معركة الوعي (241) وقفة قصيرة مع افتراءات جريس بولس حول جماعة الإخوان المسلمين
حامد اغبارية
استمعتُ إلى مقطع من مقابلة تلفزيونية على تلفزيون (إحنا تي في) مع المدعو جريس بولس (من كفر ياسيف)، الذي يقدّم نفسه للجمهور أنه باحث وكاتب قومي عربي، يتحدث فيه عن الإخوان المسلمين متهما إياهم بأنهم ينتمون إلى الماسونيّة، ثم يربط بينهم وبين الصهيونيّة، بصفتها ذراعا أخرى من أذرع الماسونية، بطريقة أبعد ما تكون عن الحقيقة، كما أنها أبعد ما تكون عن أصول البحث العلمي التي يجب أن يتبعها باحث حقيقي، وليس مجرد شخص يطلق على نفسه صفة “باحث”.
يقول بولس في ذلك المقطع ما يلي: “…أنا كتبت مقال (بجنّن) اسمه “هل سيطرت الماسونية على حركة الإخوان المسلمين؟”، وسميته “الماسوإخوانكية”. يعني بمعنى أن هناك الكثير من الأشباه بين الماسونية وبين الإخوان المسلمين، مثل درجة الأستاذية، عندهم درجة الأستاذ، الماسونية والإخوان المسلمون، نفس الطقوس السرية، السيف والكفوف البيضاء، إلى آخره.. حسن الهضيبي كان ماسونيا، وعندهم كثير ماسونيين.
أنا كتبت مقال طبعا، وأعتمد على مصادر إخوانية. أدعوكم لقراءة ثلاثة كتب لثروت الخرباوي: “قلب الإخوان”، و “سر المعبد” و “أئمة الشر”، اللي كان إخواني يفضح مشروع الإخوان في المنطقة.
مهم أن تقرأوا هذه الكتب لكي تفهموا ما وظيفة الإخوان في المنطقة، والحركات كلها، داعش وأخواتها. اسّه بالنسبة للذراع الثاني؛ الدولة الصهيونية، هي ذراع من أذرع الدولة العميقة، لأنها تتلاقى في المصالح مع الدولة العميقة، لأن نفس برنامج الدولة العميقة هو برنامج الدولة الصهيونية، بمعنى أنها ذراع أقيمت لكي تكون اليد الطولى للاستعمار في المنطقة بعد وعد بلفور…” إلى هنا الاقتباس.
من الطبيعي أن يختلف القومي مع الإسلامي، وأن يناقش أحدهما أفكار الآخر وبنقدها ويفنّدها ويظهر ضعفها وعيوبها. لكن ليس بهذا المستوى من السطحية والدجل والكذب والافتراء.
وبغضّ النّظر عن موقفي مما يسمى القومية (عربية وغيرها) باعتبارها من أسوأ أنواع العنصرية العرقيّة، فإن جريس بولس هذا ناصري الانتماء، ولذلك من الطبيعي أن يتحامل على الإخوان المسلمين، ويلقي التهم يمنة ويسرة، ويفتش (بسراج وفتيلة) عما يخدم “طموحاته الناصرية- السيساوية- الأسدية” حتى لو وجد ما يبحث عنه عند دجال -كذاب أشر اسمه ثروت الخرباوي.
يقول بولس هذا إنه كتب مقالا (بجنّن) حول سيطرة الماسونيّة على تنظيم الإخوان المسلمين، وقد سمى هذا المقال “هل سيطرت الماسونية على حركة الإخوان المسلمين”، ثم يقول “سميته “الماسوإخوانكية”، وهكذا لا تعرف ما اسم المقال وعنوانه؛ هل هو “هل سيطرت…”، أم “الماسوإخوانكية”؟!! فقد بحثت عن المقال (في الشبكة العنكبوتية) ولم أعثر عليه. وليس هذا هو المهم في المسألة، فقد يكون المقال موجودا، لكن المهم قوله “مقال بجنّن”. وفي الحقيقة كانت هذه الكلمة تكفيني لطيّ الصفحة وعدم الرد على “الباحث الذي يكتب مقالات بتجنّن”!! فمادحُ نفسه مغرور كذاب يحتاج إلى علاج، بل ربما لا علاج له.
لكن كان لا بد من الرد على هذه الأضاليل والافتراءات، لأنّ هذه الحملة المرَضيّة على تنظيم الإخوان المسلمين جزء من الحملة الصليبية- الصهيو- ماسونية العالمية على الإسلام، وليس فقط على التنظيمات والحركات الإسلامية.
يزعم بولس، وهو أحد الداعمين لأكثر الأنظمة العربية الفاشية دموية، نظام عائلة الأسد البائد، أن هناك أوجه شبه (يستخدم هو لفظ “أشباه”، وهو لفظ خاطئ، لكن الجميل في استخدامه أنه يذكرك بأشباه الباحثين وأشباه القوميين وأشباه الوطنيين) بين الماسونية وبين الإخوان المسلمين! كيف ذلك؟؟ نفس الطقوس السرية!! السيف والكفوف البيضاء…
فإذا كانت تلك الطقوس سرية، فيكف أطلق حكمه على أمور لا يعرفها لأنها سريّة؟ أم أنه قد انكشف عنه الغطاء فأصبح يرى ما وراء الجدران والحيطان؟!! عجيب أمر الدجل كيف يوقع بصاحبه من حيث لا يدري.
ثم يكرر ذات السمفونية المشروخة بأن الإمام حسن الهضيبي، مرشد الإخوان، رحمه الله، كان ماسونيا. هكذا، بجرة قلم ودون دليل علمي أو تاريخي، يفترض أن يعتمده الباحث العلمي.
لحظة من فضلك. فالرجل عنده دليل، كما يقول، فهو يعتمد على مصادر إخوانية.
وما هي هذه المصادر الإخوانية؟
إنها ثلاثة كتب لثروت الخرباوي (الإخواني السابق)، ينصح بقراءتها لأنها -حسب زعمه- تفضح كل مشروع الإخوان في المنطقة، والكتب هي “قلب الإخوان” و “سر المعبد” و”أئمة الشر”، وحسب قوله، فإن هذه الكتب تساعد على فهم وظيفة الإخوان والحركات كلها داعش وأخواتها!!
أولا: هذه ليست مصادر إخوانية. بل هي مصادر معادية للإخوان باعتراف مؤلفها الخرباوي. فكيف أصبحت أضاليل شخص خرج من الإخوان، ألّفها بعد خروجه من التنظيم، مصادر إخوانيّة؟ أنت عندما تقول “مصادر إخوانية” فهذا يعني أنها لمؤلفين ما زالوا يؤمنون بمنهج الإخوان، لا من أشخاص تركوا المنهج ثمّ انقضّوا عليه بدوافع شخصية لا علاقة لها بحقائق التاريخ. هذه ليست مصادر إخوانية.
ثانيا: قرأنا كتب الخرباوي، فلم نزدد إلا يقينا بأن منهج الإخوان المسلمين منهج صحيح على طريق السلف. ثم بحثنا عن “أسرار المعبد”، فوجدنا أنها “أسرار” يعرفها كل الناس، دون جهد ودون مؤلفات كل الحرباوات، فحتى الحاج عبد المعطي الذي يأكل الذرة المشوية على ضفاف النيل يعرفها. وليس هناك لا سيف ولا قفازات بيضاء ولا أي شيء مما يزعمه بولس وأشباهه. كذلك فإن الحرباوي يورد في كتبه أمورا ليس عليها دليل واحد أو حتى قرينة.
بل هي مجرد افتراءات ومواقف شخصيّة تنمّ عن رغبة شديدة في الانتقام، حتى تلك التي تتعلق بالجانب الشخصي لحرباوي وعلاقته بالتنظيم. هذا ناهيك عن ركاكة اللغة وعدم ترابط الأفكار الواردة فيها والتناقضات الكثيرة التي تملأ تلك الكتب، خاصة كتاب “سر المعبد”، إلى درجة أنها تستحق بحثا علميا حقيقيا، لإثبات أضاليل الرجل. وأنا هنا أتجنب إيراد أمثلة من تلك الكتب في هذه المقالة، ولكن إذا اقتضت الضرورة ذلك فسوف أفرد لها مقالا قادما بإذن الله.
ثالثا: إنها تلك المقولة الشهيرة: إذا أردت أن تعرف الحق، فاتّبع سهام العدو”، وفي حالتنا فإنّ السهام الموجهة إلى الإسلام وإلى التنظيمات والحركات، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي نهضت بالإسلام في زمن الانحطاط، وخرجت لخدمته وقدمت من التضحيات ما يكفي لتأليف عشرة أضعاف كتب الخرباوي وأمثاله، إنما هي دليل على أن هذه التنظيمات في معسكر الحق. ولما أنك تجد الخرباوي هذا ضيفا دائما على فضائيات نظام السيسي الفاشي، وفضائيات مثل “قناة العربية” السعودية أو “سكاي نيوز” الإماراتية في زمن تتعرض فيه جماعة الإخوان المسلمين لحرب عالمية تقودها واشنطن (أم الماسونية- الصليبية) وتؤجج نارها تل- أبيب والعواصم الأوروبية وعواصم أنظمة العار العربية، فإن هذا دليل واضح على سقوط من يعزفون على ذات الأوتار ويبثون على نفس الموجة.
رابعا: يربط بولس ربطا خبيثا بين الحركة الصهيونية وبين الإخوان المسلمين باعتبارهما من ذات المنبع، الماسونية أو ما يسميه هو “الدولة العميقة” التي زرعت الدولة الصهيونية لخدمة الاستعمار. والعجيب أن بولس لم يتنبّه إلى أنّ هذه “الأخوّة” المزعومة بين الصهيونية وبين تنظيم الإخوان انفضّ مجلسها، إذ تبرأت الصهيونية من “الإخوان”، فهي تشن على التنظيم وعلى كل تنظيم يحمل فكره ويتبنى منهجه حربا مجنونة مسعورة، كما تفعل كل أنظمة العار العربية وأنظمة الحملة الصليبية من واشنطن إلى لندن. فكيف يستقيم هذا مع ذاك؟ إنه يستقيم في حالة واحدة فقط: عندما يتحدث الكذاب أمام القطيع الذي يتلقى “المعلومة- الكذبة” ويجعلها وحيا من السماء، ويتعبّد بها آلهةَ الدجل دون تفكير ودون تدبّر!!
خامسا: لو أنّك جمعت ما يقوله الخرباوي في كتبه وفي مقابلاته التلفزيونية عن الإخوان المسلمين وصولا إلى ثورة يناير 2011 ووصول الرئيس مرسي إلى الرئاسة، وقارنته مع ما يقوله نظام الانقلابيين وإعلامه عن الجماعة وعن الرئيس مرسي، لوجدت فيه من التطابق إلى درجة التوأمة ما يثير العجب. وفي هذا ما يكفي ليدلك على حقيقة هؤلاء. وما جريس بولس إلا بوق ببغاوي يردد الصدى.


