أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمحليات

بعد 98 يومًا من الحرب على غزة.. د. مهند مصطفى: تهجير سكان القطاع كان الهدف المركزي غير المعلن للحرب.. يوجد رفض دولي لهذا المشروع

• هنالك تناقض بين الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب، حيث لا يمكن القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى والرهائن في نفس الوقت

• الدمار الذي ألحقته إسرائيل بغزة لم يحدث حتى لرمز الدمار في الحرب العالمية الثانية- مدينة “درسدن” الألمانية

• الحرب لن تتوقف لأنّ نتنياهو يعمل بمثابرة للحفاظ على حكمه

طه اغبارية

بعد مرور 98 يومًا من الحرب التي تشنّها المؤسسة الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات الأمريكية الأخيرة في هذا الشأن، يناقش “موطني 48” مع د. مهند مصطفى- رئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في “بيت بيرل”، والمدير العام لمركز “مدى الكرمل” في حيفا- آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة وكيف يقرأ المشهد الإسرائيلي الحالي.

د. مهند مصطفى
د. مهند مصطفى

ما هو تقييمك للحرب حتى الان؟
د. مهند: واضح أنّ إسرائيل لم تحقق حتى الان أهدافها الكبرى من الحرب، وهي القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى والرهائن الإسرائيليين من قطاع غزة. فضلا عن وجود تناقض بين الهدفين. مع قناعتي أنّ نتنياهو أدرج الهدف الثاني بسبب ضغط عائلات الأسرى والرهائن وبعد مرور أكثر من أسبوعين على الحرب. هنالك تناقض بين الهدفين، فلا يمكن القضاء على حركة حماس وفي نفس الوقت استعادة الأسرى والرهائن، ولا يمكن استعادة الأسرى والرهائن بدون بقاء حركة حماس. ومع ذلك يجب أن نُذكر أن دمارا هائلا حدث في القطاع للبنية التحية على جميع مجالاتها، إلى جانب المعاناة الإنسانية غير المسبوقة، هذا الدمار لم يحدث حتى لرمز الدمار في الحرب العالمية الثانية وهي مدينة “درسدن” الألمانية، كما أنّ الدمار الذي ألحقته إسرائيل في قطاع غزة أكبر من الدمار الذي ألحقه النظام السوري في حلب على مدار ثلاث سنوات بعشرات الأضعاف. كما فحصت ذلك صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية. هنالك معاناة فردية لا نستطيع مجرد تخيّلها، ومعاناة جماعية غير مسبوقة في الحروب، مثل منع دخول الدواء والغذاء والماء بالحد الأدنى منه.

تحدث الكثير من السياسيين الإسرائيليين عن تهجير سكان القطاع، هل يمكن تحقيق ذلك؟
د. مهند: أعتقد أنَّ تهجير سكان القطاع كان الهدف غير المعلن للحرب، وخروج سياسيين رسميين في الآونة الأخيرة للحديث بمثابرة عن الموضوع نابع في تصوري من العجز عن تحقيق ذلك، أو هو إدراك إسرائيلي بعدم القدرة على تنفيذ هذا الهدف، لأسباب كثيرة، أهمها الموقف المصري الرافض لذلك، وتحوّل موقف المجتمع الدولي من الحرب التي كشفت أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تجاوزت من مدة طويلة فكرة الدفاع عن النفس، وأنّها تستهدف الشعب الفلسطيني. لذلك هنالك رفض دولي لهذا المشروع، وأخيرا الدعوى التي قدّمتها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، مما دفعت -بصورة انتهازية- المستشارة القضائية للحكومة لتحذير السياسيين الإسرائيليين من هذه التصريحات ليس من منطلق أخلاقي، بل من منطلق انتهازي بسبب بدء مداولات المحكمة الدولية بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة في قطاع غزة.

هل من المتوقع توقف الحرب قريبا؟
د. مهند: للأسف لا، يعمل نتنياهو بمثابرة للحفاظ على حكمه، ففضلا عن إطالة الحرب، وتصريحاته المتكررة بأنه لن يوقف الحرب حتى القضاء على حركة حماس، فإنه عمل على تثبيت حكومته من خلال الحفاظ على مصالح مركباتها المختلفة، فقد حافظ على الميزانيات المخصصة للأحزاب الدينية الأرثوذكسية في الموازنة العامة للعام 2023 في أعقاب الحرب، ولم ينفذ تقليصات جوهرية في الأموال المخصصة للتعليم الديني، كما أنه دعم مساعي وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير في توزيع السلاح على الناس، وإقامة فرق حراسة محلية مسلحة في البلدات اليهودية والتي وصل عددها لحوالي 750 فرقة حراسة، كما أنه توافق مع اليمين الاستيطاني الذي يمثله حزب الصهيونية الدينية برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموطرش فيما يتعلق بتجميد الأموال المخصصة للسلطة الفلسطينية، وتصريحه بأنه لن يسمح بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. إلى جانب تصميمه على إطالة الحرب، وتثبيت أركان حكومته، فإن نتنياهو ينتج سردية يمينية لأحداث السابع من أكتوبر لتسويقها لقواعد اليمين، وتتمحور هذه السردية في النقاط التالية: (1) أنّ المؤسسة العسكرية والأمنية هي المسؤولة عن إخفاق السابع من تشرين الثاني/ أكتوبر، فهي من تقع على عاتقها مهمة الإنذار بتحضيرات حماس بتنفيذ هجوم كبير في جنوب البلاد. (2) تحميل الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في إسرائيل ضد حكومته بسبب التغييرات الدستورية التي كانت تنوي الحكومة تنفيذها، والعصيان العسكري الذي رافق هذا الاحتجاج، وخاصة في سلاح الجو الإسرائيلي، مسؤولية الانطباع الذي وصل لأعداء إسرائيل أن الأخيرة منقسمة داخليا، وأنّ المؤسسة العسكرية ضعيفة بسبب رفض الخدمة العسكرية. (3) تحميل اتفاقيات أوسلو وفك الارتباط عن قطاع غزة عام 2004، مسؤولية الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أن هذه الأحداث هي التي أدت إلى صعود حركة حماس كقوة عسكرية، بسبب غياب السيطرة العسكرية والأمنية على الضفة الغربية وقطاع غزة.

يتم الحديث مؤخرّا عن تصور سياسي لما يسمى ما بعد الحرب؟
د. مهند: لا تملك إسرائيل تصورا سياسيا واضحا أو -على الأقل- تصورا توافقيا على اليوم التالي. هنالك توجهات متباينة داخل الحكومة بهذا الشأن، وهي واحدة من نقاط الخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة. والمفارقة في هذا الصدد، أنّ الولايات تدعم إسرائيل في حربها عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا، ولكن إسرائيل هي العائق الأساسي أمام التصور السياسي الأمريكي لليوم التالي، طبعا كل ذلك على فرض أنّ إسرائيل نجحت في تحقيق أهدافها. التصور الأمريكي هو عودة ما تطلق عليه سلطة فلسطينية متجددة إلى قطاع غزة. التصورات الإسرائيلية تبدأ من الترانسفير وعودة الاستيطان للقطاع، مرورا بفكرة إدارة مدنية فلسطينية محلية على غرار اللجان الشعبية في الضفة الغربية أواخر السبعينيات، وانتهاء بالسيطرة الأمنية العسكرية على قطاع غزة. وكان نتنياهو قد نشر مقالا في “وول ستريت جورنال” أشار فيه إلى رؤيته للأفق السياسي لقطاع غزة، المتمثل في ثلاثة محاور، القضاء على حركة حماس، تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وتعليم الفلسطيني وتثقيفه على عدم كراهية اليهود. ويرفض نتنياهو حسم الموضوع في الحكومة بسبب خوفه من تفكيك حكومته والذهاب إلى انتخابات سيخسر فيها حتما. وقد أجّل نتنياهو عدة مرات جلسات في المجلس الوزاري المصغر لنقاش مرحلة ما بعد الحرب، وعندما التئم المجلس يوم الخميس (5/1) لنقاش الأمر، تهجم وزراء في الحكومة على رئيس هيئة الأركان، مما أرجأ النقاش مرة أخرى حول هذا الموضوع، هنالك مصادر تشير إلى أنّ نتنياهو هو من خطط لتفجير الجلسة حتى لا يُحسم هذا النقاش في الوقت الحالي. جزء من الفوضى السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية نابعة من عدم تحقيق الأهداف العسكرية. ويمكن رصد تحول في لهجة الخطاب الإسرائيلي حول هذه الأهداف، وخاصة فيما يتعلق بالقضاء على حركة حماس، حتى الولايات المتحدة الأمريكية قالت إنّ هذا الهدف غير واقعي، لذلك ترى في الأفق السياسي خيارا لتحقيق هذا الهدف من خلال إزاحة حماس عن السلطة وليس القضاء عليها عسكريا.

تطالب الولايات المتحدة تل أبيب الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، ماذا يعني ذلك؟
د. مهند: أولا الطلب الأمريكي هو رجاء من إسرائيل، وليس طلبا مشفوعا بالضغط. حتى اللحظة لا تمارس الولايات المتحدة ضغطا حقيقيا على إسرائيل، على الرغم من عدم ثقة الإدارة الأمريكية بنتنياهو وحكومته، ولكن هذا يوضح لنا أنّ العلاقات بين الطرفين هي استراتيجية وليس شخصية، على عكس السياسة العربية التي مستعدة للتضحية بقضية كبرى بسبب خلافات شخصية. بدأت إسرائيل بتنفيذ المرحلة الثالثة فقط في شمال القطاع، ولكنها مستمرة بعملياتها المكثفة في الجنوب. وفي تصوري لن تستجيب إسرائيل للطلب الأمريكي بعودة الفلسطينيين النازحين إلى شمال القطاع، لسببين، الأول أنّ هذا الأمر سيكون بالنسبة لنتنياهو مؤشرا للهزيمة بسبب عدم عودة السكان الإسرائيليين الى غلاف غزة وبلدات الشمال. وثانيا أنّ ذلك يحسم فكرة التهجير بالنسبة لليمين وهو لا يريد حسم أي شيء حاليا للبقاء في السلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى