولتكُن بوصلتَك إيمانُك اليقيني بأنّ البشريات في الشام كائنةٌ ذات يوم، ودعك من الأسماء، فإنّ الله تعالى يختار من عباده من يشاء ليرفع به رايات الحق.، فلا تنشغل بهذا، فهو ليس من شأنك ولا طائل من ورائه، وانشغل بما هو أعظم: بما سيكون، وأين ستكون أنت حين يكون.

(4)

على مدى التاريخ البشري كان للمعتدي والمستعمر عملاء من الداخل يخدمون أجندتهم ويفتحون لهم الطريق ويوفرون لهم الأسباب ويخترعون لهم الذرائع لزرع الفتن والخراب. وهذه قاعدة لا تتغير ولا تتبدل.

فقد عرفناها من التاريخ، وعشنا مرارتها كأمّة في الغزو الصليبي والتتري والفرنسي والبريطاني لبلاد المسلمين، كما عشنا علقمها كفلسطينيين أيام الاحتلال البريطاني، وعشيّة النكبة وأثناءها وبعدها أمام المشروع الصهيوني، وما زلنا نتجرع كأس حنظلها إلى اليوم في الضفة والقطاع. فماذا كانت النتيجة؟ وماذا حقق المعتدون؟ خيبات وصدمات وهزائم، ثم عار لا يُمحى حُفِر على جباه العملاء. وسوريا الشام ليست استثناء.

فقد وجدت تل أبيب لها عملاء في السويداء السورية، وقد أوهمتهم أنها تسعى لحمايتهم، بينما تستخدمهم من أجل أطماع مشروعها… وسيفاجأون ذات يوم قريب أنها تلقي بهم كما الليمونة بعد عصرها. وسنرى أصابع كثيرة (على الشاشات) يعُضّها أصحابها ندما، من ذات نوع الأصابع التي نراها اليوم تشير بالسوء إلى سوريا الشام.

أوهمتهم كما أوهمت إخوانهم في البلاد أنهم إخوة دم ومصير، في الوقت الذي كان كبارهم بالأمس -وما زالوا- يشْكون من التمييز والقهر ومن مصادرة الأرض ومن كل الأزمات التي يعاني منها أهل الداخل جميعا دون استثناء. وها هي تلعب اليوم على الجميع وبالجميع، وتجرّهم إلى هاوية سحيقة حفروها بأيديهم بغباءٍ جدير أن يسجلوا فيه براءة اختراع!!

لقد ارتكب هؤلاء خطأ تاريخيا- هو أقرب إلى الخطيئة- يوم اختاروا الجانب الخطأ، وقلبوا ظهر المجن لأمتهم، ظنّا منهم أن هذا سيحقق لهم مصلحة أو يحقّ لهم حقا، بينما هم في الحقيقة مجرد أداة يستخدمها المشروع الصهيوني لتحقيق أطماعه… ولسوف يُصدَمون عندما تحين ساعة الحقيقة….

(5)

تتذرع تل أبيب (كالعادة) بأنها تدخلت في سوريا استجابة لنداء استغاثة من “دروز سوريا” الذين “يتعرضون لمذبحة على يد نظام الشرع (الذي يصرون- عن سبق إصرار يحمل من الشرّ الكثير- على تسميته باسمه الحركي “الجولاني”)!

غير أن الحقيقة أبعد ما تكون عن هذا. فتل- أبيب لا تحلم بالدروز (لا دروز البلاد ولا لبنان ولا سوريا)، ولا هي “تكيّل بصاعهم” كما يقال، ولا يهمها أمرهم لا من قريب ولا من بعيد، ولو لم يكن في سوريا مثل تلك الفئة المارقة التي باعت نفسها للشيطان، لأوجدوا غيرها، كما وجد من سبقوها عملاء لهم جعلوهم جسرا يمرون فوقه ليحققوا أطماعهم. فما حقيقة الأمر إذًا؟!!

(6)

يؤمن القوم، إيمان عقيدة، بأن الخطر الذي يهدد وجودهم سيأتي من الشمال. ونجد هذه المقولة عند “يرميا النبي”: “وقال لي الرب: من الشمال يُفتتح الشر على جميع أهل البلاد”. وقد فسرها أسلافهم بأن المقصود هو نبوخذ نصر، القادم من بابل من الشمال أيام السبي البابلي، ولكنهم يؤمنون أيضا بأن المسألة لم تنته عند هذا الحدث، وأن الباب مفتوح على مصراعيه لأحداث قادمة.

لذلك شنوا حروبا على لبنان في عصرنا الحاضر لاعتقادهم أن “الشر” عنوانه حزب الله اللبناني. وها هم اليوم يوقدون نار الحرب على سوريا إذ ربما أن سوريا اليوم، بعد فرار حليفهم، سليل حليفهم التاريخي، هي عنوان ما يخشونه. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سيرتكبون كل حماقة للقضاء على هذا “الشر”! فهل اتضح لك الآن معنى مقولة “من حقّها الدفاع عن نفسها” حتى لو ارتكبت كل الفظائع؟!!

لذلك لن تنتهي الأمور- فيما يبدو لي- عند هذا الحد، بل أتوقع لحظة يقود الغرور والاستعلاء والتواطؤ الدولي والاستخذاء العربي، قادة المشروع الصهيوني إلى شن حرب شاملة على سوريا الشام انطلاقا من مقولة “من حقها الدفاع عن نفسها”!!، ولن تُعدم اختلاق “ذرائع ومبررات” يدندن عليها إعلام الكذب، لتجد نفسها قد وقعت في شر نفسها وهي تسعى إلى منع “الشرّ القادم من الشمال”!

(7)

لم يحدث قبل ذلك أنّ رئيس دولة خرج بخطابٍ على شعبه يشرح له فيه الموقف بعد صلاة الفجر.

بعد صلاة الفجر؟ والناس نيام؟!

نحن لا نتحدث عن النيام، فليهنأ النائمون بنومهم. نحن نتحدث عن أناس آخرين، يبدأ يوم نشاطهم من صلاة الفجر…. هؤلاء يعيشون في بلاد الشام.

هذا مشهد يحمل الكثير من المعاني والدلالات…

(8)

أتساءل كثيرا عن نهاية الطغاة، وسقوط إمبراطوريات الشر، من أمثال النمرود وفرعون وكسرى وقيصر وجنكيزخان وهولاكو وموسوليني وهتلر ونابليون، كما سقوط عملاء الاستعمار والغزاة أمثال شاور وابن العلقمي وعملاء الاستعمار الحديث، وأتعجب من سرعة سقوطهم جراء ما كسبته أيديهم، وأتعجب أكثر من إصرار الحمقى من طواغيت هذه الأيام وعملائهم على السير في ذات الطريق، وكأنهم لا يقرأون التاريخ!

(9)

إنها إرهاصات المرحلة القادمة، نعيش لحظاتها بآلامها وآمالها، بدأت من غزة، ولن تنتهي في سوريا الشام.

سوريا الشام التي لها دور تاريخي حاسم، قادم لا محالة، رغم أن المشهد الحالي لا يشير إلى شيء من هذا ولا يبدو أنه يقترب منه. بل يبدو أنّ الحكم الحالي ليس معنيا- في هذه المرحلة- بأية مواجهة، لأسباب ذات وجاهة هو أعلم بها، لكن الأمر لا يتعلق برغبة النظام، بل متعلق أكثر بسلوك الأطراف الأخرى. وفي التاريخ لحظات حاسمة ظنّ الطواغيت أن الأمور قد حُسمت لصالحهم، فجاءهم من لم يخطر لهم أنّه يأتي.. ذلك أنّهم بفعائلهم وغرورهم استفزوا المارد في القمقم.

متى هو؟ ومتى يكون؟
ليس اليوم وليس غدا، وقد يستغرق سنوات وأكثر، لكنه كائن. إذ لم يسجل التاريخ أن ظلما عاش إلى الأبد، أو أنّ ظالما لم يدفع ثمن ظلُمه، أو طاغوتا ثمن طغيانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى